القانون فوق الدولار

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

 

بقلم المستشار القانوني، حسن جمعه الرئيسي 

 

 


قد يعتبر البعض مقولة "القانون فوق الدولار" مقولة ساذجة وسيتهمون من يصدقها بأنه لا يفقه في أبجديات الاقتصاد، فالدولار مال، وبالمال يتم تطويع كل شيء حتى القانون. 


وعند أي جدل نعيد الأمر لأصله، فالدولار كبقية العملات التي سبقتها أو التي جاءت بعدها يجب تغطيتها بالذهب، أي أن كل دولة لها أن تطبع عملتها بمقدار ما تملك من الذهب، ويكاد لا يخفى على أحد بأنه في مطلع السبعينات تم فك الإرتباط بين طباعة الدولار وكمية الذهب المتوفرة، بحيث أصبح الدولار ورقة قانونية أكثر من أن يكون مستنداً يثبت قيمة الذهب الذي يغطيه. 

 

 

ورغم معرفة الحكومات والاقتصاديين بهذه الحقيقة منذ بدايتها، إلا أنه لم يشأ أحد تغيير واقع هذه الصدمة، ولم يكن هناك حل آخر عند كل من اعتمدوا أو تورطوا في جعل الدولار أن يكون اسماً عملياً من أسماء الذهب على مستوى العالم في تلك الفترة، وبهذا يتبين أن الورقة القانونية للدولار طغى على أصلها المالي الملموس، ونستطيع أن نقول بأن من يملك الدولار رضي أن يتعامل بالدولار دون تغطية ذهبية، وأصبح حاله كحال من ينتشي برائحة العطر الزكية عندما يكون محظوظاً وهو يمر أمام محل عطور، دون أن يتمكن رؤية أو لمس العطر. 

 

شاهد أيضاً: الدولار الأميركي يتجه لخسائر فادحة في الربع الأول 2025.. ما السبب؟


وقد يكون واقع الدولار هو من شجع على بلورة فكرة العملات الرقمية، فكلاهما يدعمهما قبول من يريد التعامل بهما ورضاه بقواعد لعبتهما وقوانينهما، وإن كانا يفتقدان لقيمة حقيقية ملموسة، فكل ما نملكه ورقة مكتوب عليها رقم يتبعها علامة الدولار، أو مجرد أرقام نقرأها على الشاشات الإلكترونية تتذبذب في الهبوط والارتفاع بأرقام خيالية، لا تعكس تأثير أي مادة ذات قيمة على تلك التذبذبات سوى لعبة ومغامرات المتحكمين بها، ورغم ذلك فإن المالكين للدولار وتلك العملات المشفرة استعانوا بالقانون لتنظيم تصرفاتهما لكسب ثقة المتعاملين بها. 

 

 

ونتيجة تضارب المصالح العالمية عند الدول التقليدية الكبيرة التي تمسك منذ عقود طويلة بزمام الاقتصاد ورسم السياسية العالمية، تم إدخال سلاح العملات في حروبها المعلنة وغير المعلنة بشكل خطير خلال هذه الفترة، ومن الطبيعي أن يكون الدولار من تلك الأسلحة التي ستدخل أو دخلت اختباراً حقيقياً لإثبات الذات بأنها ما زالت قادرة على أن تكون العملة الأولى، أم أن الاختبار سيؤدي بها للسقوط وإعلان نهايتها، لا سيما وأن هناك عوامل داخلية في الولايات المتحدة الأميركية قد تساهم في سرعة سقوطها، وقد يعتبر البعض أن من الجنون وليس من الحكمة أن يقبل العالم بسقوط الدولار، وعليهم التفكير لإنقاذه بعيداً عن التشاؤم، وأن لا ينجروا لإعداد بديل له، لأن ذلك سيؤدي لفوضى وكارثة اقتصادية. 

 

اقرأ أيضاً: ترامب: الدولار سيرتفع وسيكون أقوى من أي وقت مضى

 

ولكن كم من التصرفات الجنونية الاستباقية كانت السبب في إنقاذ ما لا يُستبعد وقوعه أو حدوثه، بصرف النظر عن الوقت الذي يستغرقه، لا سيما وإذا كان التحكم ببقاء الشيء أو زواله بأيدي أطراف أخرى، فليس من الجنون أن يتم تدشين سفينة نوح الاقتصادية وأن تسارع بعض الدول بأن تضع في أدراجها قوانين وقائية تستخدمها فور سقوط الدولار، أو في الفترة التي يحتضر فيها حتى تجنب نفسها الأزمات والإرباكات الداخلية، ويمكن لمجموعة دول ذات مصالح مشتركة أن تبدأ وتجتمع لمواجهة سقوط الدولار بشكل جماعي حتى تحافظ على مصالحها والتوازنات الدولية، فكما أن الدولار ورقة قانونية، فيمكن إنشاء أوراق نقدية جديدة تعطى قوة قانونية، ويمكن أن يتم دعمها بسلع ومواد ذات قيمة دولية ومؤثرة في الاقتصاد العالمي، كالذهب، أو إنشاء عملات ترتبط بأوبك، أو ابتكار عملات جديدة تنظم الحركة الاقتصادية للعالم، وإن تنوعت السلع والمواد التي تحدد قيمتها السوقية.

 

 

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

العلامات

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة