الإغلاق الحكومي الأميركي.. صراعات سياسية يدفع ثمنها الشعب

نشر
آخر تحديث
الإغلاق الحكومي الأميركي.. صراعات سياسية يدفع ثمنها الشعب

استمع للمقال
Play

- كل أسبوع يكلف الاقتصاد الأميركي نحو 15 مليار دولار 

- استمرار الإغلاق قد يؤثر على صرف إعانات الغذاء لنحو 42 مليون أميركي مع بداية نوفمبر

 

تعاني الولايات المتحدة من إغلاق حكومي فدرالي بدأ مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2025، بعد فشل الكونغرس والرئيس الأميركي دونالد ترامب في التوصل إلى اتفاق حول مشروع قانون تمويل جديد مع بداية السنة المالية. ومع استمرار الأزمة، بات هذا الإغلاق واحداً من الأطول في تاريخ البلاد الحديث، وسط تحذيرات من أنه قد يتجاوز الإغلاق القياسي الذي استمر 35 يوماً في أواخر عام 2018.

ما هو الإغلاق الحكومي الفدرالي؟

الإغلاق الحكومي يحدث عندما يفشل الكونغرس والبيت الأبيض في تمرير التشريعات التي تموّل عمل الوكالات الحكومية الفدرالية.
وبموجب ما يُعرف بـ قانون منع العجز (Antideficiency Act)، لا يجوز لأي وكالة فيدرالية إنفاق أموال من دون تفويض قانوني من الكونغرس. وعند انتهاء التمويل، تتوقف معظم الأنشطة الحكومية المصنّفة "غير أساسية"، فيما تبقى فقط الخدمات التي تُعتبر ضرورية لحماية الأرواح والممتلكات.


اقرأ أيضاً: في ظل الإغلاق الحكومي.. ترامب: متبرع ثري قدم 130 مليون دولار لتغطية رواتب العسكريين


خلال الإغلاق، يتم تعليق عمل مئات الآلاف من الموظفين الفدراليين ووضعهم في "إجازة قسرية" بلا أجر، بينما يُطلب من الموظفين الذين يعملون في مجالات حيوية مثل الأمن والمطارات والجيش الاستمرار في وظائفهم دون تقاضي رواتب حتى نهاية الأزمة. وعند انتهاء الإغلاق، تُدفع الرواتب المتأخرة بأثر رجعي، إلا أن كثيراً من العائلات تواجه صعوبات فورية في تغطية احتياجاتها الأساسية.

تداعيات واسعة تطال الاقتصاد والخدمات العامة

الإغلاق الحالي عطّل أجزاء واسعة من الجهاز الإداري في واشنطن والولايات، وألقى بظلاله على مختلف القطاعات:

الموظفون الفدراليون: نحو 750 ألف موظف مدني أُجبروا على التوقف عن العمل، بينما يواصل آخرون العمل بلا رواتب، ما خلق أزمة معيشية حقيقية خاصة في المدن التي تعتمد على الإنفاق الحكومي.

الخدمات العامة: تأخرت معاملات تتعلق بالقروض العقارية والمشروعات الصغيرة، كما تعطلت بعض برامج الإسكان والتنمية، وتوقفت تراخيص في قطاعات الطاقة والنقل.

القطاع الجوي: رغم استمرار عمل المراقبين الجويين وموظفي الأمن باعتبارهم من الفئات "الأساسية"، إلا أن الضغوط النفسية والمالية الناتجة عن غياب الرواتب انعكست على انتظام الرحلات في بعض المطارات.

الحدائق الوطنية والمرافق الرمزية: أُغلقت عشرات المتنزهات والمواقع الوطنية، ما كبّد الولايات التي تعتمد على السياحة خسائر مالية ملموسة.

الاقتصاد الكلي: تشير تقديرات محللين اقتصاديين إلى أن كل أسبوع إضافي من الإغلاق يخصم ما بين 0.1 و0.2 نقطة مئوية من نمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، أي ما يعادل خسائر تقترب من 15 مليار دولار أسبوعياً.

برامج المساعدات الغذائية: حذرت وزارة الزراعة من أن استمرار الإغلاق قد يؤثر على صرف إعانات الغذاء لنحو 42 مليون أميركي مع بداية نوفمبر، مع قرب نفاد التمويل الاحتياطي.

تاريخ من الإغلاقات... والنتيجة واحدة

لم يكن الإغلاق الحكومي الحالي الأول في تاريخ الولايات المتحدة، لكنه يعيد إلى الأذهان سلسلة من المواجهات السياسية التي شلّت عمل الحكومة الفدرالية في العقود الأخيرة

إغلاق 2018–2019 استمر 35 يوماً وكان الأطول في تاريخ البلاد، بسبب الخلاف بين الرئيس ترامب آنذاك والكونغرس حول تمويل الجدار الحدودي مع المكسيك. تسبب حينها في تعطيل نحو ربع أنشطة الحكومة وتأخير رواتب 800 ألف موظف.


شاهد أيضاً: مع استمرار الإغلاق الحكومي في أميركا... قلق عالمي وأسواق تهتزّ بين الخوف والفرص


ثم جاء إغلاق 2013 دام 16 يوماً خلال إدارة الرئيس باراك أوباما، على خلفية الخلاف حول تمويل قانون الرعاية الصحية المعروف بـ"أوباما كير".

كما شهد عام 1995–1996 إغلاق استمر 21 يوماً خلال عهد الرئيس بيل كلينتون، نتيجة مواجهة مع الكونغرس الذي كان يسيطر عليه الجمهوريون بشأن خفض الإنفاق وبرامج الرعاية الاجتماعية.

كما شهدت التسعينيات إغلاقات أقصر امتدت لأيام معدودة، وكانت جميعها نتيجة خلافات سياسية على بنود الإنفاق والديون.

تاريخياً، كانت هذه الإغلاقات تنتهي بتسويات مؤقتة تُعيد تشغيل الحكومة لفترة قصيرة، قبل أن تتجدد الخلافات عند موعد التمويل التالي، ما يعكس طابعها الدوري المرتبط بصراعات داخل الكونغرس.

المواطن الأميركي.. المتضرر الأول من الشلل الحكومي

رغم أن الإغلاق يُدار من قاعات السياسة في واشنطن، فإن تداعياته تضرب مباشرة الحياة اليومية للمواطنين الأميركيين الذين تتأخر رواتبهم ويعيشون من راتب إلى راتب، وتأخر شيك واحد كفيل بإرباك ميزانياتهم الشخصية.

بخلاف تعطيل المعاملات الإدارية من تراخيص الشركات الصغيرة، طلبات القروض، وبرامج الدعم الحكومي توقفت أو تأخرت، ما أضر بالقطاع الخاص المحلي، كما أن  العديد من برامج البنية التحتية والطاقة النظيفة توقفت بسبب تعليق المنح الفدرالية، ما أدى إلى خسائر للعمال والمقاولين.

ويتأثر أيضاً قطاع الطيران والسفر حيث تتسبب في اضطرابات في مواعيد الرحلات وازدياد الضغط على العاملين في المطارات، في ظل غياب رواتبهم الشهرية.

وتواجه أيضاً المساعدات الاجتماعية للأسر ذات الدخل المحدود خطر انقطاع المساعدات الغذائية في حال استمرار الإغلاق لأسابيع إضافية.

ومع أن الرواتب تُدفع لاحقاً بأثر رجعي، فإن الضرر المالي والنفسي الفوري على ملايين الأسر لا يمكن تعويضه بسهولة.

أداة سياسية في صراع واشنطن

تحوّل الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة إلى أداة سياسية يستخدمها الحزبان الرئيسيان للضغط وتحقيق مكاسب تشريعية. فبينما يطالب الجمهوريون في مجلس النواب بتخفيضات حادة في برامج الرعاية الاجتماعية وتقليص حجم الإنفاق الفدرالي، يتمسك الديمقراطيون في مجلس الشيوخ بضرورة حماية التمويل المخصص للبرامج الصحية والتعليمية.


اقرأ أيضاً: المحكمة العليا الأميركية تحدد موعداً للمرافعات في قضية "قانونية الرسوم الجمركية"


ويرى محللون في واشنطن أن الأزمة الحالية لا تتعلق ببند محدد في الموازنة كما حدث سابقاً مع "الجدار الحدودي" أو "أوباما كير"، بل هي انعكاس لصراع أوسع حول دور الحكومة الفدرالية نفسها، وحجم تدخلها في الاقتصاد والحياة العامة.

ويُعتقد أن كلاً من الحزبين يحاول استخدام الإغلاق لإثبات موقفه أمام قاعدته الانتخابية، في وقتٍ تقترب فيه الانتخابات النصفية، ما يزيد من تعقيد فرص الحل.

أزمة ثقة في إدارة الدولة

الإغلاق الحالي يكشف عمق الانقسام السياسي في واشنطن، ويطرح تساؤلات حول قدرة النظام الأميركي على إدارة الخلافات دون أن تُشلّ مؤسساته الأساسية.
ومع تراكم الأعباء المالية على الموظفين وتأثر الاقتصاد الوطني، تتزايد الضغوط على الكونغرس والبيت الأبيض للتوصل إلى حلّ سريع، خصوصاً مع اقتراب موسم الإنفاق الحكومي في الشتاء.

لكن، حتى في حال التوصل إلى اتفاق مؤقت، يرى خبراء الاقتصاد أن الإغلاقات المتكررة باتت تضر بمصداقية الحكومة الأميركية أمام المستثمرين، وتؤثر على الثقة العالمية بالدولار والاقتصاد الأكبر في العالم.

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة