خاص CNBC عربية- مصطفى عيد
وسط ضغوط أميركية مكثفة تتسارع الخطوات والإجراءات التي تركز على استهداف قطاع واحد روسي فقط بشكل أساسي، والذي يعد أحد شرايين الموارد والحياة للدولة الروسية وأيضاً تمويلها في إطار الحرب مع أوكرانيا وفي ظل العقوبات الاقتصادية الغربية ضمن صراع الغرب مع موسكو.
فبعد التطورات التالية لقمة ألاسكا والتي لم تسفر عن نجاح الجهود المبذولة من أجل الوصول إلى اتفاق لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، اشتدت الضغوط الأوكرانية والغربية على قطاع الطاقة في روسيا سواء عبر الهجمات من كييف أو العقوبات على الهند لشراء النفط الروسي، أو الاتفاق مؤخراً في مجموعة السبع على اتخاذ إجراءات ضد مشتري الخام من موسكو.
وخلال حديثهم لـ CNBC عربية، قال خبراء في الشأن الروسي إن هذه الضغوط لا تشكل تأثيراً كبيراً على قطاع النفط أو الاقتصاد الروسي في الوقت الحالي أو المستقبل القريب، وإنه في حالة حدوث المزيد من التبعات لهذه الإجراءات فإنه ربما يتعرض الاقتصاد الأوروبي للتأثر ولن يؤدي في النهاية إلى تغيير الموقف الروسي بشأن الحرب.
اقرأ أيضاً: مجموعة السبع تعتزم استهداف مستوردي النفط الروسي
أبرز الإجراءات الأخيرة لاستهداف قطاع النفط الروسي
في يوم 27 أغسطس/ آب الماضي دخل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية على الواردات من الهند بنسبة 25% حيز التنفيذ، والذي أرجعته الولايات المتحدة إلى مشتريات نيودلهي من النفط الروسي.
ومن قبل، استهدف الغرب النفط الروسي بعقوبات على السفن الناقلة للصادرات، وتضييق الخناق على أسطول الظل الذي تضطر روسيا لاستخدامه من أجل تلاشي تأثير العقوبات، إلى جانب فرض حد أقصى لسعر البرميل عند 60 دولاراً ثم خفضه إلى 47.6 دولار. وفي الفترة الأخيرة كانت الهند والصين من أكبر مستوردي النفط من موسكو.
ولم تكتفِ إدارة ترامب على فرض رسوم على الهند وتهديد الصين برسوم مماثلة، لكنها حثت مجموعة الدول الصناعية السبع والدول الحليفة في الاتحاد الأوروبي بفرض "رسوم جمركية مؤثرة" على الواردات من الصين والهند لوقف مشترياتهما من النفط الروسي.
ويوم الأربعاء من أكتوبر، أعلن وزراء مالية مجموعة الدول السبع، في بيان مشترك، أنهم سيتخذون خطوات مشتركة لاستهداف أصحاب المشتريات من النفط الروسي - الذين يرونهم الوزراء أنهم يساعدون في التحايل على العقوبات الغربية المفروضة على موسكو. وذكروا أنهم اتفقوا على ضرورة اتخاذ إجراءات تجارية، بما يتضمن التعرفات الجمركية وحظر الاستيراد والتصدير.
وتزامن ذلك أيضاً مع تكثيف الهجمات الأوكرانية على البنية التحتية للطاقة في روسيا عبر طائرات مسيرة، بما يتضمن مصافي النفط وموانئ التصدير.
وبالفعل زادت الطاقة التكريرية المعطلة في روسيا إلى مستوى قياسي خلال شهر أغسطس، بسبب الأضرار الناتجة عن الهجمات، إلى جانب أعمال الصيانة المكثفة.
ورغم إعلان روسيا في نهاية الشهر الماضي حظر تصدير الديزل بشكل جزئي ومد حظر البنزين حتى نهاية العام، فإن وكالة رويترز أفادت بأن موسكو زادت صادراتها النفطية عبر موانئها الغربية بنسبة 25% في سبتمبر مقارنة بأغسطس مع تحرير المزيد من الخام بسبب أعطال المصافي وهو ما قد يأتي على عكس الرغبة الأوكرانية والغربية من هذه الإجراءات.
وزيادة في الضغط، نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، يوم الأربعاء الماضي، عن مسؤولين قولهم، إن أميركا ستمد أوكرانيا بمعلومات استخباراتية بهدف شن هجمات على البنية التحتية للطاقة في روسيا عبر توجيه ضربات صاروخية بعيدة المدى، بما يسهل على الجيش الأوكراني استهداف المصافي وخطوط الأنابيب ومحطات الطاقة وبنية تحتية أخرى من أجل منع الإيرادات النفطية عن روسيا.
ودعت الولايات المتحدة دول حلف شمال الأطلسي "الناتو" إلى توفير دعم مماثل لأوكرانيا بحسب الصحيفة.
اقرأ أيضاً: هل تُحدث الضغوط الاقتصادية تحولًا بمسار الحرب في أوكرانيا؟ (خاص CNBC عربية)
خبراء: لا تأثير كبير لهذه التطورات على المدى القصير
من جانبه، قال الأستاذ بكلية موسكو العليا للاقتصاد، رامي القليوبي، في حديثه مع CNBC عربية، إن الغرب لا يستهدف حتى الآن النفط الروسي الوارد إلى الصين، وكذلك لم يستطع إرغام الهند على التوقف عن شراء النفط الروسي.
لكن القليوبي أشار في الوقت نفسه إلى أن ما يحدث من تطورات غربية بشأن النفط الروسي يسعى الغرب من خلالها إلى "تأسيس آلية عقوبات استراتيجية طويلة الأجل لمعاقبة روسيا على خلفية الحرب على أوكرانيا".
أيضاً قال رئيس وكالة تنمية التجارة الدولية بموسكو والخبير الدولي، تيمور دويدار، لـ CNBC عربية، إن "التحركات الأوروبية كلها مسلطة على تقييد روسيا اقتصادياً، من أجل إنهاك الاقتصاد الروسي. لكنهم في الوقت نفسه يشترون النفط والطاقة الروسية بشكل غير مباشر عبر وسطاء دوليين آخرين".
وأضاف دويدار: "بالتالي فإن تبعات هذه التحركات الأخيرة ستضر بالاقتصاد الأوروبي بشكل أكبر، وهي حراك سياسي من الدرجة الأولى".
وعن تأثير تلك التطورات، قال دويدار: "لا أعتقد أنه في المستقبل القريب، أن تؤثر هذه التحركات على أداء الاقتصاد الروسي المتنوع، وخصوصاً في قطاع الطاقة. تم تغيير مسار صادرات الطاقة الروسية منذ فترة، وتأقلمت الأوضاع عموماً في قطاع المحروقات العالمي بشكل عام".
ووافق رامي القليوبي الرأي مع دويدار، وقال القليوبي إن الضغط المتعلق بالنفط الروسي "لن يؤثر على الموقف الروسي من الحرب الحالية، وكما يعلمنا التاريخ العقوبات لا تثني دولاً صغيرة وغير مؤثرة مثل إيران وكوريا الشمالية عن المضي قدماً في سياساتها وبالتالي لن تثني دول كبرى مثل روسيا فهذا لن يحدث".
اقرأ أيضاً: اليابان تخفض سقف سعر النفط الروسي إلى 47.6 دولار للبرميل
تأثير متوسط الأجل
من جانبه، فسر مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية ديميتري بريجع، في تصريحات لـ CNBC عربية، تسارع التحركات الغربية في استهداف قطاع النفط الروسي خلال الفترة الأخيرة بأنه يدل على أن هناك سيناريو لضرب الاقتصاد الروسي ولضرب شريان الحياة في روسيا، بما يزيد من المخاطر في البلاد ويصعب الحياة في الداخل.
وقال بريجع: "أعتقد أن التحركات الغربية الأخيرة ... تعكس إدراكاً متزايداً لدى الولايات المتحدة وأوروبا بأن قدرة روسيا على تمويل عملياتها العسكرية تعتمد بشكل أساسي على العائدات النفطية والغازية".
وأضاف: "التعاون أو التبادل التجاري مازال موجوداً مع عدد من الدول الأوروبية عبر دول ثالثة وترامب يريد إغلاق هذه النافذة على روسيا لكي لا تستطيع روسيا أن تفعل أي شيء".
وذكر بريجع أنه مثلما حدث من قبل عند فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا، فإن الموقف الروسي لم يتغير "بل إن الأمر أصبح أسوأ وأصبح ولم يعد هناك أي احتمال لإيجاد حلول"، لأن الحلول تحتاج إلى مفاوضات وتنازلات وتنسيق وعمل ورؤية مشتركة وهو ما يصبح من الصعب حدوثه في ظل مثل هذه الضغوط.
وقال إنه من ناحية أخرى، هذه الآلية من الضغط تبدو على المدى القصير محدودة الفعالية. فروسيا تمكنت خلال السنوات الأخيرة من إعادة توجيه صادراتها نحو أسواق بديلة، خصوصاً الصين والهند، مستفيدة من خصومات الأسعار ومن استعداد هذه الدول لزيادة وارداتها. كما أن البنية التحتية المالية والتجارية الروسية باتت أكثر قدرة على الالتفاف على بعض العقوبات، عبر استخدام أسطول "ظل" من الناقلات أو الاعتماد على شركات غير غربية في مجالات النقل والتأمين.
لكن بريجع أشار إلى أنه على المدى المتوسط والطويل، يمكن أن تؤثر الضغوط المتواصلة على قطاع النفط تدريجياً في الموقف الروسي. وقال: "السبب هو أن الإيرادات المحدودة قد تُقيّد الاستثمارات في تطوير الحقول والبنية التحتية، وتزيد من اعتماد روسيا على عدد قليل من الشركاء التجاريين الكبار، ما يضعها في موقع تفاوضي أضعف".
وقال: "الهدف الأساسي ... أن يكون هناك تداعيات سلبية على الاقتصاد الروسي في غضون من الخمس إلى العشر سنوات القادمة. أي تأثير مستقبلي وليس حالي".
وأضاف: "في المقابل، لا يبدو أن هذه الضغوط وحدها قادرة على تغيير القرار السياسي الروسي بشأن الحرب، لأن القيادة في موسكو تنظر إلى الصراع من زاوية وجودية واستراتيجية، وليست اقتصادية بحتة".
اقرأ أيضاً: بسبب النفط الروسي..أميركا تدعو مجموعة السبع وأوروبا لمعاقبة الصين والهند
تصريحات بوتين
علق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الخطوات الغربية المستهدفة للنفط الروسي يوم الخميس، خلال حديثه في منتدى فالداي للحوار في سوتشي، محذراً من ارتفاع أسعار النفط "بسرعة الصاروخ" إلى أعلى من 100 دولار للبرميل في حالة انقطاع الإمدادات الروسية.
وأشار الرئيس الروسي إلى أن الاقتصاد العالمي سيعاني من دون النفط الذي تنتجه بلاده.
أيضاً قال بوتين إن هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن بلاده تجاوزت المرحلة الأصعب من التحديات الاقتصادية التي تواجهها، مشدداً على ضرورة تعزيز الاستقرار الاقتصادي، وخفض التضخم، والحفاظ على النمو.
وخلال سبتمبر، كان من المقرر أن ترتفع حصة إنتاج روسيا من النفط إلى 9.449 مليون برميل يومياً من 9.344 مليون برميل يومياً، بحسب اتفاق لمجموعة أوبك+.
اقرأ أيضاً: وول ستريت جورنال: أميركا ستمد أوكرانيا بمعلومات استخباراتية لضرب العمق الروسي
تأثير الهجمات الأوكرانية
وعن الهجمات الأوكرانية على البنية التحتية لقطاع الطاقة خلال الفترة الأخيرة، قال دويدار، لـ CNBC عربية، إن هذه الضربات باستطاعتها التأثير على قطاع المحروقات داخل السوق المحلي الروسي بشكل أكبر، ولكن فيما يتعلق بالتجارة الدولية والصادرات النفطية الروسية فإن التأثير لا يأخذ نفس الشكل.
وقال دويدار: "هي نعم مؤثرة فهي نعم، لكن ليست لدرجة إخضاع روسيا لأي شروط غربية أو التي تتعارض مع الشروط الروسية".
وأضاف أن "الإصابات التي تضرب مخازن أو مصانع قطاع المحروقات الروسية في الداخل الروسي لا تصل إلى مرحلة التدمير وبالتالي لا تؤثر على مجرى الحياة التجارية في قطاع الطاقة".
ويرى رامي القليوبي أن مثل هذه الهجمات لن يكون لها تأثير على مجال النفط والذي يتم نقله بحراً بشكل أساسي، بحسب ما قاله لـ CNBC عربية، لكنه أشار إلى أن البنية التحتية لتصدير الغاز قد تتأثر بمثل تلك الضربات بشكل أكبر مثلما حدث من قبل مع تدمير خط "السيل الشمالي" في بحر البلطيق.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي