في أقل من عشرة أيام على إعلان أحمد الشرع رئيساً لسوريا خلال الفترة الانتقالية، وإعلان عدد من الإجراءات من أجل سير تلك المرحلة، تشهد دمشق تحركات مكثفة؛ من أجل التواصل مع الخارج وكذلك الاطلاع على آخر التطورات وإبداء استعدادات التعاون.
يأتي ذلك وسط اتباع الإدارة الجديدة، منذ تولي إدارة البلاد وسقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، سياسة خارجية تغازل الجميع وهو النهج الذي واصلته خلال الأيام الأخيرة مع التغيرات الجديدة في ظل تنوع الاتصالات والمباحثات مع الدول المختلفة أو حتى التصريحات بشأنها.
كما شهدت الأيام الأخيرة تطورات هي الأولى من نوعها تتعلق بالسياسة الخارجية لسوريا، وهي زيارة أمير قطر كأول زعيم دولة يزور دمشق، إلى جانب قيام الشرع بأول زيارتين خارجيتين له سواء كرئيس رسمي للمرحلة الانتقالية أو حتى منذ توليه قيادة الإدارة الجديدة في البلاد بعد سقوط نظام بشار الأسد.
زيارة أمير قطر
في اليوم التالي لإعلان الشرع رئيساً لسوريا، أجرى أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، زيارة إلى العاصمة السورية دمشق يوم 30 يناير/ كانون الثاني، حيث استقبله في مطار دمشق الدولي الرئيس السوري، وورئيس الوزراء، محمد البشير، ووزير الخارجية، أسعد الشيباني.
وأجرى أمير قطر مباحثات مع رئيس سوريا في قصر الشعب بدمشق، والتي أشار خلالها بن حمد على ضرورة تشكيل حكومة سورية تعبر عن جميع أطياف الشعب من أجل تعزيز الاستقرار والانطلاق في مشروعات إعادة الإعمار والتنمية.
وذكر أن بلاده ستواصل الوقوف مع سوريا لتحقيق أهدافها بما يصل بها إلى "دولة تسودها الوحدة والعدالة والحرية، وينعم شعبها بالعيش الكريم".
اقرأ أيضاً: أمير قطر يصل إلى دمشق في أول زيارة بعد سقوط نظام الأسد
من جانبه، قال الشرع، خلال اللقاء، إن المرحلة المقبلة ستشهد تعاوناً استراتيجيا بين الدولتين في مجالات مختلفة، معرباً عن تطلع سوريا للاستفادة من الخبرات القطرية لتحقيق النهضة في بلاده.
وكتب أمير قطر على منصة X بعد الزيارة: "سنعمل جاهدين مع المجتمع الدولي نحو دعم مراد الشعب السوري في تحقيق كل ما ضحى من أجله في السنوات الماضية".
وفي زيارة سابقة لدمشق خلال يناير/ كانون الثاني الماضي، تعهد رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري لدمشق، خلال مؤتمر صحافي، بتقديم بلاده الدعم الفني اللازم لإعادة تشغيل البنى التحتية في سوريا، وتزويد سوريا بالطاقة بقوة 200 ميغاواط، ورفعها تدريجياً لأكثر من عشرة مناطق سورية.
الزيارة الخارجية الأولى.. إلى السعودية
وفي إطار رغبة الإدارة الجديدة في ترسيخ علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، اختار الرئيس السوري العاصمة السعودية الرياض لتكون أول محطاته الخارجية والتي زارها يوم الثاني من فبراير/ شباط، وعقد لقاءً مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وقال الشرع، في بيان، إن اللقاء شهد "نقاشات ومحادثات موسعة في كل المجالات، وعملنا على رفع مستوى التواصل والتعاون في كافة الصعد، لا سيما الإنسانية والاقتصادية".
وأضاف: "ناقشنا خططاً مستقبلية موسعة، في مجالات الطاقة والتقانة (التكنولوجيا)، والتعليم والصحة، لنصل معاً إلى شراكة حقيقية تهدف إلى حفظ السلام والاستقرار في المنطقة كلها، وتحسين الواقع الاقتصادي للشعب السوري، هذا بجانب استمرار التعاون السياسي والدبلوماسي تعزيزاً لدور سوريا إزاء المواقف والقضايا العربية والعالمية".
الزيارة الثانية.. إلى تركيا
في اليوم التالي للعودة من السعودية، أجرى الشرع زيارته الخارجية الثانية لتركيا يوم الثلاثاء الرابع من فبراير/ شباط، والتي تعتبر أول زيارة لرئيس سوري لأنقرة منذ 15 عاماً، حيث التقى بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وذكر أردوغان، خلال مؤتمر صحافي عقب اللقاء، أن المواطنين السوريين لديهم حالياً الإرادة اللازمة من أجل تقرير مستقبلهم، متوقعاً زيادة الزيارات المتبادلة مع الإدارة الجديدة في دمشق خلال الفترة المقبلة.
وأضاف: "ناقشت مع الشرع الخطوات التي سيتم اتخاذها ضد المسلحين في شمال شرق سوريا"، معلناً أنه أبلغ الرئيس السوري بأن "أنقرة على استعداد للمساعدة في المعركة أمام المسلحين الأكراد وتنظيم 'داعش' في سوريا".
كما أشار إلى أنه "سيتم تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا في عهد الأسد بعد المبادرات التركية"، مطالباً العالم العربي والإسلامي بدعم الإدارة الجديدة في سوريا.
في المقابل، دعا الشرع نظيره التركي إلى زيارة دمشق قريباً. وقال خلال المؤتمر الصحافي: "ناقشنا ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي التي دخلتها مؤخراً وفقاً لاتفاق فض الاشتباك عام 1974".
وقال الشرع في بيان تعليقاً على الزيارة: "نتطلع إلى تعزيز التنسيق بين البلدين على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية بما يخدم المصالح المشتركة، ويعزز التعاون في مواجهة التحديات في المرحلة القادمة".
اقرأ أيضاً: الشرع: ناقشت مع الرئيس التركي ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي التي دخلتها مؤخراً في سوريا
مباحثات هاتفية مع ماكرون ودعوة
أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتصالاً هاتفياً مع الشرع، يوم الأربعاء الخامس من فبراير، هو الأول من نوعه من زعيم دولة غربية بعد سقوط نظام الأسد، والذي أعرب ماكرون من خلاله عن دعمه الكامل للمرحلة الانتقالية في سوريا، مشيراً إلى المساعي الفرنسية لرفع العقوبات عن دمشق وفسح المجال للنمو والتعافي، بحسب بيان من رئاسة الجمهورية العربية السورية.
ودعا ماكرون الرئيس السوري إلى زيارة باريس خلال الأسابيع المقبلة.
وبحسب بيان آخر من "الإليزيه"، أكد الرئيس الفرنسي خلال الاتصال على أهمية استمرار الحرب ضد الإرهاب، وأن تلك الحرب "لصالح شعب سوريا وأيضاً لأمن الأمة في فرنسا"، داعياً إلى دمج ما يعرف بـ "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) بشكل كامل في العملية الانتقالية بسوريا.
من ناحيته، قال الشرع إن سوريا ستكون جزءاً إيجابياً فاعلاُ في منطقة الشرق الأوسط والعالم، وستشارك شركاءها الهواجس الأمنية، وستركز على مصالحها الوطنية المتمثلة في استقرار وسيادة سوريا وسلامة أراضيها.
ونوّه بأن التحديات الحالية بالنسبة لسوريا تتمثل في "العقوبات الاقتصادية المفروض على الشعب السوري وعدم استكمال وحدة الأراضي السورية"، مشيراً إلى الرؤية التنموية والوطنية التي تنتهجها الإدارة الجديدة "لضمان رفاهية وتعافي سوريا وشعبها بشكل عاجل".
اقرأ أيضاً: دعا الرئيس السوري لزيارة باريس.. ماكرون: نسعى لرفع العقوبات عن دمشق
مكالمة من المستشار الألماني
كما تلقى الشرع يوم الجمعة السابع من فبراير اتصالاً هاتفياً من المستشار الألماني أولاف شولتس، والذي عبر عن دعمه للخطوات التي تتخذها الإدارة الجديدة في سوريا تعلى المستوى الشعبي والسياسي في سبيل حفاظها على السلم الأهلي، بحسب بيان من رئاسة الجمهورية العربية السورية.
ووفقاً للبيان، أيد شولتز خطوات الشرع في إدارة المباحثات لاستكمال وحدة الأراضي السورية، وخاصة في منطقة شمال شرق سوريا، كما تشارك الجانبان التحديات الأمنية والتأكيد على ضرورة العمل بشكل مشترك لحفظ الأمن والاستقرار فسي سوريا، إلى جان بدعم العملية السياسية السورية، ووحدة البلاد واستقرارها وسيادة أراضيها.
من جانبه، تحدث الشرع خلال الاتصال عن خارطة الطريق التي تعمل الدولة السورية على تنفيذها على صعيد المرحلة الانتقالية والحوار الوطني وتشكيل الحكومة الشاملة.
كما أشار الرئيس السوري إلى المساعي الحثيثة لإزالة العقوبات الاقتصادية، والتي صرح المستشار الألماني "بضرورة إزالتها بشكل فوري من أجل تعافي الشعب السوري، ودعم المسار الإنساني والاقتصادي على حد سواء"، بحسب البيان.
رفع جزئي للعقوبات بعد تواصل مكثف مع الغرب
كان نشاط التواصل السوري من الإدارة الجديدة مع الدول الغربية الكبرى خلال الفترة الماضية مكثفاً من أجل توضيح ما يحدث في البلاد وطمأنة تلك الدول وتعريفها برؤية الإدارة للفترة المقبلة والمرحلة الانتقالية، وأيضاً العمل على ملف رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن البلاد، وهو ما شهد نجاحاً جزئياً أسفر عن رفع مؤقت لبعضها وخارطة طريق لاستكمال هذا الإجراء.
لكن مع تولي الإدارة الأميركية الجديدة السلطة برئاسة دونالد ترامب، لم يتم الحديث عن أي تواصل كبير بين الإدارتين إلى الآن، رغم التطورات الأخيرة في سوريا
زار وفد أميركي تضمن مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، والمبعوث الرئاسي الخاص لشؤون الرهائن روجر كارستينز، وكبير مستشاري شؤون الشرق الأدنى دانييل روبنشتاين، سوريا يوم 20 ديسمبر/ كانون الأول، لإجراء مباحثات مع الإدارة السورية الجديدة.
اقرأ أيضاً: ما الجديد في ملف رفع العقوبات عن سوريا؟
كما أجرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، ونظيرها الفرنسي جان نويل بارو لقاءً مع الشرع في الثالث من يناير، وذلك كممثلين عن الاتحاد الأوروبي، بهدف توصيل رسالة تفاؤل حذر بشأن الإدارة الجديدة للبلاد وإظهار الانفتاح على الاعتراف بها.
وخففت الولايات المتحدة، في السادس من شهر يناير/ كانون الثاني الماضي ولمدة ستة أشهر، بعض القيود المالية، خاصة تلك المتعلقة بالجوانب الإنسانية والاجتماعية. لكن رفع العقوبات بشكل كامل لا يزال مرتبطاً بتحقيق تقدم ملموس في ملفات مثل الحكم الرشيد ومكافحة الفساد واحترام حقوق الإنسان.
وأصدرت وزارة الخزانة الأميركية ترخيصاً عاماً يتم بموجبه السماح ببعض المعاملات مع السلطات الانتقالية في البلاد، وبما يتضمن مبيعات الطاقة المحدودة والمعاملات العرضية.
أيضاً علق الاتحاد الأوروبي بعض العقوبات عن دمشق لمدة عام واحد، ووضع خارطة طريق لاستكمال رفع العقوبات، لكنه يشدد على أن هذا الرفع لن يكون "شيكاً على بياض" يُمنح للإدارة الجديدة، فهو يتابع عن كثب أداء تلك الإدارة ومدى التزامها بمسار الانتقال الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان.
ماذا عن روسيا؟
في المقابل، ورغم الموقف الروسي المعروف من قبل في دعم النظام السابق في سوريا، فإن الفترة الماضية كانت تضمنت مباحثات خاصة فيما يتعلق بالقواعد الروسية الموجود على الأراضي السورية، وأعلنت الرئاسة الروسية "الكرملين" في يوم إعلان الشرع رئيساً في 29 يناير، أن الحوار مع دمشق سيستمر.
جاء ذلك زيارة في اليوم السابق من وفد روسي تضمن نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف لدمشق، والذي بحث مع الشرع دور روسيا في إعادة بناء الثقة مع الشعب السوري من خلال تدابير ملموسة مثل التعويضات وإعادة الإعمار والتعافي. كما بحث الجانبان آليات العدالة الانتقالية.
وأكد الشرع خلال اللقاء، بحسب بيان من رئاسة الجمهورية السورية، التزام الإدارة السورية الجديدة بالتعامل مع جميع أصحاب المصلحة بطريقة مبدئية لبناء مستقبل لسوريا متجذر في العدالة والكرامة والسيادة، مشدداً على أن استعادة العلاقات يجب أن تعالج أخطاء الماضي وتحترم إرادة الشعب وتخدم مصالحه.
وفي آخر التطورات في العلاقات بين الجانبين، قال وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة لصحيفة واشنطن بوست الأميركية، يوم الخميس السادس من فبراير، إن سوريا منفتحة على السماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها الجوية والبحرية على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط طالما أن أي اتفاق مع الكرملين يخدم مصالح البلاد.
وأوضح الوزير أن موقف روسيا تجاه الحكومة السورية الجديدة "تحسن بشكل كبير" منذ سقوط نظام الأسد، وإن دمشق تدرس مطالب موسكو، مما يشير إلى تحول كبير في الإدارة الجديدة.
وأضاف أبو قصرة عن روسيا: "في السياسة، لا يوجد أعداء دائمون". ورداً على سؤال عما إذا كان سيسمح لروسيا بالحفاظ على مينائها البحري في طرطوس وقاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، قال: "إذا حصلنا على فوائد لسوريا من هذا، نعم".
أيضاً ذكر أبو قصرة أن سوريا تدرس كذلك اتفاقيات دفاع مع دول متعددة، وتدخل في مفاوضات حساسة مع كل من الولايات المتحدة وتركيا بشأن وضع قواعدهما العسكرية القائمة في البلاد.
وقال أبو قصرة: "عندما قرر بشار الأسد الذهاب إلى روسيا، اعتقد أنه من المستحيل علينا التوصل إلى اتفاق" مع الروس. وأضاف: "ربما يتم استعادة العلاقات معهم بطريقة تخدم مصالح سوريا أولاً ثم مصالحهم".
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي