استراتيجية ومقترح محتمل.. كيف يواجه الاتحاد الأوروبي تهديدات الرسوم الجمركية الأميركية؟

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

يعد ملف الرسوم الجمركية أحد أهم الملفات المنغصة على العلاقات الأوروبية الأميركية منذ عودة رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني الماضي، وهو ما يظهر في سياق عدم التوصل إلى اتفاق تجاري بين أميركا والاتحاد الأوروبي حتى الآن رغم العلاقات الاستراتيجية القديمة بين الجانبين.

فإلى جانب اختلاف الرؤى في ملف الحرب في أوكرانيا وطريقة التعامل مع روسيا، يرى ترامب أن الاتحاد الأوروبي يعامل الولايات المتحدة بشكل أسوأ من الصين على المستوى التجاري، وقرر يوم السبت الماضي فرض رسوم جمركية بنسبة 30% على الواردات من التكتل بدءاً من أول الشهر المقبل، سعياً منها لتكثيف الضغط على الجانب الأوروبي للتوصل إلى اتفاق.

في المقابل ومع بقاء أقل من أسبوعين على الموعد النهائي الذي حدده الرئيس الأميركي لفرض الرسوم، يواصل الاتحاد الأوروبي التفاوض مع مسؤولي التجارة بالولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه يجهز سلسلة من الإجراءات المضادة المحتملة في حال عدم التوصل إلى اتفاق.


اقرأ أيضاً: ألمانيا تدعو الاتحاد الأوروبي لاتخاذ إجراء حاسم بشأن الرسوم الجمركية


ردود الأفعال على القرار الأميركي

شهدت صفوف القيادات الأوروبية عدداً من ردود الأفعال بعد قرار ترامب يوم الأحد بفرض رسوم جمركية مرتفعة على الاتحاد الأوروبي.

ورغم ذلك، ذكرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، يوم الأحد، أن الاتحاد الأوروبي يفضل حل الخلاف بالتفاوض، وسيمدد تعليق إجراءاته المضادة للرسوم الجمركية الأميركية حتى أوائل أغسطس/ آب.

وقالت رئيس المفوضية: "أداة 'مكافحة الإكراه' وجدت لحالات استثنائية، نحن لم نصل إلى هذا الحد بعد"، في إشارة إلى أداة تسمح للاتحاد الأوروبي بتجاوز الرسوم التقليدية على السلع وفرض قيود على التجارة في الخدمات أيضاً.

أيضاً أشار مستشار ألمانيا، فريدريش ميرتس، يوم الأحد، إلى أنه سيعمل بشكل مكثف مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية من أجل التوصل إلى حل للحرب التجارية المتصاعدة مع الولايات المتحدة.

وقال المستشار الألماني، للهيئة العامة للبث الإذاعي في ألمانيا إيه آر دي: "ناقشت هذا الأمر بشكل مكثف في مطلع هذا الأسبوع مع ماكرون وأورسولا فون دير لاين".

وأضاف ميرتس: "نريد أن نستغل الآن فترة الأسبوعين ونصف الأسبوع حتى الأول من أغسطس لإيجاد حل. وأنا ملتزم تماماً بهذا".

وتمثل التعرفات الجمركية الأميركية المرتفعة تحدياً خاصاً لألمانيا، في ظل كون الولايات المتحدة أكبر سوق للصادرات الألمانية، والتي تستقبل منها السيارات ومكوناتها، والآلات، والأدوية.


اقرأ أيضاً: ردود فعل أوروبية على رسوم ترامب الجمركية.. وتلويح بإجراءات مضادة


بينما مثلت تصريحات المستشار الألماني نبرة الدعوة للتفاوض، شدد وزير ماليته، لارس كلينجبايل في تصريحات يوم الأحد، لصحيفة زود دويتشه تسايتونغ الألمانية، على أنه "إذا لم يتم التوصل إلى حل عادل عبر التفاوض، فيجب علينا اتخاذ إجراءات مضادة حاسمة لحماية الوظائف والشركات في أوروبا".

من ناحيته، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تسريع إعداد تدابير مضادة موثوقة، من خلال حشد جميع الأدوات المتاحة للمفوضية الأوروبية، بما في ذلك أداة "مكافحة الإكراه"، في حال عدم التوصل إلى اتفاق بحلول الأول من أغسطس، وذلك بحسب ما كتبه على منصة إكس يوم السبت.

وقال ماكرون: "تدعم فرنسا المفوضية الأوروبية دعماً كاملًا في المفاوضات، التي ستُكثّف للتوصل إلى اتفاق مقبول للطرفين بحلول الأول من أغسطس، يعكس الاحترام المتبادل بين الشركاء التجاريين، مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، في ظل المصالح المشتركة وسلاسل القيمة المتكاملة".

الموقف الأميركي بعد إعلان فرض الرسوم

قال الرئيس الأميركي، خلال مقابلة بُثت على إذاعة "Real America's Voice" يوم الأربعاء، إن هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي. ويوم الاثنين قال إنه منفتح على إجراء مباحثات مع الاتحاد الأوروبي من أجل إبرام اتفاق قبل تطبيق الرسوم الجمركية الجديدة.

لكنه عاد يوم الجمعة، مطالباً بفرض رسوم جمركية تتراوح بين 15% و20% على الواردات من الاتحاد الأوروبي كحد أدنى في أي اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، وفق ما ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز  البريطانية، نقلاً عن مصادر. ويعد ذلك تصعيداً في الموقف الأميركي تجاه المفاوضات الجارية.


اقرأ أيضاً: ترامب يدفع باتجاه فرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي لا تقل عن 15%


أيضاً خلال مؤتمر صحفي عُقد يوم الخميس، قال السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارولين ليفيت، إن الاتحاد الأوروبي لا يزال "حريصاً للغاية" على التفاوض على اتفاق تجاري.

وأضافت أن الاتحاد الأوروبي يستكشف "سبلاً لخفض تعرفاته الجمركية والحواجز غير الجمركية التي لطالما قلنا إنها تضر بعمالنا وشركاتنا".

وذكرت ليفيت أن ترامب لن يقبل بتأجيل الموعد النهائي لتطبيق الرسوم الجمركية، والمحدد في الأول من أغسطس.


اقرأ أيضاً: ترامب: "قريبون جداً" من إبرام اتفاق تجاري مع الهند.. وإقالة باول ستسبب إضطراباً في الأسواق


استراتيجية من 4 أجزاء.. كيف يواجه الاتحاد الأوروبي الموقف؟

خلال تصريحات لقناة CNBC يوم الجمعة، كشف وكيل وزارة التنمية الاقتصادية والتكنولوجيا البولندية، ميشال بارانوفسكي، عن تعامل الاتحاد الأوروبي مع ملف الرسوم الجمركية الأميركية باستراتيجية مكونة من أربعة أجزاء.

وقال بارانوفسكي إن الجزء الأول من استراتيجية التكتل الأوروبي هو التفاوض مع المسؤولين الأمريكيين بحسن نية، وذلك في إطار استمرار العمل للتوصل إلى اتفاق.

في هذا الإطار، يتجه الاتحاد الأوروبي إلى تعليق تحقيقات استهدفت منصة إكس التابعة للملياردير الأميركي إيلون ماسك، تزامناً مع مسعاه إلى اختتام محادثات تجارية مع أميركا.

وتوجه المفوض التجاري بالاتحاد الأوروبي، ماروس سيفكوفيتش، إلى العاصمة الأميركية واشنطن، يوم الأربعاء، لإجراء محادثات بشأن الرسوم الجمركية، ولقاء وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك، والممثل التجاري جيميسون غرير، بحسب ما ذكره متحدث باسم الاتحاد لوكالة رويترز، في وقت سابق من هذا الأسبوع.

وبحسب صحيفة فاينانشال تايمز، تعتزم المفوضية الأوروبية تفويت الموعد النهائي لاختتام التحقيق بشأن إكس، فيما يتعلق بخرق قواعد الشفافية الرقمية للتكتل، والذي كان من المقرر أن يكون قبل فترة التوقف الصيفية. ومن المتوقع صدور التقرير بعد اتضاح موقف المحادثات التجارية ما بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وفقاً للصحيفة.


اقرأ أيضاً: بسبب المحادثات التجارية مع أميركا ..الاتحاد الأوروبي يعلّق تحقيقات مع منصة إكس


الجزء الثاني: حزمة مضادة

الجزء الثاني في الاستراتيجية الأوروبية، بحسب بارانوفسكي، يتمثل في "الاستعداد للتدابير المضادة في حال عدم التوصل إلى اتفاق. ولدينا تدابير مضادة بشأن كل من رسوم الصلب والألومنيوم، بالإضافة إلى الحزمة الأولية البالغة 72 مليار يورو لما يسمى بالرسوم الجمركية المتبادلة".

واقترحت المفوضية الأوروبية، هذا الأسبوع، قائمة بسلع أميركية تشمل الطائرات والسيارات والمشروبات الكحولية، تمهيداً لفرض رسوم جمركية انتقامية على واردات سنوية بقيمة 72 مليار يورو من أميركا، في حال فشل المحادثات التجارية الجارية.

ويقلّ هذا المبلغ عن قائمة سابقة كانت تستهدف واردات أميركية بقيمة 95 مليار يورو، إذ مارست حكومات أوروبية وقادة أعمال ضغوطاً لتجنّب استهداف قطاعات معينة، بدعوى أن الضرر الواقع على الاتحاد الأوروبي سيكون أكبر من الضرر المحتمل للولايات المتحدة.

أيضاً أجلت المفوضية خطة منفصلة لفرض رسوم على واردات أميركية بقيمة 21 مليار يورو حتى السادس من أغسطس/ آب، وهي تأتي رداً على فرض واشنطن تعرفات جمركية على واردات الصلب والألمنيوم والسيارات الأوروبية، وذلك لإتاحة مزيد من الوقت للمحادثات.


اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض رسوم انتقامية على الطائرات والسيارات الأميركية


تبادل الملاحظات مع دول أخرى

وعن ثالث مكونات الخطة الأوروبية لمواجهة الموقف التجاري الأميركي، قال وكيل وزارة التنمية الاقتصادية والتكنولوجيا البولندية، لقناة CNBC: "نتبادل الملاحظات مع دول أخرى تضررت من الرسوم الجمركية الأميركية، ليس بالضرورة من أجل التنسيق، ولكن لفهم موقف كل طرف، لأن الدول الأخرى التي تتفاوض مع الولايات المتحدة تسير نوعاً ما في نفس الاتجاه".

وأرسل دونالد ترامب خلال الأسبوعين الأخيرين رسائل لعدد من الدول لتعريفها بمعدلات الرسوم الجمركية المرتفعة التي سيتم فرضها على صادراتها إلى الولايات المتحدة بدءاً من أول أغسطس/ آب أيضاً، وذلك أيضاً في حالة عدم التوصل إلى اتفاقات جديدة بشأنها، ومن بينها اليابان وكوريا الجنوبية والمكسيك وكندا والبرازيل وغيرها.

وبحسب وسائل إعلام في كوريا الجنوبية، قال كبير مفاوضي التجارة في كوريا الجنوبية، يوم الإثنين، إنه من الممكن التوصّل إلى اتفاق "من حيث المبدأ" قبل حلول الموعد النهائي لتطبيق الرسوم، ولإن سيول قد تُبدي انفتاحاً على منح الولايات المتحدة مزيداً من الوصول إلى أسواقها الزراعية.


اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية يسعيان لإبرام اتفاقات تجارية مع أميركا لتخفيف وطأة الرسوم الجمركية


تعزيز القدرة التنافسية

الجزء الرابع من الاستراتيجية الأوروبية يتمثل في العمل على تعزيز القدرة التنافسية الأوروبية، وهو ما يجري بالفعل، بحسب ما قاله بارانوفسكي.

واشنطن قد تخسر مثل أوروبا

أيضاً قال بارانوفسكي إن الاتحاد الأوروبي يمثل "العلاقة الاقتصادية الأكثر حيوية" بالنسبة للولايات المتحدة، مضيفاً أن واشنطن "لديها الكثير لتكسبه أو تخسره من هذه العلاقة تماماً مثل أوروبا".

ويمثل احتمال فرض رسوم جمركية أميركية جديدة ضربة قوية للاتحاد الأوروبي، الذي كان يسعى جاهداً للتوصل إلى اتفاق أولي يجنّبه تلقي خطاب من ترامب بفرض تعرفات جمركية جديدة شاملة.


اقرأ أيضاً: قبل مهلة 9 يوليو.. محادثة هاتفية بين رئيسة المفوضية الأوروبية وترامب للتوصل إلى اتفاق تجاري


وتتمتع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأكبر علاقات تجارية واستثمارية ثنائية على مستوى العالم، ويمثلان ما يقرب من 30% من التجارة العالمية في السلع والخدمات، و43% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفقاً لأرقام الاتحاد الأوروبي.

وخلال عام 2024، بلغت قيمة التجارة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة 1.68 تريليون يورو (1.96 تريليون دولار)، وهو ما يعادل حوالي 4.6 مليار يورو من التجارة يومياً خلال السنة.

اقتراح محتمل بتخفيضات في تعرفات السيارات

يخطط الاتحاد الأوروبي لعرض مقترح بتخفيضات جمركية متبادلة على السيارات على الولايات المتحدة، وذلك ضمن مساعيه للتوصل إلى اتفاق تجاري.

وبحسب صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية يوم الخميس، ستتضمن هذه الخطوة إلغاء الاتحاد الأوروبي رسومه الجمركية البالغة 10% على صادرات السيارات الأميركية في حالة تخفيض إدارة ترامب رسومها الجمركية على هذا القطاع إلى أقل من 20%.

ويأتي ذلك بعد فرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 25% على السيارات وقطع الغيار المصنعة في الخارج في وقت سابق من العام الجاري، وهو ما تسبب في ضرر بالغ لشركات السيارات الأوروبية.

وأعلنت شركة فولفو Volvo السويدية للسيارات، يوم الخميس، عن انخفاض حاد في أرباحها التشغيلية خلال الربع الثاني، قائلةً إن التراجع يعكس بيئة صعبة مستمرة في هذه الصناعة. ويُنظر إلى Volvo على أنها واحدة من أكثر شركات صناعة السيارات الأوروبية تعرضاً للتعرفات الجمركية الأميركية.

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة