عاد اسم رجل الأعمال الأميركي الراحل جيفري إبستين، والمتهم بارتكاب جرائم جنسية والمُتوفى منذ ست سنوات، إلى الأضواء مع ما أثير من تقارير عن علاقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب به، وبشأن إبلاغ وزيرة العدل الأميركية ترامب بوجود اسمه بملف قضيته، وهو ما وصفه البيت الأبيض بأنه "خبر زائف".
وأعاد هذا الجدل الغنى الفاحش الذي كان عليه إبستين قبل وفاته إلى الذاكرة، في ظل امتلاكه مجموعة من المنازل الفخمة، وجزيرتين خاصتين في الكاريبي، وما يقارب 380 مليون دولار نقداً واستثمارات، لتصل ثروته إلى 578 مليون دولار، وفقاً لتركته.
كان إبستين يعمل كمستشار مالي للمليارديرات، ويقدم لهم خدمات الاستثمار والعقارات والتخطيط الضريبي. في ملف شركته لعام 2013، وصف إبستين نفسه بأنه "ممول ورجل أعمال متمرس وناجح"، و"رائد أعمال أسس العديد من الشركات عالية الربحية"، و"أحد رواد الاستثمار القائم على المشتقات والخيارات".
وتُوفي إبستين في أحد سجون نيويورك عام 2019 أثناء انتظاره المحاكمة بتهم الاتجار بالجنس على المستوى الفدرالي.
اقرأ أيضاً: وول ستريت جورنال: ترامب مذكور في ملفات قضية إبستين.. والبيت الأبيض: خبر زائف
عميلان وحيلة ضريبية وراء بناء ثروته
وبينما لا تزال الأصول الكاملة لثروة إبستين محاطةً بالغموض، فإن ما هو واضح، وفقاً لمراجعة شبكة فوربس لملفات المحكمة ومذكرة تحقيق وسجلات مالية، هو أن إبستين اعتمد في المقام الأول على عميلين مليارديرين وحيلة ضريبية في بناء ثروته.
وبحسب تقرير لفوربس، كان ليس ويكسنر، الرئيس التنفيذي لشركة Victoria’s Secret منذ فترة طويلة، وليون بلاك، أحد كبار مستثمري الأسهم الخاصة والمؤسس المشارك والرئيس التنفيذي السابق لشركة Apollo Global Management، أكبر عميلين ماليين لإبستين. فمن بين أكثر من 800 مليون دولار من الإيرادات التي حققتها شركتا إبستين الرئيسيتان بين عامي 1999 و2018، جمع رجل الأعمال الراحل ما لا يقل عن 490 مليون دولار كرسوم، بينما جاء الباقي من أرباح الاستثمارات.
وساهمت شركتا ويكسنر وبلاك ما يزيد عن 75% من دخل إيبستين من الرسوم خلال تلك الفترة، وفقاً لتقديرات فوربس. كانت هاتان الشركتان، اللتان تتخذان من جزر فيرجن الأميركية مقراً لهما، الوحيدتين "المُدرّتين للدخل" لإبستين من عام 1999 حتى وفاته، وفقاً لتقرير خبير قدّمه محاسب في قضية رفعتها حكومة جزر فيرجن عام 2022 ضد بنك جي بي مورغان تشيس JPMorgan Chase.
وبينما كان ترامب وإبستين صديقين لسنوات عديدة، لا يوجد دليل على أنهما قاما بأي عمل تجاري معاً، بحسب فوربس. ويُقال إنهما اختلفا بعد التنافس على شراء عقار "بالم بيتش" نفسه عام 2004؛ وفاز ترامب.
كان ويكسنر، البالغ من العمر 87 عاماً، العميل الرئيسي لإبستين من عام 1991 حتى عام 2007 قبل أن يختلف الرجلان، وقد دفع لإبستين ما يُقدّر بنحو 200 مليون دولار خلال تلك الفترة. أيضاً دفع بلاك، البالغ من العمر 73 عاماً، لإبستاين 170 مليون دولار خلال الفترة بين عامي 2012 و2017، وفقاً لتحقيق مستقل أجرته شركة Dechert LLP للمحاماة في علاقة بلاك بإبستاين، بالإضافة إلى بحث إضافي أجرته لجنة المالية بمجلس الشيوخ الأميركي.
وبفضل الإعفاءات الضريبية السخية في جزر فيرجن تمكن إبستين من جمع ثروة معفاةً تقريباً من الضرائب. وأقام إبستين في جزر فيرجن منذ عام 1996، وأسس شركة استشارات مالية باسم "Financial Trust Company" بعد عامين - وفي العام نفسه، أنفق ما يقرب من ثمانية ملايين دولار لشراء جزيرة ليتل سانت جيمس، والتي كان لها دور في شبكة الاتجار بالجنس.
وتُظهر مستندات المحكمة أن إبستين حصل، من خلال تلك الشركة وشركة أخرى أسسها في 2011 تُدعى "Southern Trust Company" (التي أصبحت شركته الرئيسية في العام التالي)، على امتيازات بموجب برنامج التنمية الاقتصادية في الإقليم، وفّرت له إعفاءات ضريبية تقدر بنحو 300 مليون دولار خلال الفترة بين عامي 1999 و2018. وخلال تلك الفترة، جنى إبستين ما لا يقل عن 360 مليون دولار من الأرباح من شركتيه.
اقرأ أيضاً: مطالباً بتعويض 10 مليارات دولار.. ترامب يقاضي روبرت مردوخ على خلفية رسالة "غير لائقة" لإبستين
اعتذار ويكسنر وبلاك
واعتذر كلٌ من ويكسنر وبلاك عن ارتباطهما بإبستين، وقالا إنهما لم يكونا على علم بجرائمه الجنسية. تنحى ويكسنر عن منصبه كرئيس تنفيذي لشركة L Brands عام 2020، وقال في رسالة نُشرت في ذلك العام إنه "لم يكن ليستمر في العمل مع أي فرد قادر على ارتكاب مثل هذا السلوك الفظيع والمقزز" لو كان يعلم.
وقال بلاك، في مكالمة أرباح لشركته عام 2020، إنه "يأسف بشدة" لارتباطه بإبستين؛ ولم يجد تقرير Dechert "أي دليل على تورط بلاك... بأي شكل من الأشكال في أنشطة إبستاين الإجرامية". وفي عام 2021، تنحى عن منصبه كرئيس تنفيذي لشركة Apollo، وعن منصبه كرئيس لمتحف الفن الحديث.
عملاء آخرون لإبستين
لم يكن الرجلان عميلي إبستين الوحيدين. فقد كانت وريثة شركة Johnson & Johnson، إليزابيث جونسون (المتوفية عام 2017)، عميلةً له أيضاً، بينما دفع صندوق التحوط "Highbridge Capital Management" التابع للملياردير جلين دوبين، 15 مليون دولار لإبستين مقابل تعريف الشركة ببنك JPMorgan Chase، الذي استحوذ على حصة أغلبية في "Highbridge" مقابل 1.3 مليار دولار عام 2004، وهو العام الذي حقق إبستين فيه إيرادات بلغت 127 مليون دولار في ذلك العام، وهو أفضل أداء له على الإطلاق، وتضخمت أصول شركته إلى 476 مليون دولار.
كما عمل إبستين مع وزير خزانة أميركي سابق، ورؤساء دول، وحائزين على جائزة نوبل، وفاعلي خير بارزين، وفقًا لبلاك، الذي لم يذكر أي أسماء. وفي وقت ما، ورد أن إبستين ادعى أنه يعمل فقط مع أشخاص تبلغ ثروتهم مليار دولار على الأقل.
اقرأ أيضاً: هل تقف جائزة نوبل في وجه طموحات ترامب اللامحدودة؟
تاريخ علاقة إبستين وويكسنر
كان ويكسنر، أكثر من أي شخص آخر، هو من وضع أسس ثروة إبستين. التقى ويكسنر مع إبستين، عن طريق صديق مشترك في ثمانينيات القرن الماضي. وأُعجب ويكسنر به فوظفه لمساعدته في إدارة ثروته. وبحلول عام 1991، أصبح إبستين يتمتع بالسلطة الكاملة على شؤون ويكسنر المالية.
ليس من الواضح تماماً المبلغ الذي دفعه ويكسنر لإبستاين خلال علاقتهما، لكن مجلة فوربس تقدر المبلغ بأكثر من 200 مليون دولار حتى عام 2007. وقالت مصادر مقربة من ويكسنر لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية إنهم يعتقدون أن المبلغ "لا يقل عن 200 مليون دولار".
اختلف الرجلان عام 2007 بعد أن اختلس إبستين ما لا يقل عن 46 مليون دولار من ويكسنر، وفقاً لما كتبه قطب تجارة التجزئة في رسالة عام 2020. ويبدو أن نهاية رعاية ويكسنر وجهت ضربة قوية لإبستين. فمن عام 2000 إلى عام 2006، حققت شركة Financial Trust، وهي الشركة الرئيسية لإبستين في ذلك الوقت، 300 مليون دولار من دخل الرسوم، وفقاً لبياناتها المالية المدرجة في سجلات المحكمة. وعلى مدى السنوات الست التالية، حققت هذه الشركة رسوماً بقيمة أقل من خمسة ملايين دولار.
بعد فترة وجيزة من قطع ويكسنر علاقته به، تعرض إبستين لضربة أخرى: الأزمة المالية في عام 2008. من عام 2008 إلى عام 2012، سجل صندوق "Financial Trust" خسائر صافية بلغت 166 مليون دولار. كما تضررت سمعته بعد أن أقر بالذنب في عام 2008 في محكمة ولاية فلوريدا بتهمتين جنائيتين تتعلقان بجرائم جنسية.
تاريخ علاقة إبستين وبلاك
كان ليون بلاك أحد الرجال الحاسمين في الفصل الثاني من حياة إبستين العملية، رغم المعرفة السابقة بينهما من منتصف التسعينيات، مع تولي إبستين إدارة مؤسسة "بلاك فاميلي فاميلي فاونديشن" من عام 1997 إلى عام 2007.
وفي عام 2012، بدأ الرجلان مناقشة فكرة تقديم إبستين المشورة لبلاك بشأن التخطيط الائتماني والعقاري، والقضايا الضريبية والخيرية، وعمليات مكتب عائلة بلاك. ووقّع بلاك اتفاقية مع شركة "Southern Trust" التابعة لإبستين، مع تقديمها خدمات تتعلق بـ"مسائل تخطيط التركات المتعلقة بأصول ليون بلاك وممتلكاته"، وذلك في فبراير/ شباط 2013، وفقاً لتحقيق Dechert.
وأخبر إبستين بلاك أنه عادةً ما يتقاضى من عملائه 40 مليون دولار سنوياً - وهو مبلغ يبدو مستبعداً، نظراً لأن إبستاين كان قد أسس شركة "Southern Trust" للتو في عام 2011، وكانت سلفها، "Financial Trust"، قد تكبّدت خسائر فادحة على مدى السنوات الخمس السابقة.
وحوّل بلاك 5.5 مليون دولار إلى حسابات "Southern Trust" في عام 2012، وفقاً لتحقيق أجرته لجنة المالية بمجلس الشيوخ، لكن المبلغ لم يظهر في التقرير السنوي للشركة لذلك العام. وفي فبراير 2013، اتفق بلاك وإبستاين على دفع مبلغ 23.5 مليون دولار مقابل خدماته، وتفاوضا على مبلغ إضافي قدره 56.5 مليون دولار بعد ثلاثة أشهر، يُدفع على أقساط، حيث دفع بلاك لإبستاين ما مجموعه 50 مليون دولار في عام 2013.
وفقاً للسجلات المالية، شكّلت المدفوعات من بلاك تقريباً كامل الرسوم البالغة 51 مليون دولار التي حصلت عليها شركة Southern Trust في ذلك العام. وفي العام التالي، وافق بلاك على دفع أتعاب إبستين مقابل خدماته دون اتفاق مكتوب. دفع بلاك له 70 مليون دولار في عام 2014 و30 مليون دولار في عام 2015. وفي العام نفسه، تبرع بلاك بما لا يقل عن 10 ملايين دولار لجمعية خيرية تابعة لإبستين.
لا يبدو أن بلاك دفع أي أموال لإبستين في عام 2016، ولم تُبلغ شركة Southern Trust عن أي دخل من الرسوم لذلك العام. في عام 2017، دفع بلاك آخر دفعة لإبستين وقدرها ثمانية ملايين دولار - وهي الرسوم الوحيدة التي أبلغت Southern Trust عن استلامها في ذلك العام.
وتكشف هذه المعاملات مجتمعةً كيف كان إبستين يعتمد كلياً تقريباً على بلاك في دخله آنذاك. وكتب السيناتور الأميركي رون وايدن في رسالة إلى المدعية العامة بام بوندي أن مبلغ الـ 170 مليون دولار "مبلغٌ غير طبيعي لدفعه مقابل استشارات ضريبية، ومع ذلك لم يُقدّم أي تفسير مُقنع لسبب دفع بلاك لإبستين هذه المبالغ الباهظة دون عقد أو اتفاق مكتوب". لكن تقرير Dechert ذكر أن بلاك كان يعتقد أن إبستين قدّم خدمات "منحته أكثر من مليار دولار وما يصل إلى ملياري دولار أو أكثر من حيث القيمة".
أيضاً في عام 2017، أقرض بلاك 30.5 مليون دولار لشركة إبستين تُدعى "Plan D"، وهي شركة تملك طائرة "غلف ستريم" يُزعم أن إبستين استخدمها لنقل شابات وأطفال إلى جزيرة ليتل سانت جيمس.
ووفقاً لتقرير Dechert، كانت القروض قصيرة الأجل و"مرتبطة بصفقة فنية تتعلق بإبستين". وطالب بلاك بسداد كامل المبلغ في أوائل عام 2018، لكن إبستين لم يُسدد سوى 10 ملايين دولار قبل وفاته عام 2019. ويقول بلاك إنه قطع علاقته بإبستين في أكتوبر/ تشرين الأول 2018.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي