تعرّض المستثمرون العالميون لصدمة قوية يوم الثلاثاء بعد أن وجّه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضربة جديدة لاستقلالية الفدرالي، في خضم جدل بين المخاوف من تسييس السياسة النقدية وبين المكاسب المحتملة للأسواق.
إذ أعلن ترامب إقالة عضو مجلس محافظي الفدرالي ليزا كوك، في خطوة فاجأت الأسواق، رغم أنه كان قد أوضح الأسبوع الماضي أنها هدف لهجومه، وبعد أشهر من انتقاداته المتواصلة لرئيس الفدرالي جيروم باول ضمن حملته الرامية للضغط من أجل خفض معدلات الفائدة.
قال كايل رودا، كبير محللي الأسواق المالية في كابيتال.كوم في ملبورن لرويترز: "إنه صدع جديد في هيكل الولايات المتحدة وقدرتها على الاستثمار".
وأضاف رودا أنه يشعر بالقلق حيال دوافع إدارة ترامب، معتبراً أن الخطوة لا تهدف إلى الحفاظ على نزاهة الاحتياطي الفدرالي، بل إلى تنصيب شخصيات موالية لترامب داخل البنك المركزي. وأردف: «الأمر يرتبط في جوهره بالثقة في المؤسسات».
اقرأ أيضاً: تصعيد كبير ضد الاحتياطي الفدرالي.. ترامب يقيل ليزا كوك
ورغم أن رحيل كوك لم يُحسم بعد، وأنها شكّكت في صلاحية ترامب القانونية لعزلها، إلا أن إعلانه أن قرار الإقالة «ساري المفعول فوراً» قبل أسبوعين فقط من اجتماع الفدرالي للسياسة النقدية، أثار بدوره مزيداً من القلق لدى المستثمرين.
مع ذلك، جاء رد فعل الأسواق محدوداً. إذ تراجعت عوائد سندات الخزانة الأميركية القصيرة الأجل بشكل طفيف، فيما دفع ترقب المستثمرين لأن يؤدي ذلك إلى تيسير نقدي قسري يرفع معدلات التضخم إلى صعود العائد على السندات لأجل 30 عاماً بمقدار 4.7 نقطة أساس ليصل إلى 4.936%.
أما العقود الآجلة لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500» فقد انخفضت بنسبة 0.07% فقط، في حين تراجع مؤشر الدولار أمام سلة من العملات بنسبة 0.1%.
وقال تورو ساساكي، كبير استراتيجيي مجموعة «فوكوكا فاينانشال» في طوكيو: «الناس يريدون أن يروا ما إذا كان الأمر سينفذ فعلاً، لكن في الوقت نفسه من الصعب جداً الرهان ضد الولايات المتحدة بسبب قضايا المصداقية».
وأشار ساساكي إلى أن على المستثمرين أن يأخذوا في الاعتبار اتفاقات التجارة التي أبرمها ترامب، والتي تُلزم دولاً في أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية بضخ مئات المليارات من الدولارات في الولايات المتحدة.
وأضاف: «إذا تدفق الكثير من الاستثمارات إلى أميركا، فإن الدولار في نهاية المطاف سيحظى بدعم، وكذلك الأسهم الأميركية. وبالتالي قد يخسر المستثمرون أموالاً إذا راهنوا على مراكز بيع ضد الدولار أو الأصول الأميركية».
تصاعد حملة ترامب التدريجية للضغط من أجل فرض نفوذ أكبر على مسار السياسة النقدية قوّض بالفعل الثقة في السندات السيادية الأميركية كاستثمار آمن، وأضعف الامتياز الاستثنائي الذي كان يتمتع به الدولار باعتباره عملة الاختيار الأولى عالمياً.
هذا الامتياز منح الولايات المتحدة القدرة على تمويل دين قومي ضخم بلغ حالياً 36 تريليون دولار، فيما وصلت التزاماتها تجاه المستثمرين الدوليين إلى نحو 26 تريليون دولار مع نهاية عام 2024.
ومنذ تولي ترامب منصب الرئاسة، أخذت الأموال الأجنبية تغادر الأسواق الأميركية. فقد سجلت صناديق الأسهم العالمية خارج الولايات المتحدة تدفقات ضخمة بعدما أعاد المستثمرون توجيه رؤوس أموالهم بعيداً عن السوق الأميركية، وفقاً لبيانات «ليبر» التابعة لمجموعة LSEG. كما أظهرت البيانات أن المستثمرين ظلوا يبيعون صناديق الاستثمار المركزة على الأصول الأميركية بشكل متواصل منذ مايو أيار الماضي.
خسر مؤشر الدولار 9% من قيمته منذ بداية العام الجاري، في حين واصلت الأسهم الأميركية تسجيل مستويات قياسية جديدة خلال هذا الشهر، لكنها بقيت متأخرة عن المكاسب ذات الرقمين التي حققتها أسواق أخرى مستفيدة من الطفرة في قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
اقرأ أيضاً: عالم جديد لكبار السن.. كيف يواكبون الذكاء الاصطناعي دون أن يقعوا في الفخ؟
أظهرت بيانات الفدرالي أنّ الحسابات الرسمية الأجنبية والدولية، مثل البنوك المركزية ومديري الاحتياطيات، واصلت التخلص من السندات الأميركية، حيث تراجعت حيازاتها هذا العام بما في ذلك انخفاض قدره نحو 35.6 مليار دولار خلال الأسبوع المنتهي في 20 أغسطس آب وحده.
وقال شوكي أوموري، كبير استراتيجيي التداول في «ميزوهو سيكيوريتيز»: «الأسواق لم تُسعِّر بعد احتمال أن يستهدف ترامب مسؤولين آخرين في الفدرالي. ما هو مُسعَّر حالياً هو ارتفاع فرص خفض معدلات الفائدة في سبتمبر أيلول، وتخفيضات إضافية خلال هذا العام».
وأضاف: «أداء الدولار والعوائد الأميركية سيتحدد وفقاً لمدى عدوانية تصريحات ترامب حيال الفدرالي في المرحلة المقبلة».
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي