أشارت الولايات المتحدة إلى أنها لن تتراجع عن الموعد المحدد في الأول من أغسطس آب لفرض رسوم جمركية أعلى على الاتحاد الأوروبي، في وقت يكثف فيه التكتل جهوده للتوصل إلى اتفاق قبل حلول هذا الموعد.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، قال وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك إنه واثق من إمكانية التوصل إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي، لكنه حذّر من أن موعد فرض رسوم أساسية بنسبة 30% «نهائي ولا رجعة فيه».
وأضاف لوتنيك، في حديث إلى قناة CBS News يوم الأحد: «إنه موعد حاسم، وبالتالي ستُطبق الرسوم الجديدة في الأول من أغسطس آب».
ورغم هذا الموقف المتشدد، أشار لوتنيك إلى أن المحادثات يمكن أن تستمر بعد هذا التاريخ، قائلاً: «هذان أكبر شريكين تجاريين في العالم، ويتحدثان مع بعضهما. سنتوصل إلى اتفاق، وأنا واثق من ذلك». وتابع: «لا شيء يمنع الدول من مواصلة الحوار معنا بعد الأول من أغسطس آب، لكن عليهم أن يبدؤوا في دفع الرسوم من هذا التاريخ».
وفي المقابل، قال الاتحاد الأوروبي إنه يجهّز لإجراءات انتقامية إذا ما فُرضت عليه رسوم تجارية عقابية. غير أن لوتنيك استبعد أن يستهدف الاتحاد سلعاً حساسة مثل طائرات «بوينغ» أو مشروب «بوربون» القادم من ولاية كنتاكي، قائلاً: «لن يفعلوا ذلك ببساطة».
اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض رسوم انتقامية على الطائرات والسيارات الأميركية
وتتواصل حالياً محادثات اللحظات الأخيرة من أجل التوصل إلى اتفاق تجاري، إذ يأمل الاتحاد الأوروبي التفاوض على خفض مستوى الرسوم المقترحة. وكان التكتل يأمل في التوصل إلى اتفاق مشابه لذلك الذي أبرمته المملكة المتحدة مع الولايات المتحدة، والذي يتضمن رسماً أساسياً نسبته 10%، مع بعض الاستثناءات المتعلقة بواردات السيارات والصلب وصناعات الطيران.
لكن محللين اقتصاديين باتوا يشككون في قدرة بروكسل على التوصل إلى إطار مماثل، خصوصاً في ظل العلاقة المعقدة التي تربط الاتحاد الأوروبي بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، مقارنةً بعلاقة ترامب بالحكومة البريطانية. فترامب كثيراً ما عبّر عن امتعاضه مما يعتبره علاقة تجارية غير متكافئة وممارسات تجارية «غير عادلة»، وهو ما ينفيه الاتحاد الأوروبي.
وبحسب المجلس الأوروبي، بلغ حجم التجارة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نحو 1.68 تريليون يورو (1.96 تريليون دولار) في عام 2024. وسجّل الاتحاد فائضاً تجارياً في السلع، لكنه سجل في المقابل عجزاً في قطاع الخدمات، لينتهي بفائض إجمالي بنحو 50 مليار يورو عند احتساب السلع والخدمات معاً.
وكانت صحيفة فاينانشيال تايمز قد أفادت، يوم الجمعة الماضي، بأن ترامب يضغط من أجل فرض رسوم لا تقل عن 15% إلى 20% على الواردات الأوروبية ضمن أي اتفاق مع الاتحاد. كما أشارت الصحيفة إلى أن الرئيس الأميركي لا يمانع الإبقاء على الرسوم المفروضة على قطاع السيارات عند مستوى 25%، وهو ما قد يوجه ضربة قاسية لمصدّري السيارات في ألمانيا على وجه الخصوص.
اقرأ أيضاً: ترامب يدفع باتجاه فرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي لا تقل عن 15%
وفي هذا السياق، قال أرنو جيرو، رئيس قسم الاقتصاد والاستراتيجيات المتعددة الأصول في «كيبلر شوفرو»، في تصريح لقناة CNBC يوم الاثنين، إن فرض رسوم تتراوح بين 15% و20% «سيكون كارثياً تماماً بالنسبة لصادرات أوروبا».
وأضاف جيرو: «وإذا أضفنا إلى ذلك قوة اليورو التي شهدناها مؤخراً، فإن التأثير سيكون مكلفاً ومؤلماً للغاية بالنسبة لصادرات الاتحاد الأوروبي، كما قد يثير مجدداً مخاوف من عودة الضغوط التضخمية في الولايات المتحدة».
أدى الموقف الأميركي المتشدد تجاه بروكسل، كما يبدو، إلى تغيير في نبرة صناع القرار داخل الاتحاد الأوروبي، الذين بدأوا يدرسون كيفية الرد على رسوم جمركية بنسبة 30%، وهي زيادة حادة مقارنة بالرسوم الحالية البالغة 10% والتي بدأ تطبيقها في أبريل نيسان الماضي.
ونقل موقع CNBC عن مسؤول في الاتحاد الأوروبي قوله إن هناك «تحولاً واضحاً في المزاج» بشأن الرد المحتمل على التصعيد الأميركي، داخل جميع الدول الأعضاء في التكتل، باستثناء المجر التي يتزعمها رئيس الوزراء فيكتور أوربان، الحليف المعروف للرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ومن بين الإجراءات الانتقامية المحتملة التي يدرسها الاتحاد، فرض رسوم جمركية على واردات أميركية بقيمة 21 مليار يورو، وهي حزمة تم تعليق تنفيذها حتى السادس من أغسطس آب. كما أعدّت المفوضية الأوروبية حزمة ثانية محتملة من الرسوم قد تستهدف واردات إضافية بقيمة 72 مليار يورو.
وقد تشمل هذه الإجراءات واردات تتنوع من الملابس إلى المنتجات الزراعية والمواد الغذائية والمشروبات.
وأبدى عدداً متزايداً من دول الاتحاد الأوروبي دعمه لاستخدام «أداة مكافحة الإكراه» التي يمتلكها التكتل، والتي تُعد أقوى أداة تجارية في ترسانة الاتحاد. وتمكّن هذه الآلية المفوضية الأوروبية من اتخاذ تدابير انتقامية واسعة النطاق ضد الدول التي تمارس ضغوطاً اقتصادية على دول الاتحاد، بما فيها الولايات المتحدة.
ورحب أرنو جيرو، رئيس قسم الاقتصاد والاستراتيجيات المتعددة الأصول في «كيبلر شوفرو»، بهذا التحول في موقف الاتحاد الأوروبي تجاه السياسة التجارية، مشيراً إلى أن التكتل بدأ «أخيراً» في إظهار قوته، وهو أمر ضروري لتحقيق تقدم في المفاوضات.
وقال جيرو: «لقد كان موقفهم، حتى الآن، معتدلاً جداً تجاه أميركا، ومع اقتراب موعد تنفيذ الرسوم، بات عليهم أن يتحدثوا بنبرة أكثر حدة». وأضاف: «عدم التوصل إلى صفقة أفضل من تلك التي أبرمتها المملكة المتحدة يُعد مشكلة كبيرة للاتحاد، ويجب عليهم إثبات أن هيكل الاتحاد الأوروبي نفسه قادر على حماية مصالحهم».
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي