يعقد المشرعون الفرنسيون تصويتاً لحجب الثقة عن حكومة الأقلية الهشة لرئيس الوزراء ميشيل بارنييه يوم الأربعاء، في الوقت الذي يحذر فيه الاقتصاديون من أن المأزق السياسي المحتمل سيُكلف اقتصاد البلاد خسائر فادحة.
يصوت على اقتراحي "حجب الثقة" اللذين تقدّم بهما كلا من أحزاب المعارضة اليسارية واليمينية المتطرفة، وذلك اعتباراً من الساعة الرابعة مساءً بالتوقيت المحلي. ومن المتوقع على نطاق واسع أن تُسقط الحكومة، بعد مرور ثلاثة أشهر فقط على تشكيلها.
وفي حال انهيار الحكومة، سيضطر بارنييه -الذي فشل في التوصل إلى حل وسط داخل الجمعية الوطنية المنقسمة بشدة لإقرار مشروع قانون موازنة 2025 الرامي إلى خفض العجز الفرنسي الكبير- إلى تقديم استقالته للرئيس إيمانويل ماكرون.
رئيس وزراء جديد أم استقالة ماكرون؟
ومن هنا، يسود الغموض. سيحتاج ماكرون في النهاية إلى تعيين رئيس وزراء جديد، بعد أن عانى بالفعل في تعيين مثل هذا المنصب في أعقاب الانتخابات المبكرة الصيفية التي حصل فيها الائتلاف اليساري على أكبر عدد من الأصوات، لكنه لم يحصل على أغلبية. وكان بارنييه، الوزير المخضرم، يُنظر إليه على أنه حل وسط تقني.
وقال كارستن نيكل، نائب مدير الأبحاث في شركة تينو، في مذكرة يوم الثلاثاء: "من المحتمل أن يطلب ماكرون من بارنييه الاستمرار كرئيس وزراء مؤقت بعد استقالته. ويبدو أن الخيار البديل المتمثل في إعادة ترشيح بارنييه رسمياً غير مرجح بالنظر إلى غياب الأغلبية الواضح".
وأضاف نيكل أن هذا الوضع المؤقت قد يستمر لعدة أشهر، حيث لا يمكن إجراء انتخابات جديدة حتى العام المقبل، في حين أن أحد الاحتمالات الأخرى هو استقالة ماكرون مما قد يؤدي إلى إجراء انتخابات رئاسية في غضون 35 يوماً.
وأضاف أن مثل هذه السلسلة من الأحداث ستؤدي إلى عدم إقرار مشروع قانون الموازنة، ويبدو أن التوصل إلى اتفاق في اللحظة الأخيرة أمر غير محتمل.
لذلك، من المحتمل أن تقدم الحكومة المؤقتة قانوناً دستورياً خاصاً من شأنه "تمديد حسابات عام 2024 بشكل فعال دون أي من تخفيضات الإنفاق أو زيادات الضرائب المتوقعة سابقاً، مع تمكين الحكومة من الاستمرار في تحصيل الضرائب"، كما قال.
وفي خضم الاضطرابات، ترتفع تكاليف الاقتراض الفرنسية في حين يتأثر اليورو بالمشاعر السلبية، التي تفاقمت بسبب البيانات الصناعية القاتمة لمنطقة اليورو والتقلبات السياسية المتزامنة في ألمانيا.
وقال محللون في ماي بنك في مذكرة يوم الأربعاء: "تواجه فرنسا احتمال زيادة العجز المالي الذي سيصبح تمويله أكثر تكلفة مع ارتفاع عوائد سندات الحكومة وسط هذا الغموض".
اقرأ أيضاً: موازنة فرنسا العام المقبل.. هل تطيح بحكومة رئيس الوزراء ميشيل بارنييه؟
خفض توقعات النمو
بالنسبة للمستثمرين الدوليين، يبدو الوضع في فرنسا "سيئاً للغاية"، كما قال خافيير دياز-جيمينيز، أستاذ الاقتصاد في كلية الأعمال IESE الإسبانية، لـ CNBC عبر الهاتف.
وقال: "بدون موازنة، سيتخلفون فعلاً عن السداد، ليس لأنهم لا يستطيعون دفع فوائد ديونهم، ولكن لأنهم لن يفعلوا ذلك بدون موازنة. وكالات التصنيف الائتماني تُصدر بالفعل تحذيرات، وسندات الخزانة الفرنسية تتحمل علاوة أعلى من سندات اليونان، وهو أمر غير منطقي". فقد فقدت اليونان لفترة وجيزة تصنيفها الائتماني الاستثماري وسط أزمة ديون منطقة اليورو، مما أدى إلى تخلف الدولة عن سداد ديونها السيادية.
لقد قلص خبراء الاقتصاد بالفعل توقعاتهم للنمو في فرنسا بعد نشر اقتراح الموازنة في أكتوبر/تشرين الأول، نظراً لزيادات الضرائب الشاملة وخفض الإنفاق العام.
وقال المحللون في بنك ING الهولندي، الذين توقعوا سابقاً تباطؤ النمو الفرنسي من 1.1% في عام 2024 إلى 0.6% في عام 2025، يوم الثلاثاء إن سقوط حكومة بارنييه "سيكون بمثابة نبأ سيئ للاقتصاد الفرنسي".
كما توقعوا تمرير موازنة مؤقتة تعكس إطار عام 2024.
وقالوا: "إن مثل هذه الموازنة لن تصحح مسار الإنفاق العام"، متجاهلين هدف بارنييه المتمثل في خفض العجز العام من 6% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 5% في عام 2025، وهو ما يعني أن فرنسا لن تتحرك نحو تلبية القواعد المالية الجديدة للاتحاد الأوروبي.
"في وقت يتباطأ فيه النمو الاقتصادي في فرنسا بشكل ملحوظ، فإن هذا يعد نبأ سيئاً. سيظل العجز العام مرتفعاً، وسيستمر الدين في النمو، وستواجه الحكومة القادمة -متى كانت- مهمة أكثر صعوبة لتصحيح المالية العامة"، كما قال محللو ING.
لاحظ جيل مويك، كبير خبراء الاقتصاد في مجموعة AXA، في مذكرة يوم الاثنين أن "فرنسا يمكن أن تعتمد على احتياطيات كبيرة من المدخرات المحلية لتحل محل المستثمرين الدوليين، ويساعد تدفق البيانات في منطقة اليورو في فصل العائدات الأوروبية عن العائدات الأميركية، ولكن في الأمد المتوسط، قد يصبح توجيه قدر كبير من المدخرات المحلية لتمويل الحكومة مكلفاً من حيث ديناميكيات النمو".
"لقد انخفضت ثقة المستهلك بالفعل، وقد يرتفع معدل الادخار أكثر، مما يحبط انتعاش الاستهلاك الذي تعتمد عليه الحكومة لدعم إيرادات الضرائب في عام 2025"، كما قال مويك.
الاقتصاد الألماني أكثر قتامة
في حين أن كلا البلدين غارقان في اضطراباتهما السياسية، فإن الفارق بين تكاليف الاقتراض في فرنسا وتلك في ألمانيا امتد إلى أعلى مستوى له في 12 عاماً هذا الشهر.
ومع ذلك، قال دياز جيمينيز من كلية إدارة الأعمال في IESE إن التوقعات الفرنسية كانت في بعض النواحي أكثر إيجابية من توقعات أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.
وقال لـ CNBC: "في فرنسا، التوقعات الاقتصادية قاتمة للغاية، لكنها لن تكون كارثة إذا كان من الممكن تجنب المخاطر الإضافية. من الصعب إصلاح العجز المالي المرتفع ويتطلب الانسجام السياسي ولكن لا يزال بإمكانهم إيجاد طريق للخروج، فهو يضغط فقط على السياسيين للقيام بوظائفهم وحل المشاكل الحقيقية، في هذه الحالة الاستدامة المالية".
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي