اختتم وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، يوم الثلاثاء زيارة استمرت يومين إلى الهند، في أحدث مؤشر على تحسن العلاقات بين بكين ونيودلهي.
وخلال زيارته، قال وانغ إن على الهند والصين «اعتبار بعضهما شركاء وفرصاً بدلاً من خصوم أو تهديدات»، وفقاً لما جاء في بيان وزارة الخارجية الصينية.
وأضاف البيان أن لقاء الرئيس الصيني شي جينبينغ ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في أكتوبر تشرين الأول 2024 مثّل «إعادة انطلاق» في العلاقات الصينية-الهندية.
ويأتي ذلك في ظل توتر العلاقات بين واشنطن ونيودلهي خلال الأشهر الأخيرة. فقد انتقل الرئيس الأميركي دونالد ترامب من احتضان مودي في فبراير شباط إلى وصف الهند بـ«ملك الرسوم الجمركية» بعد ستة أشهر، فارضاً عليها أحد أعلى التعرفات، ومتهماً إياها بإمداد روسيا بالحرب في أوكرانيا عبر شراء النفط.
ويطرح هذا التوتر سؤالاً مهماً: هل باتت الهند، التي حافظت على علاقات دبلوماسية قوية مع واشنطن، تقترب من بكين؟
اقرأ أيضاً: صحيفة: آبل شحنت 5 طائرات محملة بأجهزة آيفون من الهند إلى أميركا قبل الرسوم الجمركية
وقال إيفان ليداريف، الباحث الزائر في معهد جنوب آسيا، لـ CNBC إن الهند بالفعل تتحرك نحو الصين، مشيراً إلى أن برودة العلاقات مع الولايات المتحدة ليست سوى أحد العوامل.
وكانت العلاقات بين الهند والصين قد شهدت تحسناً بعد لقاء شي ومودي في أكتوبر تشرين الأول الماضي على هامش قمة بريكس، حيث اتفق الجانبان على تخفيف التوترات على طول الحدود المتنازع عليها.
وأضاف ليداريف: «سياسة الرئيس ترامب تجاه الهند، وفي الواقع تجاه الصين إلى حد ما، سرعت هذه العملية».
وقد فرض ترامب تعرفات مرتفعة على الهند بسبب شراء النفط من موسكو، لكنه صرح الأسبوع الماضي بعد قمة جمعته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه لا يرى حاجة فورية لفرض رسوم انتقامية على دول مثل الصين لفعل الشيء ذاته.
وقال مايكل كوجلمان، مدير معهد جنوب آسيا في مركز ويلسون بواشنطن، لـ CNBC: «مع وجود توتر في العلاقة بين الولايات المتحدة والهند، تميل نيودلهي إلى الموازنة ضد حالة عدم اليقين في علاقاتها مع واشنطن بمحاولة فتح قنوات جديدة مع الصين».
وأشار ليداريف إلى أنه «من جانب الولايات المتحدة، لم يتغير الرأي العام تجاه الهند، لكن على الجانب الهندي هناك تغير كبير في التصورات العامة. أعتقد أن العديد من الهنود مستاؤون جداً من تصرفات الولايات المتحدة، ويعتقدون أن الهند عوملت بشكل غير عادل، وهم غاضبون من الرسوم الجمركية ومن ما يرونه محاولات أميركية للضغط على الهند».
في مؤشر على تحسن العلاقات، التقى وزير الخارجية الصيني وانغ يي برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يوم الثلاثاء، حيث نقل إليه دعوة من الرئيس الصيني شي جينبينغ لحضور قمة منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين نهاية أغسطس آب.
وقد قبل مودي الدعوة، وستكون هذه الزيارة الأولى له إلى الصين منذ سبع سنوات.
اقرأ أيضاً: سام ألتمان يدعو لعدم الاستهانة بتهديد الصين الجيل القادم من الذكاء الاصطناعي
ومن المقرر استئناف الرحلات الجوية المباشرة من الهند إلى البر الرئيسي للصين، والتي توقفت منذ بداية جائحة كوفيد-19 في 2020. كما اتفق الجانبان على إعادة فتح التجارة الحدودية عند ثلاثة نقاط تجارية محددة.
وأفادت وسائل الإعلام الهندية يوم الأربعاء بأن الصين وافقت على رفع القيود على صادرات الأسمدة والمواد الأرضية النادرة وآلات حفر الأنفاق.
وعلى صعيد الأعمال، سعت عدة شركات هندية لإقامة شراكات مع شركات صينية في وقت سابق من هذا العام، وفق ما ذكرت صحيفة The Economic Times في يوليو تموز.
كما أن تحالفات كبرى مثل «ريلاينس» و«مجموعة أدامي» الهنديتين، تسعى أيضاً لإبرام صفقات مع شركات صينية، حيث زار مؤسس مجموعة أدامي، غوتام أدامي، شركات مثل مصنع البطاريات «كونتيمبوراري أمبيريكس تكنولوجي» في يونيو حزيران.
مع ذلك، يشير الخبراء إلى أن التوجه نحو بكين لا يعني إعادة تشكيل جوهرية لعلاقات الهند في منطقة الهندو-باسيفيك.
قال تشيتيغج باجباي، الباحث الأول في شؤون جنوب آسيا في تشاتهام هاوس، لـ CNBC إن العلاقة بين الصين والهند تشهد «إعادة ضبط تكتيكية وليست استراتيجية».
وأضاف: «لم تُحل أي من الخلافات الجوهرية في العلاقة الثنائية».
وأشار باجباي إلى أن نزاع الحدود لم يُحل بعد، كما توجد بعض نقاط التوتر المستمرة في العلاقة، بما في ذلك النزاعات المائية والعلاقة «على مدار الساعة» بين الصين وباكستان.
وقد ظهر ذلك في الصراع الحدودي بين الهند وباكستان في مايو أيار، حيث زعمت الأخيرة أن مقاتلاتها الباكستانية من طراز J-10C المصنعة في الصين أسقطت مقاتلات رافال الفرنسية الصنع الهندية.
وكانت باكستان قد حصلت على مقاتلات J-10C في 2021، رداً على شراء الهند 36 مقاتلة رافال في 2015.
وبالمثل، قال لي مينجيانغ، أستاذ مشارك في مدرسة سراجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة، إن التهدئة الحالية تمثل أكثر «توقفاً تكتيكياً».
وأوضح أن كلا الطرفين، أي بكين ونيودلهي، لديهما حوافز قوية لإدارة التوترات، لكن بسبب النزاعات غير المحلولة، من المرجح أن تكون هذه التهدئة قصيرة الأمد. واعتبر أن المشهد العام في منطقة الهندو-باسيفيك ما يزال محدداً بالتنافس والموازنة الاستراتيجية.
وأكد أن الهند لا تزال تتمتع بعلاقة قوية مع الولايات المتحدة، حيث تربطهما «شراكة استراتيجية شاملة وعالمية» تشمل التعاون في مجالات الدفاع والتكنولوجيا والطاقة النظيفة. كما تم تصنيف الهند كشريك دفاعي رئيسي للولايات المتحدة في 2016.
اقرأ أيضاً: البيت الأبيض: ترامب يشعر بالإحباط من سير المفاوضات التجارية مع الهند
وعند سؤاله عما إذا كانت الهند ستظل بمثابة وزن مضاد للصين بالنسبة للولايات المتحدة، قال لي إنه من غير المرجح أن تتخلى نيودلهي عن هذا الدور.
وأضاف أن البلدين يشتركان في «مصالح استراتيجية دائمة» لتقليص الهيمنة الإقليمية لبكين، وأن الضغوط الحالية على التعريفات الجمركية ترتبط أساساً بالحرب الروسية-الأوكرانية.
وأوضح: «إذا انتهى هذا الصراع، فقد تجد واشنطن ونيودلهي سهولة أكبر في تسوية الخلافات التجارية».
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي