ديلان فيلد.. قصة نجاح بدأت بترك الدراسة وانتهت بمليارات الدولارات

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

قد يكون مارك زوكربيرغ أشهر من تحوّل من طالب جامعي إلى ملياردير تقني، لكن ديلان فيلد بات أحدث الأسماء التي تسير على هذا النهج، بعدما حققت شركته الناشئة في مجال التصميم «فيغما» انطلاقة قوية في سوق الأسهم هذا الأسبوع.

ويجمع بين فيلد وزوكربيرغ قاسم مشترك آخر: علاقات وثيقة بالمستثمر الشهير بيتر ثيل.

ففي عام 2004، حصل زوكربيرغ على أول استثمار خارجي لفيسبوك من ثيل، قبل وقتٍ قصير من انسحابه من جامعة هارفرد للانتقال إلى وادي السيليكون وبناء شبكته الاجتماعية. أما فيلد، فقد حصل عام 2012 على «زمالة ثيل»، وهي منحة تُمنح للشباب الذين يرغبون في بناء أشياء جديدة بدلاً من الجلوس في الفصول الدراسية. ومنذ انطلاق البرنامج عام 2011، اختير أكثر من 300 شخص للاستفادة منه.

وكان فيلد، البالغ من العمر الآن 33 عاماً، ضمن الدفعة الثانية من الزملاء، حيث حصل 20 رائد أعمال من بينهم على منحة قدرها 100 ألف دولار لكل منهم. وقد ضاعف البرنامج هذا المبلغ في وقت سابق من هذا العام. وكما هو الحال مع زوكربيرغ، جاء فيلد إلى ثيل من خلفية أكاديمية مرموقة، إذ درس لمدة عامين ونصف في جامعة براون بولاية رود آيلاند الأميركية قبل أن يترك الدراسة.

ويوم الخميس، ارتفع سهم «فيغما» بأكثر من ثلاثة أضعاف في أول أيام تداوله في بورصة نيويورك. وواصل السهم صعوده يوم الجمعة، لتنهي الشركة أسبوعها الأول بقيمة سوقية تتجاوز 71 مليار دولار بعد احتساب التخفيف الكامل. وتُقدّر حصة فيلد بنحو 6.6 مليار دولار. أما زوكربيرغ، فقد بات اليوم ثالث أغنى شخص في العالم، بثروة تفوق 260 مليار دولار.

 

اقرأ أيضاً: وثيقة: مارك زوكربيرغ درس فصل إنستغرام عن ميتا قبل 7 سنوات لهذا السبب

 

ورغم التشابه في المسيرة، فإن شخصية فيلد مختلفة تماماً، إذ قال جوشوا براودر، الرئيس التنفيذي لشركة «DoNotPay» القانونية الناشئة، وأحد زملاء ثيل السابقين: «ديلان هو بلا شك أكثر ملياردير متواضع قابلته على الإطلاق».

مايك غيبسون، الذي كان يشرف سابقاً على برنامج الزمالة كنائب رئيس المنح في مؤسسة «ثيل»، يرى في ديلان فيلد شخصية مضادة تماماً لأسطورة وادي السيليكون ستيف جوبز.

وقال غيبسون، الشريك المؤسس لصندوق «1517» الاستثماري الذي يفتخر بدعمه للمنسحبين من الجامعات: «يمكن وصفه بأنه نقيض ستيف جوبز. فبينما يُعرف جوبز بأنه شخصية شديدة الحدة وربما قاسية، فإن ديلان هو العكس تماماً».

يُذكر أن جوبز، المؤسس المشارك لشركة «آبل»، انسحب من الجامعة بعد فصل دراسي واحد، وتوفي عام 2011 بسبب السرطان، في وقت كانت شركته تقترب من أن تصبح الأعلى قيمة في العالم.

وكان فيلد على وشك الانضمام رسمياً إلى نادي المليارديرات قبل نحو ثلاث سنوات، حين برزت «فيغما» كشركة رائدة في أدوات التصميم الرقمي عبر الإنترنت لتطبيقات الويب والهواتف. حينها، أعلنت شركة «أدوبي» نيتها الاستحواذ على «فيغما» مقابل 20 مليار دولار. غير أن سلطات المنافسة البريطانية اعترضت على الصفقة معتبرة أنها قد تُضر بالتنافسية، ما أدى إلى إلغائها في نهاية عام 2023. وقد اضطرت «أدوبي» إلى دفع مليار دولار كتعويض فسخ.

لكن الطرح العام الأولي لـ«فيغما» هذا الأسبوع مثّل قفزة نوعية في قيمة الشركة، وحدثاً لافتاً في وادي السيليكون الذي يعاني من شح كبير في الطروحات الكبرى منذ انهيار السوق في مطلع 2022 نتيجة التضخم الحاد وارتفاع معدلات الفائدة.

وقال فيلد في مقابلة مع CNBC صباح يوم الإدراج: «أهم ما يجب أن أذكر به نفسي والفريق هو أن سعر السهم مجرد لحظة زمنية. سنشهد على الأرجح تقلبات كثيرة اليوم وفي الأسابيع المقبلة».

 

عودة فيلد إلى منطقة خليج سان فرانسيسكو، حيث نشأ، بدأت بمقال قرأه على موقع «تك كرانش» عن زمالة «ثيل». حينها كان لا يزال طالباً في سنته الجامعية الثالثة في جامعة براون، وقد أرسل طلب التقديم قبل ساعتين فقط من الموعد النهائي في ليلة رأس السنة عام 2011، متجاهلاً إدخال درجات اختبار SAT.

 

تطوير برمجيات أفضل

 

في طلب التقديم الذي أرسله إلى زمالة «ثيل»، عبّر ديلان فيلد عن رأي جريء في اختبارات القبول الجامعية، قائلاً: «أعتقد أن اختبار SAT لا يعكس الكفاءة الحقيقية ويمكن التلاعب به بسهولة». وقد نشر لاحقاً نسخة من طلبه على «لينكدإن».

ولم يتوقف عند ذلك، فعند سؤاله عن رأي مثير للجدل، كتب: «الشوكولاتة مقززة. حتى رائحتها تجعلني أرغب في التقيؤ».

أما حين طُلب منه شرح كيف يخطط لتغيير العالم، أجاب بأنه ينوي تطوير برمجيات أفضل للطائرات المسيّرة، مضيفاً: «سأشارك في تأسيس شركة مع أذكى مبرمج أعرفه للعمل على هذا التحدي».

وكان ذلك الشريك هو إيفان والاس، الذي عمل كمساعد تدريس في بعض مقررات فيلد بجامعة براون. عُرف والاس بموهبته التقنية اللافتة، لدرجة أن الطلاب لقبوه بـ«يسوع الحاسوب». إلا أن عمره حينها (20 عاماً) حال دون تأهله لبرنامج الزمالة.

ومع ذلك، حصل فيلد على تمويل الزمالة بقيمة 100 ألف دولار، وشاركه مع والاس، مقنعاً إياه بالتخلي عن مشواره الأكاديمي. وانتقلا معاً إلى شقة صغيرة في مدينة بالو ألتو، بكاليفورنيا.

لكن خطط تطوير برمجيات الطائرات المسيّرة سرعان ما أُلقيت جانباً، إذ أراد والاس العمل على مشروع مرتبط بتقنية WebGL، وهي نظام لتصيير الرسومات في المتصفحات. وبعد عام، قدّما للمستثمرين نموذجاً أولياً لمشاهد تفاعلية في متصفح الويب، تُظهر حركة كرة على سطح ماء.

«أي شخص يمكن أن يكون مبدعاً»

كانت شركة «أدوبي» هي الهدف التنافسي الواضح، إذ كانت قد أنهت تطوير برنامج «فايرووركس» لتصميم التطبيقات، والذي استحوذت عليه ضمن صفقة «ماكروميديا» عام 2005.

وقال فيلد في بودكاست صدر مطلع هذا العام: «فكرنا، ربما هناك فرصة حقيقية هنا».

 

اقرأ أيضاً: إيرادات أدوبي تتجاوز التقديرات في الربع الأول.. والسهم ينخفض بأكثر من 4%

 

وفي مقابلة عام 2012 مع قناة CNBC ضمن تقرير عن زمالة «ثيل»، أوضح فيلد رؤيته قائلاً: «ما نحاول فعله هو تمكين الجميع من الإبداع، من خلال أدوات تصميم مجانية وبسيطة داخل المتصفح».

في عام 2013، بدأ المؤسسان محادثات لجمع تمويل أولي. وأظهر فيلد نموذج «سطح الماء» للمستثمر جون ليلي، الشريك في Greylock Partners، في أحد مقاهي ستاربكس في بالو ألتو. وكان ليلي قد شغل سابقاً منصب الرئيس التنفيذي لـ«موزيلا»، حيث طُورت البرمجيات التي قادت إلى ولادة WebGL. وقد أُعجب بما رآه، لكنه شكك في إمكانياته الاقتصادية.

وبالرغم من ذلك، نجحت «فيغما» في تأمين تمويل من Index Ventures ومستثمرين آخرين. وباشرت الشركة عملياتها من مكتب صغير في بالو ألتو. غير أن التقدم كان بطيئاً، والإصدارات الأولى لم تكن تقنع المستخدمين المحتملين. كما أن فيلد كان يُتهم بالإفراط في التدخل في التفاصيل.

عندما كانت «فيغما» تقدّم منتجها لشركات وادي السيليكون، لم تكن ردود الأفعال دائماً إيجابية. وتصاعد التوتر. وفي أغسطس 2014، زار ليلي –الذي كان قد قاد جولة التمويل من الفئة A– مقر الشركة الجديد في سان فرانسيسكو، في ظل تعاظم الضغوط. وأبدى بعض الموظفين رغبتهم في تغيير القيادة.

وقال داني ريمر، الشريك في Index Ventures الذي قاد التمويل الأولي: «سمعنا أنا وجون ذلك بشكل واضح من الفريق. جلسنا مع ديلان وشرحنا له الوضع، وقلنا له: هذا طريق مسدود، عليك أن تتغير».

وأضاف: «ديلان استمع. وهذه واحدة من أبرز صفاته: قدرته على استقبال النقد، وتحليله بموضوعية، والتصرف بناءً عليه إذا وجد فيه ما يُقنعه».

في عالم التقنية المزدحم بشخصيات كاريزمية وصاخبة، اختار ديلان فيلد أن يخط طريقه بهدوء. يصفه مايك غيبسون، أحد المسؤولين السابقين في مؤسسة «ثييل»، بأنه «النقيض التام لستيف جوبز». شاب يهوى التصميم، يفضل الإصغاء على الإلقاء، ويقود شركته بعقلانية لا بصوت مرتفع.

بدأت رحلة «فيغما» في أوائل العقد الماضي، عندما ترك فيلد جامعة براون بعد فوزه بزمالة «ثييل»، حيث قدم فكرة أولية لتقنيات المسيّرات، قبل أن تتحول بوصلة اهتمامه نحو التصميم الرقمي، بالاشتراك مع زميله إيفان والاس، المطوّر البارع القادم من «بيكسار».

 

الفكرة تتبلور: تصميم للجميع

 

في شقة متواضعة في بالو ألتو، بدأ الثنائي في اختبار تقنيات WebGL، ثم لاحظا وجود فجوة في السوق بعد تراجع أدوبي عن تطوير تطبيق Fireworks. أرادا ابتكار أداة تصميم تعمل بالكامل من المتصفح، دون الحاجة إلى تحميل برمجيات ثقيلة أو امتلاك بطاقات رسومية متقدمة.

في عام 2015، انضم شو كواموتو إلى الفريق، وهو خبير قادم من «ماكروميديا» و«أدوبي»، وساهم في دفع المشروع خطوات إلى الأمام. بعد أربعة أشهر، أطلقت «فيغما» أول معاينة مجانية لمنتجها.

في تلك المرحلة، انخرط فيلد بنفسه مع المستخدمين، يرد على منشوراتهم عبر تويتر، ويمنحهم صلاحيات الوصول للمنصة. شركات ناشئة مثل «كودا» و«أوبر» كانت من أوائل المتبنين، وقد استهوتهم بساطة الفكرة: رابط URL يتيح فتح التصميم والتعديل عليه فوراً، دون متاعب النسخ والإصدارات المختلفة.

في سبتمبر أيلول 2016، أصبحت الأداة متاحة للجمهور مجاناً، مع ميزة غير مسبوقة: التعديل التعاوني المباشر، حيث يمكن لعدة مصممين تعديل الملف نفسه في الوقت الحقيقي —ما اعتُبر لاحقاً «الوظيفة القاتلة» التي جعلت فيغما تفرض نفسها في السوق.

 

الشكوك والرهان الكبير

 


رغم النجاح التقني، واجهت «فيغما» تساؤلات من عمالقة مثل «مايكروسوفت»، التي استخدمت المنصة داخلياً، لكنها تخوفت من غياب نموذج ربحي واضح. زار أحد مسؤولي التصميم بالشركة مقر «فيغما» في سان فرانسيسكو ليقول صراحة: «نحن قلقون من أن شركتكم قد تموت».

وفي عام 2017، أطلقت «فيغما» أول باقة مدفوعة. وبعدها بعامين، دخلت «سيكويا كابيتال» على الخط في جولة تمويل قيّمت الشركة بـ440 مليون دولار. أحد شركاء «سيكويا» قال إن شركات من محفظتهم بدأت تستخدم «فيغما» حتى في إعداد العروض التقديمية لاجتماعات مجلس الإدارة. «كانت من أسهل قرارات الاستثمار التي اتخذناها»، قالها بثقة.

 

أزمة كورونا.. ونمو لم يكن بالحسبان

 

مع انتشار الجائحة، توقفت المكاتب وتحول العمل عن بعد إلى قاعدة. أصبح التعاون الرقمي حاجة ملحّة، وكانت «فيغما» في الموقع المثالي لتلبية هذه الحاجة. كتب فيلد لاحقاً: «تساءلنا، كيف يمكننا مساعدة الفرق على التواصل، والاستمتاع، والدخول في حالة تركيز تام أثناء مراحل التصميم الأولى؟».

كانت النتيجة: منتج جديد باسم FigJam —لوحة رقمية للتعاون البصري، شكّلت توسعاً استراتيجياً خارج المحرر الأساسي.

ورغم أن أدوبي أدرجت «فيغما» رسمياً ضمن قائمة منافسيها، فإن الفارق في القيمة السوقية ظل شاسعاً. حتى عام 2020، لم تكن «فيغما» قد تخطت بعد عتبة «اليونيكورن»، لكن جولة تمويل جديدة من «أندريسن هورويتز» منحتها تقييماً قدره 2 مليار دولار.

مع مطلع 2021، عاد الحديث عن شراكة محتملة مع أدوبي، لكن فيلد رفض العرض، مفضلاً البقاء مستقلاً. كتب حينها على تويتر: «هدفنا أن نكون "فيغما"، لا أن نصبح "أدوبي"».

 

العرض التاريخي... والانسحاب التاريخي

 

في خريف 2022، فاجأت أدوبي الجميع بإعلان نيتها الاستحواذ على «فيغما» مقابل 20 مليار دولار. لكن الصفقة لم تتم، بعد أن رفضت سلطات المنافسة في بريطانيا السماح بها، لتدفع أدوبي غرامة فسخ قدرها مليار دولار.

أما فيغما، فقد عادت لتشق طريقها نحو الأسواق المالية وحدها. ومع الطرح العام الأولي في أغسطس آب 2025، عاد اسم ديلان فيلد إلى الواجهة، رافعاً شعار التركيز والاستمرارية: «سعر السهم مجرد لحظة... الأهم هو ما نبنيه على المدى الطويل».

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة