في إطار الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين 2025، استضافت واشنطن ندوة بعنوان "تعزيز نمو الإنتاجية في العصر الرقمي"، شارك فيها قادة اقتصاديون وخبراء عالميون لمناقشة التحديات والفرص التي يفرضها التحول الرقمي على الاقتصاد العالمي.
و رغم التوسع الكبير في استخدام الذكاء الاصطناعي والتقنيات المالية وسلاسل الكتل، ما زالت معدلات نمو الإنتاجية في الاقتصادات الكبرى متباطئة. هذا التناقض كان محور النقاش، حيث شدد المشاركون على أن التكنولوجيا وحدها لا تكفي لإحداث قفزة في الإنتاجية، بل يجب أن تُواكبها سياسات عامة شاملة.
مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا قالت إن الابتكار الرقمي يمثل فرصة تاريخية لدفع النمو، لكنه قد يتحول إلى عامل لتوسيع الفجوات الاقتصادية إذا لم تتم إدارته بحكمة. وأضافت: "التكنولوجيا وحدها لا تكفي، بل يجب أن نضمن توزيعاً عادلاً لعوائدها".
الذكاء الاصطناعي كان العنوان الأبرز في النقاش. فقد اعتبره بعض المشاركين محركاً جديداً للإنتاجية، خاصة في القطاعات الخدمية والصناعية، بينما حذر آخرون من مخاطره على سوق العمل.
اقرأ أيضا: صندوق النقد الدولي: المخاطر التي تهدد الاستقرار المالي العالمي لا تزال مرتفعة رغم هدوء الأسواق
رئيسة الاستثمار في ألفابت، روث بورات، أوضحت أن الذكاء الاصطناعي قادر على رفع كفاءة الشركات الصغيرة والمتوسطة، لكنه قد يؤدي إلى إزاحة وظائف تقليدية إذا لم يتم الاستثمار في التعليم وإعادة تأهيل القوى العاملة. وأكدت أن "المعادلة ليست في منع التكنولوجيا، بل في تهيئة المجتمعات للتكيف معها".
أما وزير المالية السعودي محمد الجدعان استعرض تجربة المملكة في الاستثمار في البنية التحتية الرقمية وتطوير المهارات، مشيراً إلى أن التحول الرقمي جزء من رؤية اقتصادية شاملة تهدف إلى تنويع مصادر النمو. وأكد أن السياسات المالية يجب أن تواكب الابتكار عبر دعم التعليم، وتحفيز ريادة الأعمال، وتوفير بيئة تنظيمية مرنة.
أحد المحاور التي أثارت نقاشاً واسعاً كان العدالة في توزيع عوائد الإنتاجية. فبينما تحقق شركات التكنولوجيا العملاقة أرباحاً ضخمة، تبقى شريحة واسعة من المجتمعات خارج دائرة الاستفادة. المشاركون حذروا من أن هذا الخلل قد يؤدي إلى تعميق الفجوات الاجتماعية وزيادة التوترات الاقتصادية.
من جهته شدد صندوق النقد على أن الحل يكمن في سياسات ضريبية عادلة، واستثمارات في التعليم والتدريب، إضافة إلى تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي، بحيث لا يتحول التحول الرقمي إلى عامل إقصاء، بل إلى أداة لتمكين الجميع.
اقرأ أيضا: صندوق النقد يرفع توقعاته للاقتصاد العالمي.. ويحذر من 5 مخاطر!
فيما جاءت الندوة في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي تباطؤاً في النمو وضغوطاً من التضخم وتحديات في أسواق العمل. ورغم أن التكنولوجيا توفر أدوات جديدة لزيادة الكفاءة، إلا أن الفجوة بين الاقتصادات المتقدمة والنامية ما زالت قائمة.
غير أن العديد من الخبراء أشاروا إلى أن الدول النامية تواجه تحديات مضاعفة، إذ تحتاج إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية الرقمية، وفي الوقت نفسه عليها التعامل مع فجوات في التعليم والمهارات. وهنا برزت دعوات إلى تعاون دولي أوسع يضمن نقل التكنولوجيا والمعرفة بشكل أكثر عدلاً.
في حين كانت الرسالة التي تكررت على لسان معظم المتحدثين هي أن التكنولوجيا ليست بديلاً عن الإصلاحات الاقتصادية. فالذكاء الاصطناعي أو الرقمنة قد يرفعان الكفاءة، لكن من دون سياسات داعمة قد تتحول هذه الأدوات إلى مصدر جديد لعدم المساواة.
كما أشار بعض المشاركين إلى أن التحول الرقمي يجب أن يُدار كعملية اجتماعية واقتصادية متكاملة، وليس مجرد تحديث تقني. وهذا يتطلب مشاركة القطاع الخاص والحكومات والمؤسسات الدولية لضمان أن تكون ثمار الابتكار موزعة بشكل عادل.
الخلاصة
اقرأ أيضاً: كيف يرى كبير الاقتصاديين بصندوق النقد تداعيات طفرة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي؟
ومع اختتام الندوة، بدا واضحاً أن العالم يقف أمام مفترق طرق: إما أن يتحول العصر الرقمي إلى محرك جديد للإنتاجية والنمو الشامل، أو أن يصبح سبباً في اتساع الفجوات الاقتصادية والاجتماعية.
فالرسالة التي خرج بها المشاركون كانت واضحة" التكنولوجيا وحدها لا تكفي"، بل يجب أن تُصاحبها إرادة سياسية، واستثمارات استراتيجية، وسياسات شاملة تضمن أن يكون المستقبل الرقمي أكثر عدلاً واستدامة.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي