هل باتت العملات الرقمية مقصلة المستثمرين؟

غدير إبراهيم - محررة اقتصادية في CNBC عربية

في ظلّ دعوات كبار بيوت الاستثمار ورجال الأعمال منذ بداية عهد ترامب إلى تبنّي سياسة الاستثمار في العملات الرقمية، والدعم غير المسبوق من الرئيس الأميركي لمستقبل صناعة الكريبتو، أطلق ترامب عملته الميمية الخاصة، كما فعلت زوجته ميلانيا كذلك.

وكان قد وعد بتحويل الولايات المتحدة إلى "عاصمة عالمية للعملات المشفّرة"، معلناً عن نيّته إنشاء احتياطي استراتيجي وطني للبيتكوين في حال فوزه بالانتخابات، ليصبح أول رئيس أميركي سابق في التاريخ يدفع بالبيتكوين خلال إحدى فعاليات حملته الانتخابية.

وصلت قيمة البيتكوين إلى أعلى مستوى تاريخي خلال شهر واحد بعد فوز ترامب، متجاوزة 108 آلاف دولار، وحتى اليوم وقبيل فاجعة التعرفات المضاعفة على الصين، حققت البتكوين مستوى غير مسبوق عند 126 ألف دولار.

الحرب التجارية أطاحت أحلام مستثمري الكريبتو

أعلنت الصين الأسبوع الماضي عن تشديد القيود على تصدير المعادن الأرضية النادرة، والتي تُعدّ ضرورية للجيش الأميركي وتُستخدم في طائرات F-35 المقاتلة والغواصات والأقمار الصناعية وصواريخ توماهوك وغيرها، وفقًا لمذكرة بحثية صادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) عام 2025.

وبحسب وكالة الطاقة الدولية، تنتج الصين 61% من المعادن الأرضية النادرة وتسيطر على 92% من عمليات المعالجة عالمياً، في حين لا تمتلك الولايات المتحدة القدرة على فصل تلك المعادن بعد استخراجها.

وعلى إثر ذلك، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 100% على الواردات الصينية بدءاً من الأول من نوفمبر 2025، في خطوة وصفها بأنها "سابقة لم يشهدها التاريخ التجاري الدولي"، مؤكداً أنها "عار أخلاقي في التعامل بين الدول".

كما أشار إلى أن اللقاء المزمع مع الرئيس الصيني شي جين بينغ على هامش قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في كوريا الجنوبية "لم يعد له أي مبرر الآن".

انهيار سوق العملات المشفّرة بأكبر قدر منذ جائحة كوفيد!

في غضون ساعات من إعلان ترامب، هبطت القيمة السوقية للعملات المشفرة من 4.25 تريليون دولار إلى 4.05 تريليون دولار، ماحيةً نحو 200 مليار دولار من السوق، وفقًا لبيانات CoinGecko.

وانخفضت قيمة البيتكوين من 126 ألف دولار إلى 102 ألف، أي بأكثر من 12%، قبل أن تتعافى جزئياً إلى 113,096 دولار صباح السبت. كما هوت إيثريوم وXRP وBNB بأكثر من 15%، في حين شهدت البورصات تصفية قسرية لمراكز الرافعة المالية مع إعلان بينانس عن مشاكل تقنية في أوامر وقف الخسارة وتجميد الحسابات، مما ضاعف من خسائر المتداولين.

وسجلت العملات المشفرة أكبر تصفية لها منذ نشأتها، بلغت نحو 20 مليار دولار في 11 أكتوبر، أي ما يعادل 20 ضعف الخسائر المترتبة إثر جائحة كورونا (1.2 مليار دولار)، وأكبر من خسائر انهيار منصة FTX (1.6 مليار دولار).

ووفقاً لشركة CoinGlass، تم تصفية أكثر من 1.6 مليون متداول، بينما باعت الأسواق أكثر من 7 مليارات دولار في أقل من ساعة تداول واحدة يوم الجمعة.
أما CoinMarketCap فعزت هذا الانخفاض إلى "مزيج من الصدمات الكلية والرافعة المالية المفرطة"، واصفةً اليوم بأنه الأسوأ للعملات المشفّرة منذ الربع الأول من 2025.

هل إدارة ترامب متورطة في انهيار البيتكوين؟

قبل إعلان ترامب عن الرسوم الجمركية بنصف ساعة فقط، فتح متداول غامض على منصة Hyperliquid صفقة بيع ضخمة على البيتكوين، محققاً أرباحاً بلغت 88 مليون دولار أُضيفت إلى مكاسبه السابقة لتصل إلى 192 مليون دولار.

وأثار هذا التوقيت المريب تساؤلات حول احتمال وجود تسريب معلومات داخلية أو علاقات سياسية بين المستخدم وعائلة ترامب، خصوصاً أن الحساب أُنشئ في يوم الإعلان ذاته وقد وجهت أصابع الشكوك نحو ترامب وابنه في موجة ميمز ساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي

 هل تتحول "اللامركزية" إلى سلاح سياسي؟

إنّ ما حدث يفتح باباً واسعاً حول مدى هشاشة النظام المالي الموازي الذي تمثّله العملات الرقمية أمام التحولات السياسية الكبرى. فحين تصبح تصريحات رئيس أو سياسات تجارية كفيلة بمحو مئات المليارات من القيمة السوقية خلال ساعات، يتبدّد أحد أهم الوعود التي قامت عليها فلسفة الكريبتو: التحرر من المركزية والسيطرة الحكومية.

الأسواق لم تعد تتفاعل فقط مع المؤشرات الاقتصادية أو التوجهات النقدية، بل باتت رهينة لحروب تجارية ومصالح انتخابية.

وإذا كان البيتكوين يوماً يُنظر إليه كملاذ آمن ضد التضخم والأنظمة النقدية التقليدية، فإن ما جرى قد يكرّس مرحلة جديدة عنوانها: "الكريبتو كأداة جيوسياسية لا كأصل استثماري مستقل."

في النهاية، السؤال الذي يواجه المستثمرين اليوم ليس ما إذا كانت العملات المشفّرة ستتعافى، بل ما إذا كانت ستبقى بالفعل حرة من السياسة.