هل تُحدث الضغوط الاقتصادية تحولًا بمسار الحرب في أوكرانيا؟ (خاص CNBC عربية)

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

فيما الذي لا تزال نيران الحرب مشتعلة على الأراضي الأوكرانية، يكثّف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من تحركاته الدبلوماسية والاقتصادية في محاولة لتسريع التوصل إلى حل يُنهي الصراع المستمر منذ أكثر من ثلاثة أعوام. وبينما تبدو أدوات الضغط العسكري والسياسي مألوفة في سجل التعامل الأميركي مع النزاعات، فإن ترامب يضيف إلى المشهد أدوات اقتصادية غير تقليدية في توقيت بالغ الحساسية.

الملف الأوكراني عاد إلى واجهة اهتمام البيت الأبيض مع تزايد الانتقادات الداخلية والدولية بشأن طول أمد الحرب وكلفتها الباهظة. وفي هذا السياق، يبدو ترامب عازماً على استخدام نفوذ بلاده الاقتصادي كورقة ضغط مباشرة على موسكو، بعدما أبدى علناً انزعاجه من تعثر مسار المفاوضات، متّهماً الكرملين بعدم الجدية في البحث عن تسوية.

في أحدث جولات هذا الضغط، اختار الرئيس الأميركي التلويح بسلاح الرسوم الجمركية –المفضل لديه- ضد روسيا، مهدّداً بإجراءات اقتصادية تصعيدية ما لم تُظهر موسكو بوادر حقيقية نحو إنهاء الحرب. تهديد يعكس توجه واشنطن نحو تصعيد اقتصادي موازي للميدان، في محاولة لإعادة تشكيل معادلة الردع ودفع الكرملين إلى طاولة التفاهمات.

هدد ترامب، الاثنين 14 يوليو/ تموز روسيا بفرض رسوم جمركية ثانوية بنسبة 100% إذا لم تنته الحرب في أوكرانيا قريبا، كما أعلن عن اتفاق مع حلفاء الناتو لإرسال المزيد من الأسلحة إلى كييف.

وقال الرئيس الأميركي، خلال اجتماع في المكتب البيضاوي مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته، إنه "غير سعيد للغاية" مع موسكو بسبب عدم إحراز تقدم نحو التوصل إلى اتفاق لإنهاء الصراع، مضيفاً: "نحن مستاؤون للغاية من روسيا.. أشعر بخيبة أمل تجاه الرئيس بوتين، لأنني ظننت أننا سنتوصل إلى اتفاق قبل شهرين".

وتابع: "سنفرض تعريفات جمركية صارمة للغاية إذا لم نتوصل إلى اتفاق خلال 50 يوماً، تعرفات بنسبة 100% تقريباً، ويمكن وصفها بأنها تعريفات ثانوية". وقال إن هذه التعريفات ستكون "مؤثرة" و"قوية جداً".

وكان ترامب قد أثار في السابق احتمال تطبيق ما يسمى بالتعرفات الجمركية الثانوية، والتي ستفرض رسومًا على الدول التي تتاجر مع موسكو، حيث أصبح يشعر بإحباط متزايد إزاء ما يصفه بتعنت بوتين في محادثات السلام.

وخلال اجتماع البيت الأبيض يوم الاثنين، أكد ترامب أيضًا خططًا لإرسال أسلحة إلى أوكرانيا، بما في ذلك أنظمة صواريخ باتريوت. وقال الرئيس الأمريكي إن حلفاء الناتو سوف يشترون "معدات عسكرية بقيمة مليارات الدولارات" من الولايات المتحدة، وسيتم "توزيعها بسرعة على ساحة المعركة" في أوكرانيا.

إلى أي مدى يمكن أن يكون ذلك الضغط فعالاً؟

يقلل الاستاذ بكلية موسكو العليا للاقتصاد، رامي القليوبي، في حديثه مع CNBC عربية، من تأثير تهديدات ترامب بفرض تلك الرسوم على الاقتصاد الروسي، قائلاً: "هذه التهديدات لا لن تشكل بأي حال من الأحوال.. وربما ترامب نفسه يُدرك ذلك".

ويفسّر ذلك بقوله: "السنوات الثلاثة الماضية –منذ بدء الحرب في أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022- أثبتت بشكل واضح أن قوى كبيرة مثل روسيا لا يُمكن أن يتم شطبها من الخريطة الاقتصادية العالمية". وذلك بعد أن بقي الاقتصاد الروسي صامداً بشكل كبير رغم العقوبات المفروضة على موسكو.

بحسب بيانات Castellum، فإن عدد العقوبات الغربية ضد روسيا منذ العام 2014 (منذ ضم روسيا جزيرة القرم في شهر مارس/ آذار من ذلك العام)  بلغ 29 ألف عقوبة.

وتشير بيانات المنصة إلى أن نسبة تصل إلى 92% من تلك العقوبات تم فرضها بنهاية فبراير/ شباط 2022 بعد الحرب في أوكرانيا.

وتحظى الولايات المتحدة بالنصيب الأكبر من تلك العقوبات المفروضة على روسيا، بنسبة 25.5% (بما يعادل 7.384 عقوبة).

ورغم ذلك الاقتصاد الروسي صامداً. ومن ثم يرى القليوبي أن "الرئيس الأميركي يمارس هذه التهديدات كأداة للضغط النفسي على الروس.. فهو تارة يضغط على موسكو، وتارة يمارس ضغوطه على كييف من أجل إنهاء الحرب".

وتعهد الرئيس ترامب في أكثر من مناسبة منذ حملته وحتى الآن بإنهاء الحرب في أوكرانيا، وهي الحرب التي يعتقد بأنها لم تكن لتحدث حال كان متواجداً في السلطة آنذاك.ويستطرد القليوبي: "ترامب يرى أنه بهذه الطريقة –التلويح بالرسوم الجمركية- يستطيع التوصل لنوع من التسوية المرضية في أوكرانيا، وإن كان يتجاهل بذلك الجذور العميقة للنزاع الروسي الأوكراني، الذي يجمع في طيته بين حرب بين دولتين مستقلتين، وحرب أهلية بين شعبين شقيقين –تجمعهما سمات مشتركة- وكما يعلمنا التاريخ أن الحروب الأهلية من الصعب إنهاؤها عبر حلول وسط.

ما طبيعة العلاقات التجارية بين واشنطن وموسكو؟

على مدار عام 2024، بلغ إجمالي تجارة السلع بين الولايات المتحدة وروسيا نحو 3.5 مليار دولار فقط، وهو رقم يعكس التدهور المستمر في حجم التبادلات بين القوتين.

شهدت الصادرات الأميركية إلى روسيا انخفاضاً بنسبة 12.3% مقارنة بعام 2023، لتصل إلى 526.1 مليون دولار، أي أقل بـ73.5 مليون دولار عن العام السابق، بحسب بيانات مكتب الممثل التجاري الأميركي.

في المقابل، هبطت واردات واشنطن من السلع الروسية بشكل أكثر حدة، حيث انخفضت بنسبة 34.2% أو ما يعادل 1.6 مليار دولار، لتصل إلى 3 مليارات دولار في 2024. وقد ساهم هذا التراجع في تقليص عجز تجارة السلع الأميركية مع روسيا بنسبة 37.5%، ليبلغ 2.5 مليار دولار فقط، منخفضًا بواقع 1.5 مليار دولار عن مستويات عام 2023.

الضغط الأقصى

الباحث ومدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، ديمتري بريجع، يقول لـ CNBC عربية إن تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية ثانوية بنسبة 100% على روسيا تأتي في إطار استراتيجية "الضغط الأقصى"، إلا أن هذه الخطوة تُعد رمزية في جوهرها، ولا يُتوقع أن تُحدث تحوّلاً حقيقياً في مسار الحرب في أوكرانيا.

اقتصادياً، تأقلمت روسيا مع العقوبات الغربية منذ ضمّها لشبه جزيرة القرم عام 2014، وبدأت منذ ذلك الحين بتعديل سياساتها الاقتصادية. ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022، سارعت موسكو إلى توجيه صادراتها نحو آسيا، لا سيما إلى الصين والهند، ما خفّف من وقع الضغوط الغربية.

ويستطرد: التبادل التجاري بين موسكو وواشنطن في أدنى مستوياته منذ عقود، لذا فإن تأثير الرسوم الجديدة سيكون محدوداً اقتصادياً، في حين أن الهدف منها سياسي بالدرجة الأولى.

وتجدر الإشارة إلى أن العقوبات لم تمنع وصول السلع الغربية إلى السوق الروسي، إذ ما زالت تدخل عبر دول ثالثة كآسيا الوسطى ودول الخليج.

وترى موسكو أن الملف الأوكراني جزء من أمنها القومي، ولا تقبل بحل تحت الضغط. كما أن التجارب السابقة أظهرت أن العقوبات تؤدي غالباً إلى تصلب روسي أكبر، لا إلى التراجع، بحسب بريجع الذي يضيف: في المحصلة، تبدو خطوة ترامب أقرب لمحاولة تسجيل موقف سياسي داخلي، أكثر من كونها آلية فعالة لتغيير موازين الصراع. تسوية الأزمة تتطلب جهداً دبلوماسياً واسعاً، وإعادة بناء التوازنات الأمنية بين روسيا والغرب، وهو ما لا تحققه العقوبات وحدها.

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة