هل يتغير الموقف الأميركي تجاه سوريا بعد أحداث السويداء؟ (خاص CNBC عربية)

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

اقرأ في هذا التقرير: 

- بين تصريحات تبدو متناقضة وإشارت يُساء تفسيرها، تتكشف ملامح ارتباك أميركي تجاه الملف السوري، خصوصاً بعد أحداث السويداء الدامية.. دعم مشروط للسلطة الانتقالية، واحتجاج خافت على الضربات الإسرائيلية، يقابله حديث عن "المحاسبة".. 

 - في ظل هذا المشهد، تبرز عدة تساؤلات:  هل يتغير الموقف الأميركي تجاه سوريا بعد أحداث السويداء؟ وماذا تعني إشارات البيت الأبيض في لحظة إقليمية معقّدة، تسعى فيها قوى متعددة لإعادة رسم ملامح النفوذ في سوريا؟

ما بين إشارات مُربكة، وتحركات دراماتيكية متسارعة من أطراف مختلفة.. "أحداث السويداء" تخلف جرحاً مفتوحاً في ساحة ملأى بالأزمات.. وفي وقت حرج تحاول فيه السلطات السورية لملمة شتات البلد.

الأحداث الأخيرة في الجنوب السوري تؤكد تعقيدات الأزمة التي تعيشها سوريا، ما بين ملفات داخلية ملغومة، ومواقف إقليمية ودولية متداخلة، تتسم بالغموض والحسابات المتبدلّة، لا سيما مع تصاعد التوترات وفشل السلطة المركزية في فرض سيادتها بشكل فعلي.

في هذه الأثناء، تبدو القوى الخارجية وكأنها تدير المشهد عن بُعد، إما عبر أدوات محلية أو من خلال تدخلات ظرفية تخدم أجندات مرحلية.

تبدو إسرائيل من جهتها، حريصة على توظيف هذا الفراغ السوري لتحقيق مصالحها.. فيما يتنقل الموقف الأميركي بين النصائح الدبلوماسية، دعم الهدنة المؤقتة في السويداء، والاحتجاج على الضربات الإسرائيلية في الوقت الذي يدعم فيه شكلاً من الاستقرار النسبي على الأرض، ويطالب في الوقت نفسه بمحاسبة السلطات السورية.  

هنا يُطرح التساؤل الكبير.. ما مصير الدعم الأميركي للسلطات السورية الانتقالية الحالية؟ وهل ستغيّر واشنطن من نهجها الراهن في "منح الفرصة" للسوريين، أم أنها ستتأرجح بين رهانات غير واضحة ومواقف مؤقتة؟

اتخذ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مواقف وُصفت بـ "التاريخية" وحظيت بترحيب واسع من السلطات السورية، بدءاً من الإعلان -خلال جولة ترامب الخليجية في مايو/آيار الماضي- عن رفع العقوبات عن سوريا بطلب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وبهدف منح السوريين "الفرصة"، مروراً بتوقيعه رسمياً على قرار تنفيذي قبيل أسابيع يقضي بإنهاء برنامج العقوبات على سوريا لدعم مسار البلاد نحو الاستقرار والسلام، ووصولاً إلى إلغاء تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية.

لكنّ بعد أحداث السويداء الأخيرة، بدأ سؤال "هل لا يزال الرئيس ترامب يدعم نظيره السوري أحمد الشرع؟"، وذلك بعد تدخل الولايات المتحدة من أجل الوساطة في هدنة بين الحكومة السورية والموحدين الدروز.

في منتصف يوليو/ تموز، تحولت مدينة السويداء ومحيطها إلى مسرح لانفجار عنيف بسبب صراع بين عشائر البدو والسوريين الموحدين الدروز، مع تدخل الجيش بعد ذلك للحسم، ثم سلسلة من الغارات الإسرائيلية التي استهدفت منشآت حيوية في دمشق. وقد تسببت الأحداث في مجملها في سقوط مئات القتلى والجرحى وأدت إلى أزمة إنسانية حادة، تبعتها هدنة مؤقتة.

في هذا السياق، فإن تقارير غربية تشير إلى أن السلطات السورية فسّرت الإشارات الأميركية بشكل خاطئ، واندفعت نحو إرسال القوات الحكومية للجنوب بناءً على ذلك التفسير.

الولايات المتحدة على لسان مبعوثها الخاص توماس بيريك، دعت إلى إدارة سوريا بشكل مركزي "كدولة واحدة"، وهي الإشارة التي يُقر مسؤولون سياسيون وعسكريون في دمشق إضافة إلى مصادر أمنية إقليمية بأنها كانت خادعة للإدارة، وفق ما نقلته رويترز.

ظنّت السلطات أن ذلك بمثابة ضوء أخضر من الولايات المتحدة، فكان قرارها في المدينة الجنوبية ذات الأغلبية الدرزية ، وذلك رغم التحذيرات الإسرائيلية المستمرة منذ أشهر من الإقدام على ذلك. بينما دمشق تقول إن القرار اتُخذ بناءً على اعتبارات وطنية بحتة وبهدف "وقف إراقة الدماء وحماية المدنيين ومنع تصاعد الحرب الأهلية".

تساؤلات

وفي الوقت الذي يتجاوز فيه الجدل حدود السويداء، تطرح أسئلة أعمق وأكثر إرباكاً، بشأن ما طبيعة العلاقة بين الإدارة الأميركية والسلطات السورية الجديدة؟ وإلى أي مدى يُمكن أن يصمد الموقف الأميركي الداعم لسوريا؟

يعتبر سياسيون أميركيون أنه مع شخصية مثل ترامب لا يمكن التكهن باتجاهات سياساته وتبدو عملية تحديد اتجاهات سياساته حيال الملف السوري شديدة الصعوبة، لا سيما مع تداخله مع عديد من الملفات الأخرى، حتى أن أستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث في كلية سانت أنتوني بجامعة أوكسفورد، يوجين روجان، قال في تعليقه بهذا الشأن لـ CNBC عربية: "أخشى أنني لا أفهم سياسات إدارة ترامب تجاه سوريا - فترامب لديه قدرة غير محدودة على مفاجأتي.. يبدو أنه لا يتبع سياسة مستقرة أو ثابتة".

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، مساء الاثنين، إن الرئيس الأميركي، فوجئ بالقصف الإسرائيلي على سوريا. وذكرت أن وزير الخارجية ماركو روبيو تدخل لخفض التصعيد في سوريا.

وأفادت في الوقت نفسه بأن "الرئيس الأميركي يدعم مبعوثه توم باراك الذي يقوم بعمل رائع في سوريا"، على حد وصفها.

ويشار إلى أنه في أحدث تصريحاته، يوم الاثنين، دعا المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، إلى "محاسبة الحكومة السورية" على خلفية أحداث السويداء. وقال خلال مؤتمر صحافي في بيروت: "على الأطراف الجدد التي تحاول أن تدير البلد الإقرار بأهمية استيعاب الأقليات والتحاور معها والتنسيق مع الجيران (في إشارة لإسرائيل)".

تفاؤل حذر

مدير مدرسة باترسون للدبلوماسية والتجارة الدولية- جامعة كنتاكي، جوزيف يونغ، يقول لـ CNBC عربية، إن "الإدارة الأميركية الحالية متفائلة بحذر بشأن الحكومة الانتقالية الحالية في سوريا.. ونظراً لضعف علاقاتها مع روسيا وإيران، هناك فرصة سانحة للتفاعل والدعم الأميركي".

ويشير إلى أن "واشنطن تريد منهم (الحكومة السورية) الابتعاد عن بعض الدول التي تُنافسها الولايات المتحدة (روسيا وإيران والصين) والبقاء على تقبّل الأقليات في سوريا وعدم قمعها"، مضيفاً: "إسرائيل قلقة على الموحدين الدروز، وسعت جاهدةً لحمايتهم... وكثيرًا ما دعم الموحدين الدروز إسرائيل في صراعات المنطقة".

ويضيف: "لست متأكداً من أن الدولة السورية قوية بما يكفي لحماية الفئات المُهددة.. وهذا هو التحدي الأكبر لبناء الدولة: كيف يُمكن بناء دولة قوية بما يكفي لحماية شعبها دون أن تكون قوية لدرجة تُمكّنها من قمع وإيذاء هؤلاء المواطنين أنفسهم".

ورداً على سؤال حول الركائز الأساسية للموقف الأميركي من سوريا اليوم، وماهية الخطوط الحمراء التي لا تزال قائمة، يقول مدير مدرسة باترسون للدبلوماسية والتجارة الدولية- جامعة كنتاكي: "يعود الخط الأحمر للولايات المتحدة إلى زمنٍ تتحالف فيه سوريا مع إيران، وتمارس فيه قمعاً متواصلًا للمسيحيين أو الموحدين الدروز .. لكنني لا أعتقد بأن هذا خطٌ أحمر للإدارة الحالية".

ومع الإشارات المتباينة، يبدو أن المقاربة الأميركية للملف السوري لا تزال تفتقر إلى خريطة طريق واضحة المعالم، فعلى الرغم من التصريحات الداعمة للحكومة الانتقالية، فإن التحركات على الأرض تكشف عن حالة من التردد والارتباك، وكأن واشنطن تراقب من بعيد دون رغبة فعلية في الانخراط الحاسم.

تأرجح المواقف

في المقابل، يعكس التناقض في المواقف، والتأرجح بين دعم انتقائي وانتقاد علني، أزمة قرار داخل الإدارة الأميركية ذاتها. فتارةً تدعم إدارة ترامب المسار السياسي الجديد، وتارةً تُلمّح إلى محاسبة السلطات على خلفية الانتهاكات.

وهنا، تزداد التساؤلات حول ما إذا كان لدى واشنطن استراتيجية حقيقية تجاه سوريا، أم أنها تكتفي بردود الأفعال المرحلية التي تُدار وفقاً لموازين المصالح الآنية وتقلبات المزاج السياسي داخل البيت الأبيض.

في هذا السياق، يوضح الباحث في مؤسسة "أميركا الجديدة"، باراك بارفي،  لـدى حديثه مع  CNBC عربية: "كما هو الحال مع كل شيء يتعلق بترامب، لا توجد سياسة واضحة تجاه سوريا".

ويردف قائلاً: تصرفات الرئيس الأميركي تعتمد على مزاجه ومن تحدث إليه مؤخراً.. ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كسبه إلى صفه، والآن ينظر ترامب إلى سوريا بإيجابية (..) لكن يبقى السؤال: هل هذا التحول رمزي فقط أم أنه يحمل طابعاً عملياً؟ وهل سيقدم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تمويلاً؟ وهل ستقوم الدول الغربية بدعم جهود إعادة الإعمار؟".

ويضيف: "لا يبدو أن هناك استراتيجية شاملة.. لا يوجد اجتماع لأصدقاء سوريا كما حدث في أفغانستان قبل عقد من الزمن. وإذا لم يكن هناك تنسيق دولي، فإن رفع العقوبات سيظل خطوة جوفاء بلا أثر حقيقي".

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة