تُسرّع الشركات الصينية من وتيرة الاستغناء عن المكونات الأجنبية في سلاسل التوريد لديها، في ظل تصاعد التوترات التجارية مع أميركا، ما يُنذر بتعجيل عملية «فك الارتباط» بين أكبر اقتصادين في العالم.
فمنذ أن فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعرفات جمركية مرتفعة على الواردات الصينية، أعلنت أكثر من عشرين شركة مدرجة في بورصتي شنغهاي وشينزن أنها بدأت تكثّف جهودها لاستبدال المكونات الأجنبية ببدائل محلية أو توقعت الاستفادة من توجّه الشركات المنافسة نحو الشراء المحلي.
وتُظهر إفصاحات مالية اطلعت عليها صحيفة فايننشال تايمز أنّ هذه التحركات شملت شركات عاملة في قطاعات متنوعة، من أشباه الموصلات والكيماويات إلى الأجهزة الطبية، ما يعكس الأثر المحتمل والدائم لحرب ترامب التجارية، من خلال إعادة ترتيب سلاسل التوريد بشكل هيكلي.
وكانت بكين قد دعت منذ سنوات إلى تعزيز الاكتفاء الذاتي الصناعي، من خلال سياسات مثل «صُنع في الصين 2025»، واستراتيجية الرئيس شي جين بينغ المعروفة باسم «الدورتين» (التداول المزدوج)، التي تهدف إلى تعزيز الاستقلال الاقتصادي، مع الحفاظ على روابط عالمية انتقائية.
شاهد أيضاً: صادرات الصين تواصل الارتفاع رغم ضغوط الرسوم الأميركية .. لماذا؟
لكن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب أعطت دفعة قوية لهذه الجهود، إذ تحاول الشركات الصينية تحصين نفسها من التداعيات الجيوسياسية، لا سيّما في ظل الرسوم الانتقامية التي فرضتها بكين على الواردات الأميركية، والتي تصل إلى 125%.
قالت كاميل بولينوا، المحللة في مجموعة Rhodium ومؤلفة تقرير حديث حول برنامج «صُنع في الصين 2025»، إن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستزيد من رغبة بكين في أن تصبح شركاتها أكثر اعتماداً على الذات. وأضافت: «من الواضح أنهم يشعرون بالإلحاح. وهذا سيدفعهم لتسريع الجهود قدر الإمكان».
وبحسب مصادر مطلعة على تفكير المسؤولين الصينيين، ترى بكين في النزاع التجاري دليلاً إضافياً على صحة سياساتها القائمة على تعزيز الاعتماد على الذات. وأشاروا إلى أن المسؤولين يعتقدون أن تلك السياسات قد مكّنت الصين من مواجهة موجة الضغط الأميركية الجديدة.
وقال أحد هؤلاء المطلعين: «إنهم يعتقدون أن الصين قادرة الآن على الاستمرار من دون أي شيء من الولايات المتحدة أو الغرب، وأن ذلك منحها القوة لرفض مطالب ترامب التجارية».
وفي هذا السياق، قالت شركة Estun Automation، إحدى أبرز شركات تصنيع الروبوتات الصناعية في الصين، في تقريرها السنوي الشهر الماضي إنها «تستحوذ بسرعة على العملاء الرئيسيين الذين كانت العلامات التجارية الأجنبية تهيمن عليهم سابقاً»، كما أنها تعمل على تحسين سلسلة التوريد الخاصة بها من أجل «رفع نسبة الاعتماد على المواد الخام المحلية».
اقرأ أيضاً: حرب الأسعار تهدد الشركات الصينية مع تحويل الصادرات للسوق المحلي بسبب الرسوم الأميركية
قال أحد مديري الشركات إن زيادة الاعتماد على المكونات المحلية «يخفض التكاليف»، مضيفاً: «الأمر لا يقتصر على الحرب التجارية فقط —بل الاقتصاد العالمي بأسره غير مستقر. نريد أن نكون قادرين ومستعدين لتبديل المورّدين عند الحاجة».
وأبلغت شركة China Harzone Industry Corp، المملوكة للدولة والمتخصصة في تصنيع معدات الطوارئ، مستثمريها الشهر الماضي أنها رغم سعيها الحثيث منذ سنوات لتعزيز الاستعانة بالمكونات المحلية، فإنها سترفع نسبة الموردين المحليين لتستبدل ما تبقى من مكونات لا تزال تستوردها من أمريكا الشمالية، وذلك استجابة للرسوم الجمركية الأخيرة.
وأضافت الشركة أنها ستطوّر نموذج «الدورة المزدوجة» الذي يركّز على التصدير إلى دول جنوب شرق آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية.
ويرى بعض المحللين أن خطة «صُنع في الصين 2025»، التي أُطلقت عام 2015، كانت من العوامل التي ساهمت في إشعال الحرب التجارية خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ حدّدت أهدافاً صريحة للشركات الصينية للهيمنة على قطاعات استراتيجية.
وأشار تقرير حديث لغرفة التجارة الأوروبية في الصين إلى أن السياسة نجحت في صناعات مثل السيارات الكهربائية وبناء السفن ومعدات السكك الحديدية —حيث باتت الصين تتصدر التصنيع فيها— لكنه حذّر من أن الخطة شجّعت أيضاً على استثمارات غير فعالة وطاقات إنتاجية مفرطة في بعض القطاعات، وأجّجت التوتر مع الشركاء التجاريين.
وقد يمتد تأثير التركيز المتزايد على الاعتماد المحلي في الصين إلى المورّدين في دول أخرى. إذ أعلنت شركة Thinkon Semiconductor، المتخصصة في مواد السيليكون والمتمركزة في إقليم لياونينغ، أنها ستتخلى عن المورّدين الأجانب «لتعزيز قدرتها على مقاومة المخاطر». وقال أحد مديري الشركة إنها لا تستورد منتجات أميركية وتعمل حالياً على استبدال الكواشف الكيميائية المستوردة من اليابان وكوريا الجنوبية وأوروبا.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي