خاص CNBC عربية- مصطفى عيد
توقع محللون اقتصاديون، في تصريحات لـ CNBC عربية، أن تواصل أسعار الذهب زخمها الإيجابي خلال الفترة المتبقية من عام 2025 بعد تسجيلها مستويات قياسية خلال الفترة الأخيرة وتجاوز مستوى 4000 دولار، وذلك في ظل استمرار العوامل التي ساهمت في ارتفاعها القوي هذا العام.
فيما اختلفت توقعات المحللين بشأن مدى استمرار الزخم في أسواق الأسهم الأميركية التي سجلت أيضاً مستويات قياسية خلال الفترة الماضية، ورهن بعضهم استمرار ارتفاعها أو بقائها على مستوياتها الأخيرة بما سيسفر عنه موسم نتائج أعمال الشركات المرتقب للربع الثالث، وأيضاً مدى استمرار حماس المستثمرين بشأن ثورة الذكاء الاصطناعي، إلى جانب مدى استمرار الإغلاق الحكومي الحالي، واحتمالات تعرض الاقتصاد للضرر بسببه.
بينما كان البعض متفائلاً باستمرار إيجابية تلك العوامل وبالتالي استمرار مؤشرات وول ستريت في الارتفاع.
اقرأ أيضاً: بعد مستوياته القياسية.. ما النسبة المناسبة لحصة الذهب في محفظة الاستثمار؟
تطورات أسعار الذهب ومؤشرات الأسهم
ارتفعت أسعار الذهب خلال الفترة الأخيرة بشكل سريع وإلى مستويات قياسية جديدة معززة صعودها على مدار العام الحالي، لتصل إلى مستويات أعلى من 4000 دولار للأونصة لأول مرة في تاريخها، سواء على مستوى العقود الآجلة أو المعاملات الفورية.
وسجلت أسعار الذهب في المعاملات الفورية ارتفاعاً بنسبة 53.1% منذ بداية العام الحالي، مما يضعها على مسار تحقيق أفضل أداء سنوي لها منذ عام 1979.
أيضاً ارتفعت مؤشرات الأسهم الأميركية مؤخراً معززة زخمها قبل هبوط كبير تعرضت له في أبريل/ نيسان الماضي، لتواصل تحقيق مستويات قياسية جديدة في ظل بعض العوامل الاقتصادية الإيجابية، إلى جانب زخم الاستثمار في أسهم الذكاء الاصطناعي مع استمرار التوقعات بمواصلة الأداء الإيجابي للقطاع في ظل استثمارات ضخمة يتم ضخها في المشروعات المختلفة، رغم بعض التخوفات مؤخراً بمدى بقاء هذه الفائدة داخل القطاع نفسه فقط، ومخاطر تركز الأسهم فيه، والتقييمات المرتفعة لها.
الأسبوع قبل الأخير حققت المؤشرات الرئيسية الثلاثة في وول ستريت مستويات قياسية جديدة، لكن مؤشري إس آند بي 500 وناسداك المركب المتأثرين بأداء أسهم التكنولوجيا واصلا تسجيل مستويات قياسية خلال الأسبوع الأخير، بخلاف مؤشر داو جونز الصناعي، وذلك قبل أن تشهد المؤشرات جميعها انخفاضاً قوياً خلال تعاملات يوم الجمعة بسبب تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات من الصين مما ينذر بعودة الحرب التجارية بين البلدين من جديد.
وارتفع المؤشر العام للسوق الأميركية إس آند بي 500 منذ بداية العام الحالي بنسبة 11.4%.
ومع ضعف الدولار وإقبال المستثمرين على الأصول غير النقدية بشكل أكبر بسبب مخاوف تتعلق بالثقة، شهد العام الحالي حدثاً لا يتكرر كثيراً وهو ارتفاع مؤشرات الأسهم والذهب معاً إلى مستويات قياسية جديدة في نفس الوقت.
اقرأ أيضاً: الذهب يسجل ثامن ارتفاع أسبوعي بفضل الطلب القوي على الملاذ الآمن
ما التوقعات لأسعار الذهب خلال الفترة المتبقية من العام الجاري؟
قال رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة "Cedra Markets"، جو يرق، لـ CNBC عربية، إن العوامل الحالية في الأسواق تدعم استكمال أسعار الذهب لزخم الارتفاع وتسجيل أرقام قياسية جديدة خلال الفترة المتبقية من العام الحالي.
ويتفق كلٌ من استراتيجي الأسواق المالية في "First Financial Markets" جاد حريري، وكبير محللي الأسواق المالية في شركة "FX Pro" ميشال صليبي، مع يرق، على هذا الطرح.
وقال جو يرق إن الأوضاع الجيوسياسية لا تزال تعاني من بعض التأزم، ومن المرجح استمرار شراء البنوك المركزية للمعدن بكميات كبيرة والتي قد تصل إلى بين 70 و80 طناً في عام 2026، إلى جانب الخفض المتوقع في معدلات الفائدة في بعض البنوك المركزية ومنها الفدرالي الأميركي.
كما أشار يرق إلى من بين العوامل الداعمة لاستمرار ارتفاع الذهب نسبة الشراء المرتفعة من الصناديق المتداولة المستثمرة في الذهب، بالإضافة إلى زيادة اللجوء للمعدن كملاذ آمن ومخزن للقيمة خاصة مع ضعف الدولار الأميركي، وأيضاً حالات عدم الاستقرار السياسية في بعض البلاد مثل فرنسا، واليابان، والحرب التجارية الأميركية.
من جانبه، قال جاد حريري لـ CNBC عربية، إنه من المتوقع استمرار الذهب في الزخم الصعودي نتيجة لعدة عوامل ترتبط بتحوط المستثمرين.
وأيضاً ذكر ميشال صليبي لـ CNBC عربية، أن العوامل الحالية كلها كانت تصب في مصلحة الزخم الإيجابي للذهب مؤكداً على العوامل التي ذكرها يرق، إلى جانب حالة الضبابية وعدم اليقين بشأن الاقتصاد الأميركي والمخاطر التي تهدد آفاقه مثل الركود التضخمي، بالإضافة إلى حجم الدين العام الكبير والمستويات القياسية التي وصل إليها سقفه.
أيضاً أشار صليبي أن من بين العوامل التي ربما تشارك في التأثير الإيجابي على أسعار الذهب خلال الأسابيع الأخيرة إغلاق الحكومة الأميركية، وذلك بسبب المخاوف من تعرض الاقتصاد للضرر بسبب هذا الإجراء خاصة في حالة استمراره لفترة أطول.
وقال صليبي: "في اعتقادي أنه طالما هذه العوامل لا تزال موجودة ومستقرة، حتى لو رأينا تصحيحات بالأسعار أو عمليات جني أرباح بسيطة أو مستويات فنية يمكن تقف عندها أسعار الذهب لبعض الوقت، سيزيد الزخم الإيجابي للذهب لنهاية عام 2025 وحتى العام القادم وسنرى مستويات قياسية جديدة".
اقرأ أيضاً: لماذا تشهد أسواق الأسهم والذهب في 2025 لحظات لا تتكرر كثيراً؟
ما المستويات المتوقع وصول الذهب إليها خلال العام الحالي؟
كان جو يرق الأكثر تفاؤلاً بين المحللين الذين تحدثوا مع CNBC عربية، وتوقع وصول سعر الذهب إلى مستويات قد تصل إلى 4500 دولار للأونصة خلال الفترة المتبقية من عام 2025.
أيضاً توقع ميشال صليبي أن تصل أسعار الذهب إلى مستويات بين 4200 و4500 دولار للأونصة صوب نهاية 2025.
في حين يرى جاد حريري أن المستويات الجديدة للأسعار قد تصل إلى نحو 4100 و4200 دولار خلال الفترة المتبقية من العام.
اقرأ أيضاً: غولدمان ساكس يرفع توقعاته لسعر الذهب إلى 4900 دولار للأونصة بنهاية 2026
ما التوقعات لسوق الأسهم الأميركية؟
فيما يتعلق بالأسهم في وول ستريت، يعتقد رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة "Cedra Markets"، جو يرق، أن تدعم العوامل الحالية في السوق استمرار ارتفاع المؤشرات نحو مستويات قياسية جديدة خلال ما تبقى من عام 2025، وأن يصل مؤشر إس آند بي إلى مستوى 7000 نقطة.
وبحسب ما قاله لـ CNBC عربية، فإن يرق متفاؤل باستمرار الاستثمارات الضخمة في مجال الذكاء الاصطناعي، إلى ترجيحه أن تكون نتائج أعمال الشركات الأميركية في الربع الثالث والمنتظر صدورها خلال الأسابيع المقبلة داعمة لصعود الأسهم، بالإضافة إلى تيسير السياسة النقدية المتوقع من الفدرالي الأميركي عبر خفض معدلات الفائدة، إلى جانب بعض الدعوات بإجراء تخفيضات أكبر في الفائدة
ويرى جو يرق في استمرار الزخم في الأسهم الأميركية في ظل الإغلاق الحكومي إشارة على إيجابية السوق خلال الفترة المقبلة.
اقرأ أيضاً: "وول ستريت" تواصل موجة الصعود للعام الثالث على التوالي.. والمؤشرات التاريخية ترجّح استمرار الزخم
من جانبه، قال حريري لـ CNBC عربية، إن هناك تبايناً يحدث في بعض الجلسات بين مؤشري داو جونز وناسداك المركب المرتبط بأسهم التكنولوجيا، وهو ما يشير إلى أن أغلب المستثمرين يركزون على قطاعات الذكاء الاصطناعي على خلاف ما يحدث مع قطاع الخدمات والصناعة.
وأضاف أنه من المتوقع حدوث تصحيح في الأسهم الأميركية بنسبة بين 10 و15% خلال هذا الربع أو مع بداية العام المقبل، وأن الأسواق قد تشهد نوعاً من التصحيح خلال الفترة الحالية في حالة استمرار الإغلاق الحكومي الحالي لفترة أطول.
وبدأت الولايات المتحدة إغلاقاً جزئياً في عدد من الوكالات الفدرالية بسبب عدم التوصل إلى اتفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين بشأن مشروع قانون يمكن أن يقره الكونغرس ومن خلاله يعود تمويل الحكومة. وفشل مجلس الشيوخ الأميركي خلال الأيام الماضية في إقرار عدة مقترحات لمشروعات قوانين من الجانبين، بينما تهدد الإدارة الأميركية أن استمرار الإغلاق قد يؤدي إلى تسريح العديد من الموظفين في الحكومة الفدرالية.
وذكر حريري أن استمرار الإغلاق الحكومي قد يؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد الأميركي مع فقدان عدد من الوظائف وبالتالي تراجع الإنتاج وانخفاض الاستهلاك المحلي، إلى جانب نقص البيانات التي قد تؤثر في قرار الاحتياطي الفدرالي بشأن معدلات الفائدة.
وبخلاف ما يتعلق بشأن حالة عدم اليقين المتعلقة بخفض الفائدة، أيضاً قد يؤثر الإغلاق الحكومي بشكل مباشر على الأسواق في ظل أن عدم صدور بيانات اقتصادية مهمة قد يعطي انطباعاً سلبياً على الاقتصاد، بحسب ما قاله حريري لـ CNBC عربية.
لكن حريري يرى أيضاً أن توقعات خفض الفائدة بالفدرالي رغم تعتيم البيانات، والتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في قطاع غزة الفلسطيني بين إسرائيل وحركة حماس من بين العوامل الإيجابية للسوق خلال الفترة المقبلة، فانتهاء الحرب يعطي نوعاً من الطمأنينة بالنسبة للمستثمرين والأسواق ويرفع مستوى المخاطرة لديهم مما يوجههم إلى الأصول عالية المخاطر.
وزاد الحديث والتحذيرات في الفترة الأخيرة عن احتمالية حدوث تصحيحات في مؤشرات الأسهم الأميركية بسبب التقييمات المرتفعة لأسهم الذكاء الاصطناعي، وحذّر بنك إنكلترا، بحسب ما صدر عنه يوم الأربعاء، من تزايد خطر "تصحيح حاد للأسواق" في مجال الأسهم، مشيراً إلى أن التقييمات تبدو مبالغاً فيها، لا سيما لأسهم شركات التكنولوجيا التي تُركز على الذكاء الاصطناعي.
ويُضاف هذا التحذير إلى قائمة طويلة من البنوك والمستثمرين الذين يعبرون عن آرائهم، في الفترة الأخيرة، بشأن احتمال تشكل فقاعة الذكاء الاصطناعي مع دخول أسواق الأسهم الربع الرابع.
أيضاً قالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا إن "معنويات السوق بشأن إمكانات الذكاء الاصطناعي قد تتحول فجأة مما يؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي".
شاهد أيضاً: هل نشهد فقاعة في عالم الذكاء الاصطناعي؟
من جانب آخر، حذر ميشال صليبي من حدوث انفجار ما يتم وصفها بفقاعة الذكاء الاصطناعي في الأسواق، خاصة مع المستويات القياسية التي تسجلها أسهم شركات التكنولوجيا والتي بسببها ارتفعت القيمة السوقية للسوق بشكل كبير.
وقال صليبي لـ CNBC عربية إن تلك المستويات القياسية تعد أمراً غير طبيعي لكن المستثمر يرى أنه يشتري المستقبل مع أسهم قطاع التكنولوجيا وهو ما يبرر نوعاً التقييمات المرتفعة جداً لهذا النوع من الأسهم.
وأضاف أنه مع تلك الارتفاعات القوية والسريعة أصبح من المهم معه أن يتوخى المستثمرون الحذر لأن الأسهم الأميركية على ما يبدو لم تتأثر بالمؤشرات الاقتصادية أو السياسات النقدية أو غيرها من العوامل بشكل كبير، بقدر أن العامل الرئيسي الذي كان يحرك السوق متمثلاً في ثورة الذكاء الاصطناعي وتطلعات السوق والمستثمرين نحو المزيد من الاستثمار في هذا المجال، وهو ما جعل المستثمر في حالة رضا عند شراء أسهم هذا القطاع بأسعار أعلى بكثير من قيمتها.
أيضاً رهن صليبي استمرار حفاظ المؤشرات على مستوياتها القياسية الأخيرة بتطورات نتائج أعمال الشركات في الموسم الحالي، وقال إن "أي زلة قدم" فيما يخص النتائج المالية المرتقبة للشركات والتي قد تصدر خلال الأسابيع المقبلة، أو أي حدوث أي تطور مرتبط بقطاعات الذكاء الاصطناعي، أو وقوع تطورات تتعلق بشركات صينية في هذا المجال مثلما حدث من قبل مع شركة ديب سيك، قد يؤثر على السوق وربما تشهد تراجعات قوية في هذه الحالة.
وفي حالة شهدت الأسواق أي نتائج أعمال سلبية للشركات خلال الموسم المرتقب أو أي تراجع في تطلعات السوق تجاه شركات التكنولوجيا في الفترة المقبلة، يتوقع صليبي أن تتعرض المؤشرات لتراجع بأكثر من 10%.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي