التحولات القاسية.. كيف تتعامل شركات السيارات الكبرى مع "تعدد الأزمات"؟

نشر
آخر تحديث
مصدر الصورة: AFP

استمع للمقال
Play

تواجه شركات السيارات الغربية العملاقة أزمات متزامنة على جبهات متعددة، حيث تكشف أرباحها المتراجعة، وحالات التسريح، وإجراءات خفض التكاليف الواسعة عن حجم الضغوط التي تعيشها الصناعة.

فمن ارتفاع تكاليف الإنتاج إلى الرسوم الجمركية الأميركية، مروراً بالمنافسة الشرسة، والاضطرابات في سلاسل الإمداد، والضغوط التنظيمية، وصولاً إلى التحوّل المتعثر نحو السيارات الكهربائية، تجد كبرى الشركات المصنِّعة  نفسها في قلب «عاصفة مثالية».

وكما وصف الرئيس التنفيذي لمجموعة «مرسيدس-بنز» أولا كالينيوس الوضع قائلاً: «صناعتنا تتعرض للأمطار الغزيرة والبرد والعواصف والثلوج في الوقت نفسه».

من جانبها، قالت سيغريد دي فريس، المديرة العامة لرابطة مصنّعي السيارات الأوروبية، وهي مجموعة ضغط صناعية: «يبدو الأمر وكأننا نواجه حالة من تعدّد الأزمات».

ويُقصد بمصطلح «تعدد الأزمات» مواجهة رياح معاكسة متزامنة تتشابك وتضخّم تأثير بعضها بعضاً، ما يخلق وضعاً أكثر حدّة من مجموع عناصره الفردية.

وأضافت دي فريس في مقابلة عبر الفيديو مع CNBC: «لقد كان الأمر صعباً بالفعل، فهو أكبر تحوّل في تاريخ هذه الصناعة نحو السيارات عديمة الانبعاثات. والطريق المهيمن هناك هو السيارات الكهربائية –وسيبقى كذلك».

 

اقرأ أيضاً: إنجازٌ وعبءٌ.. ماذا يعني اتفاق التجارة بين أميركا والاتحاد الأوروبي لقطاع السيارات؟

 

وتضم رابطة ACEA ستة عشر شركة أوروبية كبرى مصنِّعة للسيارات، من بينها «فولكسفاغن»، و«بي إم دبليو»، و«فيراري»، و«رينو»، و«فولفو».

من المتوقع أن يلتقي عدد من الرؤساء التنفيذيين لشركات تصنيع السيارات برئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في 12 سبتمبر أيلول، لإجراء مزيد من المحادثات حول سبل مواجهة التحديات الرئيسية التي يواجهها القطاع.

وقالت سيغريد دي فريس، المديرة العامة لرابطة مصنّعي السيارات الأوروبية: «بالنسبة إلينا، سياسياً، هذه لحظة بالغة الأهمية»، مشيرةً إلى أنّ الاتحاد الأوروبي يملك حالياً «أكثر القواعد طموحاً وأشدها صرامة» في ما يتعلّق بانبعاثات الكربون.

وأضافت: «نحن نريد إنجاح هذه الخطط، فهذا مهم للغاية، لكننا نشعر وكأن أيدينا مقيدة. لا يمكننا تحقيق هذا الهدف بمفردنا، بل نحتاج إلى العناصر الأخرى في المعادلة أيضاً».

 

انبعاثات الكربون من السيارات الجديدة

 

وفي إطار خطط الاتحاد الأوروبي لبلوغ الحياد المناخي بحلول عام 2050، فرض التكتل المكوّن من 27 دولة خفض انبعاثات الكربون من السيارات الجديدة بنسبة 55% بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات عام 2021.

كما حدّد الاتحاد هدفاً يقضي بأن تكون جميع السيارات الجديدة المبيعة اعتباراً من عام 2035 عديمة الانبعاثات الكربونية، ما يعني عملياً إنهاء بيع السيارات الجديدة العاملة بالبنزين أو الديزل. وقد جدّد الاتحاد التأكيد على هذا الهدف، رغم الضغوط السياسية الكثيفة ومحاولات جماعات الضغط للتخفيف من صرامة النهج المتبع.

 

العولمة في تراجع

 

ريلا سوسكين، المحللة في مؤسسة «مورنينغ ستار»، قالت إنّ الرئيس التنفيذي لشركة «مرسيدس» ليس وحده في إطلاق «تصريحات كبيرة» بشأن حجم التحديات التي تواجه الصناعة.

وأضافت سوسكين: «إنهم لا يوجّهون حديثهم مباشرةً إلى الحكومات أو إلى المفوضية الأوروبية، لكن برأيي هذا تلميح إلى الحاجة لدعم أكبر».

وتابعت قائلة: «العنصر الأساسي هو اليقين التنظيمي. إنّ لوائح الاتحاد الأوروبي المتعلقة بخفض الانبعاثات كانت سيئة للغاية. ففي الوقت الذي قدمت فيه الصين دعماً واسعاً لصناعتها المحلية، فعلت لوائح الاتحاد الأوروبي العكس تماماً».

وقد دعمت الصين صناعتها المحلية عبر حزمة قوية من السياسات الصناعية، شملت الإعانات والحوافز الضريبية وتمويل البحث والتطوير، خصوصاً في قطاع السيارات الكهربائية. ويثير التوسع المتزايد لهيمنة السيارات الكهربائية الصينية صدمة في العديد من أسواق السيارات حول العالم.

 

اقرأ أيضاً: تباطؤ نمو مبيعات السيارات الكهربائية عالميًا إلى 21% في يوليو بفعل تراجع الطلب في الصين

 

وأوضحت سوسكين: «القوانين دفعت جميع الشركات الأوروبية إلى استثمار مليارات ومليارات في عمليات تصنيع جديدة، وبناء قدرات لإنتاج السيارات الكهربائية، لكن في المقابل جرى إلغاء الحوافز، ما أدى إلى تراجع الطلب. وها أنتم عالقون مع فواتير رأسمالية ضخمة من دون وجود إيرادات كافية لتغطيتها».

قال هنر لِهني، نائب رئيس قسم الاستخبارات التنافسية وتحليل الأسواق والتوقعات في «إس أند بي غلوبال موبيليتي»، إنّ صناعة السيارات الغربية «تمر بوضوح باضطراب هيكلي عميق»، حيث تتقاطع ضغوط نظامية متعددة في الوقت ذاته.

وأضاف في تصريحات عبر البريد الإلكتروني لـCNBC: «هذا الواقع يفرض إعادة معايرة استراتيجية تشمل الاستثمارات، وتخطيط المنتجات، والعمليات العالمية».

وأوضح لِهني أنّ الشركات المصنِّعة ضخت رؤوس أموال ضخمة في مجالي التحوّل نحو السيارات الكهربائية والمنصات الرقمية، غير أنّ وتيرة تبنّي السوق جاءت أبطأ من التوقعات، فيما جاءت أحجام المبيعات أقل من المستهدف. وقد أفضى ذلك إلى وضع تُرهَق فيه توقعات العائد على الاستثمار، بينما تُعاد دراسة منصات محركات الاحتراق الداخلي التي كان من المقرر سابقاً التخلص التدريجي منها.


وإلى جانب ذلك، ما تزال المنافسة القوية من شركات تصنيع السيارات الصينية تمثل مصدر قلق متواصل للشركات الغربية، في وقت تسهم فيه سياسات الرسوم الجمركية التي تعتمدها إدارة ترامب، والاتجاهات الأوسع نحو الحمائية، في إعادة تشكيل ديناميكيات التجارة العالمية.

وقال هنر لِهني: «العولمة في تراجع. فما كان في السابق سوقاً عالمية موحّدة بات اليوم مجزأً، الأمر الذي يفرض استراتيجيات إنتاج محلية، ومحافظ منتجات موجهة لكل سوق على حدة، ونماذج معدلة لهوامش الأرباح».

الابتكار
في مواجهة هذه التحديات، لجأت شركات صناعة السيارات في الغالب إلى اتباع استراتيجية قائمة على «القيمة بدلاً من الحجم»، مع التركيز على النماذج الأعلى ربحية بدلاً من السيارات الموجّهة للسوق الواسعة، بحسب منظمة «النقل والبيئة».

وأشارت المنظمة في وقت سابق إلى أنّ التحديات التي يواجهها سوق السيارات في أوروبا لا تمثل أزمة شاملة للقطاع، بل مرحلة انتقالية مع تكيف الشركات مع المشهد الجديد للسوق.

كما سعت الشركات الغربية إلى تنويع عروضها من خلال التركيز على السيارات الهجينة، ونقل الإنتاج إلى دول أقل كلفة، فضلاً عن عقد شراكات استراتيجية مع شركات صينية.

وقال متحدث باسم «رابطة صناعة السيارات الألمانية»، التي تمثل «فولكسفاغن» و«مرسيدس-بنز» و«بي إم دبليو» إلى جانب مئات الشركات الأخرى: «من دون شك، هذه أوقات صعبة بالنسبة لصناعة السيارات».

وأضافت الرابطة أنّ «التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، وتعدد الأزمات، وانتشار النزعة الحمائية، تفرض ضغوطاً متزايدة على صناعتنا ذات الحضور العالمي».

وأوضحت رابطة VDA أنّ صناعة السيارات الألمانية ستكثف استثماراتها في الابتكار خلال السنوات المقبلة، على أن تعرض رؤيتها في معرض «IAA موبيليتي» الدولي للسيارات المرتقب.

ويعني ذلك استثمار نحو 320 مليار يورو (372.5 مليار دولار) في البحث والتطوير بين عامي 2025 و2029، منها 220 مليار يورو مخصصة للاستثمارات الرأسمالية.

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة