دأب "مايك موشينيش" على توزيع قطع غيار السيارات منخفضة التكلفة في أميركا منذ أن بدأ العمل في شركة والده في الرابعة عشرة من عمره. لكن منذ شهر أبريل نيسان الماضي، رفعت سياسات "دونالد ترامب" التجارية الرسوم الجمركية على القطع المصنوعة في الصين التي يستوردونها إلى أميركا عبر المكسيك لتصل إلى 72.5%.
لم يتمكن الرئيس التنفيذي لشركة "ديترويت آكسل" البالغ من العمر 45 عاماً من العثور على بدائل أميركية رخيصة على الفور. ومع تعرّض شركته العائلية لخطر الإفلاس، رفع دعوى قضائية ضد إدارة ترامب لرفع هذه الرسوم الجمركية، بحسب صحيفة فايننشال تايمز.
يقول "موشينيش" وهو ينتظر أن تمضي دعواه قدماً: "قفزت فئة تعرّضنا [للرسوم الجمركية] من 700 ألف دولار شهرياً كنا ندفعها إلى أكثر من 7 ملايين دولار شهرياً. كان ذلك بمثابة صدمة فورية. إنها صدمة لا تُصدَّق".
إن المحنة التي تمر بها شركة "ديترويت آكسل"، التي تبلغ مبيعاتها السنوية مئات الملايين من الدولارات، ليست سوى نافذة صغيرة على التأثير بعيد المدى للحرب التجارية العالمية للرئيس على الشركات الأميركية. هذه الحرب التي اشتعلت من جديد هذا الأسبوع مع إبرام "ترامب" صفقات جديدة مع بعض الدول، بينما فرض رسوماً جمركية قاسية على دول أخرى.
إن المستوى الإجمالي للرسوم الجمركية في النظام الجديد ليس مرتفعاً بقدر ما أُعلن عنه خلال خطاب "ترامب" في "يوم التحرير" الذي ألقاه في الثاني من أبريل نيسان، لكنه لا يزال أعلى بكثير من أي شيء شهده الاقتصاد العالمي في العقود الأخيرة.
اقرأ أيضاً: الاتفاق التجاري بين اليابان وأميركا يبدّد المخاوف بشأن الركود العالمي
لطالما كان الهدف هو إحياء المصنعين الأميركيين وجعلهم أقوى من منافسيهم الأجانب، مع حجب المنافسة من الصين. وكان من المفترض أن تكون صناعة السيارات، القطاع الرائد في الصناعة الأميركية، المستفيد الأكبر. وعندما كشف "ترامب" عن رسوم جمركية بنسبة 25% على جميع واردات السيارات المصنوعة في الخارج في أبريل نيسان، وعد بـ"عصر ذهبي" لأميركا. وأعلن الرئيس أمام عمال السيارات الذين تجمعوا في البيت الأبيض للاستماع إليه: "ستعود الوظائف والمصانع بقوة إلى بلادنا".
ومع ذلك، فقد برزت صناعة السيارات العالمية منذ ذلك الحين كواحدة من أكبر ضحايا حرب "ترامب" التجارية، وكانت الشركات الأميركية من بين الأكثر تضرراً. وقد توقعت شركات "الثلاثة الكبار" في الأسابيع الأخيرة أن تواجه خسائر مجمعة في الأرباح تبلغ 7 مليارات دولار من الرسوم الجمركية في عام 2025؛ منها 1.5 مليار دولار لـ"ستيلانتيس"، و2 مليار دولار لـ"فورد"، و3.5 مليار دولار لـ"جنرال موتورز".
أما هذا الأسبوع، فقد أعلنت شركة فورد، التي تصنع حوالي 80% من السيارات التي تبيعها في الولايات المتحدة محلياً، عن خسارة صافية لربع أبريل نيسان إلى يونيو حزيران، بعد أن قضى عبء مالي بقيمة 800 مليون دولار على أرباحها. على حد تعبير رئيسها التنفيذي، جيم فارلي، أصبحت "فورد" الآن "الشركة الأكثر أميركية التي تواجه عبئاً مالياً بقيمة 2 مليار دولار".
حتى إيلون ماسك، من شركة تسلا، حذّر من "أرباع صعبة قادمة" مع تعرض الشركة لضغوط من سياسات "ترامب" المناهضة للسيارات الكهربائية وفاتورة رسوم جمركية بقيمة 300 مليون دولار في الربع الثاني.
تقول جماعات الضغط الخاصة بالسيارات في الولايات المتحدة إنه في ظل الظروف التجارية الحالية، قد ينتهي بها المطاف بخسارة أكبر من خسائر منافسيها الآسيويين والأوروبيين مثل تويوتا وهيونداي وفولكس وفاغن.
اقرأ أيضاً: تويوتا تسجل مبيعات قياسية في مايو.. والإنتاج يتراجع لأول مرة منذ 5 أشهر
وقبل الموعد النهائي الذي حدده "ترامب" لنفسه في الأول من أغسطس آب لفرض رسوم جمركية أعلى على الشركاء التجاريين، وقعت الولايات المتحدة سلسلة من الاتفاقيات التجارية مع الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية أدت إلى خفض معدل الرسوم الجمركية على السيارات إلى 15%.
لكن حتى يوم الجمعة الماضي، لم تتوصل المكسيك وكندا، اللتان لديهما سلاسل توريد سيارات متكاملة بشكل كبير مع الولايات المتحدة عبر اتفاقية (USMCA) التجارية لعام 2020، إلى صفقات جديدة مع "ترامب". وهذا يعني أن السيارات المنتجة في هذين البلدين ستواجه رسوماً جمركية إجمالية أعلى تبلغ 27.5% مقارنة بالسيارات المصنعة في اليابان أو الاتحاد الأوروبي أو كوريا الجنوبية.
أشار أنطونيو فيلوسا، الرئيس التنفيذي الجديد لشركة ستيلانتيس، التي تمتلك علامات فيات وجيب وأوبل التجارية، للمستثمرين إلى أن 4 ملايين من أصل 16 مليون سيارة تُباع في الولايات المتحدة سنوياً يتم تصنيعها في مصانع بالمكسيك وكندا باستخدام العديد من المكونات من موردين أميركيين. وفي الوقت نفسه، أضاف أن 4 ملايين وحدة أخرى تأتي من أوروبا وآسيا "ليس بها أي محتوى أميركي تقريباً".
يأتي هذا العبث والاضطراب الناجم عن الهجوم التجاري لـ"ترامب" في وقت كانت فيه صناعة السيارات العالمية تعاني بالفعل من انهيار حصتها السوقية في الصين، وارتفاع تكاليف التحول عن محركات الاحتراق الداخلي، فضلاً عن النمو الفاتر بشكل عام في مبيعات السيارات الجديدة في الولايات المتحدة وأوروبا.
تتواصل شركات صناعة السيارات الأميركية وموردوها حالياً بالبيت الأبيض بشكل محموم لطلب الإغاثة، بينما يواجهون احتمال رفع الأسعار أو خفض الوظائف.
من الصعب تحديد شركات صناعة السيارات الأكثر تضرراً من الرسوم الجمركية، أو تلك التي قد تستفيد منها.
إن نظام "ترامب" للرسوم الجمركية متعدد المستويات وغير مكتمل، مع وجود المزيد من الاتفاقيات التجارية في الأفق. وفي الوقت نفسه، تتسم سلاسل التوريد الخاصة بالصناعة بكونها معقدة وعالمية بطبيعتها.
في الظاهر، كان معدل الـ 25% الذي أُعلن عنه في أبريل نيسان ضربة كبيرة. فنحو نصف السيارات التي تُباع في الولايات المتحدة مستوردة، بينما تلك التي يتم تجميعها في أميركا تستورد ما يقرب من 60% من قطع غيارها من الخارج في المتوسط.
لكن منذ ذلك الحين، قدم "ترامب" العديد من التنازلات لصناعة السيارات للتخفيف من عبء الرسوم الجمركية. فعلى سبيل المثال، قطع غيار السيارات القادمة من المكسيك وكندا والتي تتوافق مع قواعد اتفاقية (USMCA) التجارية التي تم إبرامها خلال إدارة "ترامب" الأولى في عام 2020، تُعفى من الرسوم الجمركية، بينما ستواجه السيارات غير الممتثلة حداً أقصى من الرسوم يبلغ 25 %.
وتقدم الإدارة أيضاً تخفيضات صغيرة للشركات التي تقوم بتجميع سياراتها في الولايات المتحدة –تصل إلى 3.75% من قيمة التجزئة للسيارة للعام المقبل– لتعويض تكلفة هذه الرسوم.
عند تطبيق كل هذه العوامل، فإن متوسط تكلفة الرسوم الجمركية على كل سيارة مستوردة من الاتحاد الأوروبي أو كوريا الجنوبية أو اليابان سيبلغ حوالي 5600 دولار، وهو أعلى من 4900 دولار للسيارات المستوردة من كندا والمكسيك، وفقاً لـ"إيرين كيتنغ"، المحللة التنفيذية.
تختلف أيضاً كيفية تأثير الرسوم الجمركية المختلفة بشكل كبير على كل شركة.
فعلى سبيل المثال، تفيد الاتفاقية التجارية الأميركية مع كوريا الجنوبية شركة "جنرال موتورز" لأن مصانعها لتصنيع السيارات في البلاد تنتج سيارات مدمجة بأسعار معقولة للسوق في أميركا الشمالية بشكل أساسي، وهو ما يمثل ما يقرب من 17% من مبيعات سيارات المجموعة في الولايات المتحدة.
في المقابل، صرحت شركة "بي إم دبليو" بأن التخفيضات على السيارات المجمعة في الولايات المتحدة ستساعد في تعويض تكاليف الرسوم الجمركية، حيث إن شركة صناعة السيارات الألمانية تصنع حوالي نصف السيارات التي تبيعها في الولايات المتحدة في مصنعها في سبارتانبرغ بولاية ساوث كارولينا. ومع ذلك، فإن إنتاج "بي إم دبليو" في الولايات المتحدة لا يمتثل لاتفاقية (USMCA)، مما يعني أنها تدفع حالياً رسوماً جمركية بنسبة 27.5%، بما في ذلك ضريبة قائمة تبلغ 2.5%، على السيارات والمكونات التي تستوردها من كندا أو المكسيك.
لكن عبء الرسوم الجمركية على قطع غيار "بي إم دبليو" كان كبيراً على الأرجح لأنها تستورد مكونات باهظة الثمن مثل المحركات وناقلات الحركة من أوروبا، وفقاً لـ"ستيفاني برينلي"، كبيرة محللي السيارات في "إس آند بي غلوبال موبيليتي". والآن مع الاتفاقية الأميركية-الأوروبية، سينخفض هذا العبء إلى 15%.
إعادة توطين التصنيع
على المدى الطويل، تتخذ صناعة السيارات الأميركية خطوات لإعادة توطين التصنيع حيثما أمكن ذلك. فعلى سبيل المثال، كشفت "جنرال موتورز" مؤخراً عن خطط لاستثمار 4 مليارات دولار في مصانع تجميع أميركية لإضافة 300 ألف وحدة إنتاج عن طريق نقل بعض الإنتاج من المكسيك.
لكن نظام الرسوم الجمركية الجديد ينذر بمزيد من الألم على المدى القريب، عبر رسوم الـ50% التي فرضها "ترامب" على الألومنيوم والصلب المستوردين، والآن النحاس. وعلى الرغم من أن صناعة السيارات معفاة من الرسوم الجمركية المباشرة على هذه المواد، فقد قام الموردون بتمرير ما يصل إلى 80% من التكاليف المرتفعة لهذه الرسوم.
اقرأ أيضاً: الرسوم الجمركية تُثقل كاهل الأميركيين.. وشركات التكنولوجيا والمال تحلّق بأرباح قياسية
تقول "برينلي" إن صانعي السيارات سيُجبرون في النهاية على تمرير هذه التكاليف المتزايدة إلى المستهلكين الأميركيين. وتضيف: "كان صانعو السيارات مترددين جداً وحذرين في رفع الأسعار، كما أنهم ينتظرون ليروا كيف سيتطور الوضع، لكن هذا التوقف ستكون له نهاية".
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي