هل تستطيع إيرباص الحفاظ على تفوقها في سوق صناعة الطائرات؟

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

 

كان نجاح عائلة طائرات A320 ذات الممر الواحد والتي تستخدم عادةً في الرحلات القصيرة والمتوسطة المدى القوة الدافعة وراء صعود شركة إيرباص الأوروبية لصناعة الطائرات خلال منافستها المستمرة منذ خمسة عقود مع نظيرتها الأميركية بوينغ. 

ظلت الشركتان لعدة سنوات تتقاسمان سوق الطائرات التجارية ذات الممر الواحد بنسب متساوية تقريباً. ولكن بحلول نهاية 2024، استحوذت إيرباص على حصة سوقية وصلت إلى 61%، قياساً على الطلبات المتراكمة، وإلى 72% من حيث التسليمات، بحسب بيانات شركة Cirium الاستشارية في مجال الطيران.

وبينما لا تزال شركة بوينغ رائدة في مجال الطائرات الأكبر حجماً ذات البدن العريض، فإنها عانت خلال السنوات الأخيرة من تداعيات حادثي تحطم طائرتيها من طراز 737 ماكس 8 في عامي 2018 و2019، مما أدى إلى إيقاف تشغيل الطائرة لمدة 20 شهراً. أيضاً تسبب انفجار لوح باب طائرة ماكس 9 في الجو، خلال شهر يناير/ كانون الثاني 2024، إلى فرض الجهات التنظيمية الأميركية حداً أقصى للإنتاج.

في المقابل ارتفعت معدلات تسليم الطائرات من شركة إيرباص التي تستعد لزيادة إنتاج طائرات A320 بشكل أكبر، يقول الرئيس العالمي للاستشارات في شركة أسيند التابعة لشركة سيريوم، روب موريس، أنه "من الصعب أن نرى كيف يُمكن كسر تفوقها"، بحسب تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية.

 


اقرأ أيضاً: الطلبات على طائرات إيرباص تهيمن على معرض باريس للطيران.. وخفوت نجم بوينغ


 

عقبات واجهت عملية التفوق

لم تكن قصة نجاح إيرباص خالية من العقبات - فقد أعاق التدخل السياسي من الحكومات الأوروبية عملية اتخاذ القرار في البداية، بينما أثبت برنامج طائرات آخر، وهو طائرة A380 العملاقة، أنه كان خطأ من الناحية التجارية.

أيضاً واجهت الشركة خلال الفترة الأخيرة، مشكلات في سلسلة التوريد على مستوى الصناعة أجبرتها على تأخير عمليات التسليم. وتعرض قرار تأجيل خطط تشغيل طائرة تعمل بالهيدروجين بحلول عام 2035 لانتقادات شديدة، بالإضافة إلى أن هناك تحديات في قطاعي الدفاع والفضاء.

في الوقت الذي يُعيد فيه الرئيس التنفيذي لشركة بوينغ، كيلي أورتبيرغ، صاحب الخبرة في صناعة الطيران، الاستقرار إلى الشركة الأميركية، يتطلع منافس ناشئ في الصين إلى تحدي الاحتكار الثنائي. وفي ظل تزايد الضغوط المتعلقة بالبصمة الكربونية للطيران، تواجه إيرباص ربما أكبر اختبار لها حتى الآن والذي يتمثل في كيفية حفاظها على الصدارة.

كيف تحافظ إيرباص على الصدارة؟

من جانبه، يقول المدير الإداري لشركة الاستشارات AeroDynamic Advisory، ريتشارد أبو العافية، لصحيفة فايننشال تايمز: "من الصعب إدارة شركة قوية جداً بينما ينشغل الطرف الآخر بإلحاق الضرر بنفسه".

وأضاف أبو العافية: "عندما يسير الطرف الآخر على الطريق الصحيح، عليك أن تكون مستعداً لمجموعة واسعة من الخيارات والنتائج". 

وذكر أن معركة المنافسة القادمة ستكون في العقد المقبل، ففي هذا الوقت من المتوقع أن تُطلق كلا الشركتين جيلاً جديداً من الطائرات ذات الممر الواحد.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة إيرباص، والذي يشغل هذا المنصب منذ عام 2019، غيوم فوري، للصحيفة البريطانية، إن شركته ترغب في الحفاظ على ريادتها. وتستهدف الشركة عام 2030 كموعد لإطلاق خليفة طائرة A320، مع دخول طائرة جديدة الخدمة في النصف الثاني من ذلك العقد.

وأشار الرئيس التنفيذي إلى أن إيرباص ينبغي أن تكون رائدة في مجال الطيران والفضاء. "نريد أن نواصل الريادة، وأن نتحمل المخاطر في مجال الأعمال... وأن نجري التجارب".

وذكر أن من بين المخاطر التي تتعرض لها المجموعة فقدان المرونة. "نعلم أن العالم لن يكون كما نتصوره. علينا أن نكون قادرين على التحرك، والتكيف، والتعديل".

 


شاهد أيضاً: نائب الرئيس التنفيذي لشركة "إيرباص" للطيران لـ CNBC عربية: نقوم بتصنيع 8600 طائرة سيتم تسليمها على مدى السنوات القادمة


 

تسريع إنتاج الطرازات الحالية

تعد كيفية تسريع إنتاج الطرازات الحالية أكبر مشكلة تواجه الرئيس التنفيذي لشركة إيرباص في الوقت الحالي.

ففي عام 2020، اضطرت الشركة إلى خفض الإنتاج بنحو الثلث بسبب جائحة كوفيد-19، مما أدى إلى توقف "الإنتاج المتزايد باستمرار" على مدى عقد من الزمن.

وكافحت صناعة الطائرات من أجل استعادة مستويات إنتاجيتها السابقة. فقد أدى فقدان العمالة ذات الخبرة والاختناقات المستمرة في سلسلة التوريد إلى انخفاض الإنتاج وهو ما تزامن مع انتعاش الطلب على السفر، وظلت عمليات التسليم من الشركتين المصنعتين دون ذروتها قبل الجائحة.

ورغم معاناة إيرباص، كان أداء بوينغ أسوأ بسبب إيقاف تشغيل طائرة 737 ماكس عالمياً بعد حادثتي تحطم طائرتين. واحتفظت المجموعة الأوروبية بلقب أكبر شركة مصنعة للطائرات في العالم من حيث عمليات التسليم على مدار السنوات الست الماضية.

وسلمت بوينغ 348 طائرة خلال العام الماضي، أي أقل من نصف عدد طائرات 766 التي سلمتها إيرباص، وذلك مع بقاء إنتاج 737 ماكس خاضعاً للحد الأقصى البالغ 38 طائرة شهرياً، إلى حين تحسين مراقبة الجودة.

ويُعتبر نقص المحركات أحد أبرز المعوقات المُلحة التي تتعرض لها الشركتان. وواجهت شركتا CFM International، وهي مشروع مشترك فرنسي أميركي، وPratt & Whitney صعوبة في مواكبة الطلب. كما واجهت محركات الشركتين لطائرة A320neo مشاكل في المتانة.

وتُثقل أزمة نقص المحركات كاهل خطط الشركة الأوروبية لزيادة الإنتاج، وخاصةً فيما يتعلق بتحقيق هدفها بزيادة تصنيع طائرات A320 إلى 75 طائرة شهرياً بحلول عام 2027. وقالت الشركة، الشهر الماضي، إنها اضطرت إلى بناء 60 طائرة بشكل كامل في انتظار المحركات فقط، لكنها التزمت بمسارها لزيادة الإنتاج.

وذكر الرئيس التنفيذي للشركة، للمحللين في ذلك الوقت، أن إيرباص ستواصل العمل مع مُصنّعي المحركات في عام 2026. وأضاف: "عليهم الالتزام بزيادة الإنتاج، سواءً لنا أو لسوق ما بعد البيع، لأن عدد طائرات A320neo المُحلّقة يتزايد بسرعة كبيرة".

ويقول العملاء، المُحبطون من تأخيرات التسليم المتكررة، إنهم يريدون من إيرباص - وكذلك بوينغ - التركيز على تسليم الطلبات الحالية قبل إطلاق برامج تطوير طائرات جديدة طموحة.

عقبات تشغيلية أخرى 

تواجه شركة إيرباص عقبات تشغيلية أخرى. فهي تعمل على إضافة خطوط التجميع النهائي لطائرات A320 في مواقع عملها الحالية، لا سيما في تيانجين بالصين وموبيل في ولاية ألاباما بالولايات المتحدة، لدعم أحجام الإنتاج المتزايدة.

وستقع مهمة ضمان نجاح مصانع إيرباص في تلبية احتياجاتها على عاتق الرئيس الجديد لقسم صناعة الطائرات، لارس فاغنر. وسيخلف فاغنر، الرئيس التنفيذي الحالي لشركة MTU Aero Engines الألمانية لتصنيع المحركات، كريستيان شيرر، في منصبه السابق بدءاً من شهر يناير/ كانون الثاني.

وعلى الرغم من أن فاغنر عمل سابقاً في إيرباص، ومعروف في هذه الصناعة بتركيزه التشغيلي القوي، فإن الرئيس التنفيذي لشركة تأجير الطائرات "إير ليس" جون بلويغر يحذر من أن فاغنر "سيدخل إلى إيرباص مختلفة عن تلك التي تركها"، بحسب ما قاله لفايننشال تايمز.

وقال بوليغر إنها "إيرباص أكبر بكثير وأكثر نجاحاً بكثير، ولكنها أيضاً آلة أكثر تعقيداً من حيث عدد الطائرات التي يجب إنتاجها".

 


اقرأ أيضاً: بعد حوادث بوينغ.. هل يمكن استعادة الثقة بالطيران؟


 

تحديات أكبر لقسم الدفاع والفضاء

في حين تواجه أعمال إيرباص التجارية ضغوطاً لتلبية الطلب، يواجه قسم الدفاع والفضاء التابع لها تحديات أعمق.

ويُعتبر قسم الدفاع والفضاء ثاني أكبر قطاع أعمال الشركة، ويمثل حوالي خُمس إيراداتها، ويُصنّع العديد من المنتجات ومنها الطائرات المقاتلة، وطائرات النقل، والطائرات بدون طيار، والأقمار الصناعية.

وتُحقق أجزاء من القسم أداءً جيدًا، لكن الشركة عانت فيما يتعلق بهذا الجانب من ارتفاع التكاليف والمنافسة الأميركية المتزايدة، لا سيما من شركات رائدة مثل سبيس إكس التابعة لرجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك في سوق الأقمار الصناعية، ولم تشهد نفس الزيادة في الطلبات التي شهدتها شركات أوروبية أخرى استفادت من الطلب على منتجات مثل المركبات المدرعة.

ويرى الرئيس التنفيذي لشركة إيرباص أن هناك منطقاً تجارياً في الاحتفاظ بهذه الوحدة. ويقول: "هناك الكثير من التآزر والتفاعل بين الصناعات المدنية والعسكرية في مجال الطائرات، وهذا ما نفعله في مجال المروحيات والأقمار الصناعية والصواريخ".

وهو أيضاً من أشد المدافعين عن توحيد الصناعات الدفاعية الأوروبية المجزأة حتى تتمكن من منافسة الولايات المتحدة بشكل أفضل. وتتمتع إيرباص بخبرة واسعة في مجال الطيران التجاري والمروحيات العسكرية، لكنها بحاجة إلى تعزيز حضورها في مجال الأقمار الصناعية، في حين أنها تتفاوض على مشروع مشترك على غرار شراكة صواريخ "إم بي دي إيه" الناجحة مع ليوناردو الإيطالية وتاليس الفرنسية. وقال الرئيس التنفيذي إن الشركات لديها "مزيد من العمل المطلوب" لكن المحادثات "تتقدم بشكل جيد للغاية".

ومن الجوانب الأقل إيجابيةً العلاقات مع شركة داسو للطيران الفرنسية، الشريك الرئيسي لشركة إيرباص في نظام القتال الجوي المستقبلي (FCAS) لبناء مقاتلة جديدة. وتكررت الخلافات بين الشركتين حول تبادل التكنولوجيا، ومن سيقود أجزاءً مهمة من البرنامج، ومواصفات الطائرة المقاتلة، وهو ما أدى إلى وصول الشركتين إلى طريق مسدود في المرحلة الثانية من البرنامج، والتي من المفترض أنها كانت ستُتوّج بنموذج أولي للطائرة.

 


اقرأ أيضاً: إيرباص وتاليس تبحثان إمكانية دمج جزء على الأقل من أنشطتهما الفضائية


 

التحدي الأطول أجلاً

 

يتشكل التحدي الأطول أجلاً لكل من إيرباص وبوينغ في موعد إطلاق طائرة جديدة - ونوع الطائرة التي ينبغي أن تكون منه الطائرة الجديدة. تتعرض شركات الطيران لضغوط لخفض انبعاثات الكربون بحلول عام 2050، مما يعني أن اختيار التقنيات سيكون حاسماً.

وقال المحلل في إيجنسي بارتنرز، ساش توسا، لفايننشال تايمز: "إذا لم يُحسنوا ذلك وقام آخرون بذلك، فستخسر إيرباص كل ما عملوا من أجله على مدار الخمسة والخمسين عاماً الماضية. عليهم حقاً أن يُحسنوا التعامل مع تغير المناخ". 

وأضاف توسا أن الطائرة القادمة يجب أن تكون ثورية، وإلا "فلن يكون لها على الأرجح عمر افتراضي طويل".

ويعتقد الرئيس التنفيذي لإيرباص أن عام 2030 "هو اللحظة التي ستتحدد فيها الرؤى" لإطلاق برنامج طائرات جديد. ستدخل الطائرة التي ستُطلق في ذلك الوقت الخدمة في النصف الثاني من ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين، مما يعني أنه "سيكون هناك الكثير من هذه الطائرات في الخدمة بحلول عام 2050، وهو الوقت الذي نرغب فيه في رؤية تحسن كبير، بل وملحوظ للغاية، في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون".

وتبنى الرئيس التنفيذي لشركة بوينغ، نبرة أكثر حذراً، عندما قال الشهر الماضي إن شركته تُقيّم عدة عوامل يجب أن تتضافر قبل إطلاق طائرة من الجيل التالي. وتشمل هذه العوامل جاهزية السوق والتقنيات الرئيسية، بالإضافة إلى الوضع المالي لشركة بوينغ. "هذا ليس اليوم، وربما ليس غداً".

ويتفق غيوم فوري على أن التقنيات ليست جاهزة اليوم. لكنه يعتقد أنها ستكون جاهزة بحلول عام 2030، بما في ذلك تصميم جذري للمحرك بشفرات مراوح مكشوفة.

ومن المقرر إجراء رحلات تجريبية لمحرك "المروحة المفتوحة"، الذي يجري تطويره من إيرباص بالتعاون مع شركة CFM ويُطلق عليه اسم "RISE"، على متن طائرة A380 عملاقة معدلة قرب نهاية هذا العقد. وتأمل إيرباص أن يُسهم تصميم المحرك الجديد في تحسين كفاءة استهلاك الوقود بنسبة تتراوح بين 20 و30% مقارنةً بالطرازات الحالية.

ويقول الرئيس التنفيذي لإيرباص إن شركة CFM تُقدم أفكاراً "أكثر من مجرد تطورية"، وإن إيرباص ملتزمة "بمنح [RISE] أفضل الفرص الممكنة"، لكنه لا يستبعد استخدام محرك قائم على تقنية تقليدية مُحسّنة.

وتمنح الميزانية العمومية القوية لشركة إيرباص مرونة مالية للاستثمار في برنامج بمليارات الدولارات، مع أن غيوم فوري يُفضل "فكرة وجود حصة في اللعبة مع الحكومات التي تدعم هذا البرنامج".

لكن دعم الحكومات لبرنامج جديد قد يكون مثيراً للجدل في ظل التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي - وبينما لم تُبدِ إيرباص استعدادها بعد للتفاوض مع الحكومات الوطنية - يُشير فوري إلى أن الإدارة الأميركية "تدعم بقوة بطلها الوطني (بوينغ)".

وتراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن إدراج قطاع الطيران في حملته للرسوم الجمركية ضد الاتحاد الأوروبي، لكنه جعل شراء طائرات بوينغ جزءاً من صفقات التجارة الأخيرة. ويؤكد فوري أن منحها عقد بناء طائرة F-47، الجيل التالي من الطائرات المقاتلة الأميركية، يُعدّ شكلاً آخر من أشكال الدعم.

 


اقرأ أيضاً: شركات الطيران الصينية تدرس طلب مئات الطائرات من طراز إيرباص


 

بوينغ ليست التهديد الوحيد لتفوق إيرباص

 

ولا تعتبر بوينغ التهديد الوحيد لهيمنة إيرباص الحالية على سوق صناعة الطائرات في الوقت الحالي. وتدرس شركة إمبراير البرازيلية، الشركة الرائدة في إنتاج الطائرات الإقليمية الصغيرة، إمكانية التوسع في إنتاج طرازات أكبر.

ويخشى خبراء الصناعة من أن تُصبح شركة كوماك الصينية، على المدى الطويل، المُزعزع الحقيقي للسوق. لا تزال العديد من مكونات طائرتها C919 ذات الممر الواحد، بما في ذلك المحركات، تأتي من موردين أميركيين، لكن هذا قد يتغير خلال العقدين المقبلين.

ويمتد نطاق عمل غيوم فوري الحالي في إيرباص حتى عام 2028، ويقول إن الأمر متروك لمجلس الإدارة لتحديد ما سيحدث بعد ذلك. لكن القرارات التي سيتخذها خلال السنوات القادمة ستحدد مسار إيرباص نحو ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين وما بعدها.

ومع وجود منافسين جدد محتملين وعودة بوينغ بدعم من رئيس ذي نزعة تجارية، يتعين على الشركة الأوروبية العملاقة أن تحافظ على مرونتها.

ويقول المحلل توسا: "من الصعب جداً تصور خسارة إيرباص لمركزها الأول. لكن من قواعد الحرب أن نتذكر دائماً أن للعدو دوره".

 

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة