تسلّط زيارة الرئيس الأميركي إلى المملكة العربية السعودية الضوء على سلسلة من الأولويات الاقتصادية التي تشمل تعزيز الاستثمارات الثنائية، ودفع التعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والتحول الرقمي. وتركّز المحادثات على فرص الشراكة في القطاعات المتقدمة مثل الطاقة النظيفة، الذكاء الاصطناعي، الحوسبة السحابية، وأشباه الموصلات، إلى جانب التعليم، الدفاع، الرعاية الصحية، النقل، والسياحة، بما ينسجم مع أهداف المملكة في إطار رؤية 2030 لتنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط.
وفي هذا السياق، يتحدث الرئيس التنفيذي لمجلس الأعمال السعودي الأميركي، تشارلز حلاب لـ CNBC عربية حول أولويات ترامب الاقتصادية من الزيارة، كما يسلط الضوء على أبرز القطاعات التي تشكل فرصاً استثمارية للشركات الأميركية في السعودية.. كما تطرق الحديث مع تشارلز إلى المنافسة المتزايدة من الصين وروسيا في منطقة الشرق الأوسط.
الأولويات "الاقتصادية" للزيارة
في البداية، يُبرز تشارلز أبرز"الأولويات" الاقتصادية لترامب خلال زيارته، موضحاً أنه "من المتوقع أن تُسلّط الزيارة الضوء على التعاون الاقتصادي الاستراتيجي، مع التركيز بشكل خاص على الاستثمار والتحول في مجال الطاقة والتعاون التكنولوجي".
ومن أهم الأولويات "تعزيز أطر الاستثمار الثنائية، بناءً على الالتزامات السعودية الأخيرة باستثمار مئات المليارات من الدولارات في الاقتصاد الأميركي.. ومن مجالات التركيز الأخرى التعاون المتنامي في مجال الطاقة النظيفة والتحول الرقمي، في وقت يسعى فيه البلدان إلى الريادة في مجالات مثل الطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي، والبنية التحتية الذكية".
ويوضح أن الزيارة تتيح فرصةً لإعادة تأكيد الأهداف المشتركة في إطار رؤية المملكة العربية السعودية 2030، بما في ذلك دعم ريادة الأعمال والشراكة والابتكار وتطوير الصناعات القائمة على المعرفة، والتي يدعمها مجلس الأعمال الأميركي السعودي.
وتستهدف المملكة العربية السعودية رفع حجم "استثماراتها وعلاقاتها التجارية" مع الولايات المتحدة إلى 600 مليار دولار خلال السنوات الأربع المقبلة، ضمن مساعيها لتحقيق مستهدفات رؤية 2030 وتنويع الاقتصاد الوطني بعيدًا عن الإيرادات النفطية، وهو الرقم الذي ذكره ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في يناير/ كانون الثاني الماضي، مؤكداً أنه "مرشح للزيادة" حال أتيحت فرص إضافية.
وبيّن وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي فيصل الإبراهيم، في وقت لاحق، أن المبلغ المحدد (600 مليار دولار) يتشكل "استثمارات وكذلك مشتريات" من القطاعين العام والخاص.
أبرز القطاعات
وحول القطاعات الاستثمارية الأكثر احتمالاً أن تشهد صفقات جديدة أو زخماً من هذه الزيارة، يشير الرئيس التنفيذي لمجلس الأعمال السعودي الأميركي، إلى أنه من المتوقع أن تقود التكنولوجيا والابتكار الطريق في الأنشطة التجارية الجديدة خلال الزيارة، مردفاً: "لقد وسّعت شركات التكنولوجيا الأميركية نطاق وجودها في المملكة العربية السعودية بشكل مطرد، ويمكن لهذه الزيارة أن تُسرّع الشراكات في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وأشباه الموصلات والبنية التحتية الرقمية".
في الوقت نفسه، يتماشى تركيز المملكة العربية السعودية المتزايد على الطاقة المتجددة - وخاصة الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية واسعة النطاق - بشكل وثيق مع القدرات الأميركية، مما يفتح الباب أمام تعاون أعمق.
تشمل القطاعات الأخرى ذات الإمكانات العالية -بحسب تشارلز- الاقتصاد الإبداعي والتعليم والدفاع والرعاية الصحية والنقل الجوي المتقدم والسياحة والرياضة والخدمات اللوجستية، وكلها قطاعات أساسية لأهداف التنويع الاقتصادي للمملكة في إطار رؤية 2030.
ويواصل مجلس الأعمال الأميركي السعودي العمل مع أصحاب المصلحة في القطاعين العام والخاص لمساعدة الشركات الأميركية والسعودية على تحديد هذه الفرص الناشئة ومتابعتها.
قطاع الطاقة
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت "العلاقة الاقتصادية الأميركية السعودية لا تزال تركز بشكل أساسي على قطاع الطاقة، أم أنها تتجه بشكل متزايد نحو التنويع والصناعات غير النفطية؟"، يقول: "لقد شهدت العلاقة الاقتصادية الأميركية السعودية تنوعاً ملحوظاً يتجاوز جذورها التقليدية في مجال الطاقة. وبينما لا يزال التعاون في مجال الطاقة مهمًا، فقد دفعت رؤية 2030 بتحول واسع النطاق نحو قطاعات مثل التكنولوجيا والسياحة والرعاية الصحية والبنية التحتية، وهي مجالات تلعب فيها الشركات الأميركية دوراً متنامياً".
ويستطرد: "من مختبرات أبحاث الذكاء الاصطناعي ومراكز الحوسبة السحابية إلى علوم الحياة والتنمية الحضرية والثقافية، تنخرط الشركات الأميركية بشكل متزايد في التحول الاقتصادي للمملكة العربية السعودية، ويدعم مجلس الأعمال الأميركي السعودي عدداً لا يحصى من الشركات والمبادرات في هذا الصدد".
ويلفت إلى أن ارتفاع التجارة غير النفطية وزيادة الاستثمار الأميركي في مجالات مثل المدن الذكية والخدمات الرقمية يعكس شراكة ثنائية ناضجة وأكثر ديناميكية وتركيزاً على المستقبل مما كانت عليه في السنوات الماضية.
بحسب بيانات الممثل التجاري للولايات المتحدة، فإن إجمالي تجارة السلع الأميركية مع المملكة العربية السعودية سجلت ما يُقدر بنحو 25.9 مليار دولار في العام 2024.
بلغت صادرات السلع الأميركية إلى المملكة العربية السعودية العام الماضي ما قيمته 13.2 مليار دولار، وذلك بانخفاض نسبته 4.8% (670.1 مليون دولار أميركي) عن العام 2023. بينما بلغ إجمالي واردات السلع الأميركية من المملكة العربية السعودية 12.7 مليار دولار في العام 2024، بانخفاض قدره 19.9% (3.2 مليار دولار) عن العام 2023. وبلغ فائض تجارة السلع الأميركية مع المملكة العربية السعودية 443.3 مليون دولار في 2024، بزيادة قدرها 121.6% (2.5 مليار دولار أمريكي) عن عام 2023.
فرص استثمارية
وفيما يخص أبرز الفرص التي توفرها السوق السعودية حالياً أمام الشركات الأميركية، يقول تشارلز إن المملكة العربية السعودية توفر فرصاً قوية في قطاعات مثل التكنولوجيا الرقمية والطاقة النظيفة والسياحة والتصنيع المتقدم، علاوة على النقل الجوي والبري المتقدم والرياضة والثقافة والرعاية الصحية. وقد أسهمت رؤية 2030 في تسريع الاستثمار في هذه القطاعات وغيرها، مما أدى إلى زيادة الطلب على الخبرة الأميركية في مجالات مثل البنية التحتية السحابية، وحلول الطاقة الخضراء، والخدمات اللوجستية الذكية، وابتكار الرعاية الصحية.
في الوقت نفسه، يتعين على الشركات الداخلة إلى السوق التعامل مع اللوائح المتطورة، لا سيما فيما يتعلق بحوكمة البيانات ومتطلبات التدقيق، وعمليات الشراء.. وهنا يأتي دور مجلس الأعمال المشترك؛ من خلال توفير رؤى تنظيمية آنية، واستشارات ودعم تجاري، ووصول مباشر إلى صانعي القرار الرئيسيين، إذ تتم مساعدة الشركات على إدارة المخاطر، وتقليل صعوبات الدخول، وتحديد المجالات التي تشتد فيها الحاجة إلى خبراتهم".
وبحسب بيانات مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي (BEA) وبرنامج SelectUSA التابع للحكومة الأميركية، فقد ارتفع رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر الأميركي في المملكة من 11.1 مليار دولار في العام 2019 إلى 12.2 مليار دولار بحلول العام 2022. وشهد العام 2023 تسجيل رصيد استثمارات أميركية بلغ 11.3 مليار دولار، مع تدفقات سنوية قدرها 423 مليون دولار، بما يشير إلى حفاظ الشراكة الاقتصادية على زخمها رغم بعض التقلبات المحتملة المرتبطة بتغيرات الأسواق العالمية.
وفي الاتجاه الآخر، سجل رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر السعودي في الولايات المتحدة نحو 7.7 مليار دولار في العام 2019، إلا أنه انخفض إلى حوالي 6.8 مليار دولار في العام 2022، قبل أن يرتفع مجددًا إلى 9.5 مليار دولار في العام 2023.
المنافسة مع الصين وروسيا
وفي سياق أوسع، فيما يتعلق بالشق الاستراتيجي والسياسي في العلاقات بين البلدين، وكيف يمكن للولايات المتحدة الحفاظ على مكانتها كشريك اقتصادي للمملكة ودول الشرق الأوسط مع تزايد المنافسة من الصين وروسيا، يقول الرئيس التنفيذي لمجلس الأعمال السعودي الأميركي: "يمكن للولايات المتحدة الحفاظ على دورها، بل وتعميقه، كشريك اقتصادي رئيسي للمملكة العربية السعودية من خلال الاستفادة من مزاياها التنافسية الرئيسية: الريادة التكنولوجية، ونظم الابتكار، وقدرتها على حشد استثمارات عالية الجودة من القطاع الخاص.
ويشدد على أنه "بينما قد تقدم الصين وروسيا بدائل قائمة على المعاملات أو تقودها الدولة، فإن الولايات المتحدة تحقق قيمة طويلة الأجل من خلال شراكات متجذرة في الشفافية، وحماية الملكية الفكرية، والمشاريع المشتركة التي تعزز بناء القدرات المحلية، وكلها تتماشى مع أهداف رؤية المملكة العربية السعودية 2030".
ويستطرد: "تواصل الشركات الأميركية ريادتها في قطاعات حيوية تُعدّ محورية في تحول المملكة: التصنيع المتقدم والتنقل، وتكنولوجيا الطاقة، والحوسبة السحابية، والترفيه، وابتكار الرعاية الصحية.. على سبيل المثال، لا تقتصر شركات مثل غوغل كلاود ولوسيد موتورز وفايزر على تصدير الخدمات فحسب، بل إنها تُنشئ عمليات في السعودية، وتُدرّب المواهب المحلية، وتُسهم في اقتصاد المعرفة".
ووفق تشارلز فمن المتوقع أن تُسهم هذه الشراكات وغيرها في خلق أكثر من مئات الآلاف من فرص العمل. في المقابل، يُقدّم بعض المنافسين تمويلًا للبنية التحتية دون أن يُقدّموا مزايا مُماثلة لنقل التكنولوجيا أو توطينها. علاوةً على ذلك، يُمكن للحكومة الأميركية ومجلس الأعمال الأميركي السعودي القيام بدور استراتيجي من خلال توسيع الأطر الثنائية، مثل الحوار الاستراتيجي الأميركي السعودي، وتشجيع المحادثات والوفود التجارية رفيعة المستوى. كما يُمكن لتوسيع منصات التعاون، من خلال مجلس الأعمال تحديدًا، أن يضمن استفادة العلاقات التجارية من ديناميكية كلا الاقتصادين.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي