كيف يُشكل الفدرالي الأميركي مسار الفائدة في 2026؟ (خاص CNBC عربية)

نشر
آخر تحديث
كيف يُشكل الفدرالي الأميركي مسار الفائدة في 2026؟ (خاص CNBC عربية)

استمع للمقال
Play

بينما تراهن وول ستريت على ثلاثة أو أربعة تخفيضات للفائدة العام المقبل، تحذر أصوات بارزة من مبالغة الأسواق في تسعير التيسير، في وقت يظل فيه التضخم مستقراً عند مستويات مرتفعة نسبياً عن المعدل المستهدف.. وذلك في الوقت الذي يراقب فيه صانعو السياسة أثر الرسوم الجمركية وارتفاع المخاطر المالية.

هذا التقرير ضمن ملف خاص أعدته CNBC عربية قبل آخر اجتماعات الفدرالي في 2025..  تحت عنوان: (كيف يفكر الفدرالي الأميركي؟)

 → التقرير السابق  —  التقرير التالي

خاص- CNBC عربية- محمد خالد

يستعد بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي لاختبار أخير في 2025، خلال اجتماع ديسمبر/ كانون الأول، يواجه خلاله إشارات متعارضة، قد تعيد رسم ملامح السياسة النقدية للعام المقبل.

بين توقعات الأسواق بخفض وشيك للفائدة وضبابية البيانات الاقتصادية المتأثرة بالإغلاق الحكومي الأخير، يجد الفدرالي نفسه أمام مشهد معقد يتطلب توازناً دقيقاً بين دعم النشاط الاقتصادي والحفاظ على مصداقية معركته ضد التضخم.

ومع تطلع المستثمرين إلى العام 2026، يتزايد الجدل حول الاتجاه الذي ستسلكه الدورة النقدية في ظل تغيّرات داخلية وخارجية عميقة.

تكشف أحدث قراءات الأسواق عن ميل متصاعد لتوقع دورة تيسير ممتدة تمتد إلى 2026 -وهو ما تُظهره بيانات CME FedWatch- مع رهان على عدة تخفيضات متتالية قد تدفع الحد الأدنى لأسعار الفائدة إلى مستوى 3 بالمئة.

تأتي هذه التوقعات في ظل عديد من المؤشرات من بينها بوادر الضعف في سوق العمل الأميركية والتي باتت أكثر حضوراً، من تباطؤ التوظيف إلى انحسار الطلب على العمالة في عدد من القطاعات الحساسة. ومع ذلك، فإن هذا الاتجاه لا يُعد كافياً وحده لدفع الفدرالي إلى مسار خفض سريع، مع وجود اعتبارات مالية وسياسية أوسع نطاقاً تعيد تشكيل حسابات المخاطر في المؤسسة النقدية الأولى في العالم.

وتضع سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولايته الثانية بصمتها الواضحة على المشهد الاقتصادي، مع رغبة معلنة في دفع النمو الاسمي إلى مستويات تتجاوز تكلفة الاقتراض وزيادة الدين، في محاولة لتخفيف العبء عن المالية العامة وتحسين الصورة الإجمالية للدين الفدرالي، وهو التوجه الذي يجعل أسعار الفائدة المنخفضة عنصراً محورياً في استراتيجية الإدارة، بما يشمل إضعاف الدولار، خفض الضرائب، وتحرير قيود الأعمال. وفي ظل هذه البيئة، ترتفع التساؤلات حول مدى قدرة الفدرالي على عزل قراراته عن الضغوط السياسية المتصاعدة.

وفي إطار هذا المشهد المتشابك، تطرح وول ستريت سيناريوهات أكثر تدرجاً لسياسة الفدرالي في 2026؛ إذ يرى البعض أن دورة التيسير ستبدأ بوتيرة محسوبة في النصف الأول من العام، مدفوعة بتراجع تدريجي في التضخم واستمرار الهبوط في مؤشرات سوق العمل، على أن يعقب ذلك توقف مؤقت يتيح تقييم أثر التيسير على النشاط الاقتصادي، خاصة في ظل روابط الاقتصاد الأميركي بالبيئة العالمية المتقلبة.

اعتبارات أخرى تواجه خفض الفائدة

يُظهر مسح CME FedWatch أن الأسواق تتوقع خفضاً من مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي في ديسمبر من هذا العام، ثم ثلاثة تخفيضات أخرى في 2026، ليصل الحد الأدنى من النطاق المستهدف لأسعار الفائدة إلى 3.0%.

لكن وبينما "تشير بوادر الضعف في سوق العمل الأميركية إلى مبرر لتخفيف السياسة النقدية"، إلا أن  "هناك اعتبارات أخرى أيضاً"، بحسب ما يؤكده مدير الاستثمار في شركة إيه جيه بيل، روس مولد، لدى حديثه مع CNBC عربية.

يقول مولد إن "الولاية الثانية لترامب يبدو مصمَمَة على دفع الاقتصاد الأميركي نحو النمو السريع بحيث يتجاوز النمو الاسمي كلاً من أسعار الفائدة ونمو الدين، من أجل خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في العناوين الرئيسية، وجعل الدين الفدرالي -وفاتورة فوائده السنوية البالغة 1.1 تريليون دولار-أكثر قابلية للإدارة".

وفي هذا السياق، تشكل أسعار الفائدة المنخفضة، وضعف الدولار، وتراجع أسعار النفط، وخفض الضرائب الشخصية، وإزالة القيود التنظيمية -جميعها-جزءاً من خطة النمو هذه.

بوادر الضعف في سوق العمل الأميركي تشير إلى مبرر لتخفيف السياسة النقدية، لكن هناك اعتبارات أخرى أيضاً

مدير الاستثمار في شركة إيه جيه بيل، روس مولد

لـ CNBC عربية

كما تُعد تكاليف الاقتراض المنخفضة مرغوبة لتخفيف عبء الفوائد الفدرالية، الذي يهدد بإزاحة النمو والاستثمار عبر أجزاء واسعة من الاقتصاد الأميركي. وهذا يساعد في تفسير سبب حرص ترامب ووزير الخزانة سكوت بيسنت على تشجيع الاحتياطي الفدرالي على خفض أسعار الفائدة؛ إذ يُنظر إلى هذا الضغط السياسي باعتباره سبباً إضافياً يجعل الأسواق تتوقع سياسة نقدية أكثر تيسيراً في 2026 مع بدء الاعتبارات المالية في فرض إيقاعها، بحسب مدير الاستثمار في شركة إيه جيه بيل.

ويضيف: أما الخطر، فهو أن تتساءل الأسواق عمّا إذا كان الاحتياطي الفدرالي سيغامر بمواجهة التضخم، طواعية أو تحت الضغط.
ويعتقد بأن "عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عامين يبدو أقلّ قناعة بأن التضخم تحت السيطرة بالكامل؛ إذ يبلغ 3.49 بالمئة، ما يشير إلى أن أسعار الفائدة ستبلغ القاع في 2026 ثم تبدأ بالارتفاع في 2027".

اقرأ أيضاً: مسؤولان سابقان بالفدرالي يكشفان لـ CNBC عربية: كيف يفكر "جيروم باول" ورفاقه؟

وقد يعكس هذا أن معدل التضخم الرئيسي في الولايات المتحدة لم يتغير منذ يناير/ كانون الثاني الماضي وبدء الولاية الثانية للرئيس ترامب، فضلاً عن حالة عدم اليقين المستمرة بشأن ما قد تعنيه الرسوم الجمركية للأسعار في السنوات المقبلة، بعدما بدأت الشركات في استنفاد ما تبقى من المخزونات التي جمعتها كاحتياط قبيل "يوم التحرير" في أبريل/ نيسان.

وبحسب استطلاع بنك الاحتياطي الفدرالي في فيلادلفيا، لا يتوقع المتنبئون تغيرًا يُذكر في المؤشرات الرئيسية والأساسية لتضخم أسعار المستهلك ونفقات الاستهلاك الشخصي للربع الحالي. ويتوقعون أن يبلغ متوسط تضخم مؤشر أسعار المستهلك للربع الحالي 3.1% سنويًا، بارتفاع طفيف عن التوقعات السابقة البالغة 3.0%. وسيبلغ معدل تضخم أسعار الاستهلاك الشخصي للربع الحالي 2.9% سنويًا، بانخفاض عن التقدير السابق البالغ 3.0%.

وعلى مدى السنوات العشر المقبلة، من عام 2025 إلى عام 2034، يتوقع المتنبئون أن يبلغ متوسط التضخم السنوي لمؤشر أسعار المستهلك الرئيسي 2.38%، وهو أعلى من تقديرات المسح السابق البالغة 2.31%. ويبلغ متوسط التضخم السنوي لنفقات الاستهلاك الشخصي لعشر سنوات 2.20%، وهو دون تغيير عن التقدير السابق.

رهان وول ستريت

وتراهن وول ستريت على ثلاثة أو أربعة تخفيضات لأسعار الفائدة في العام المقبل 2026 من قبل الفدرالي.

فيما تقول سارة ديفرو، التي تُشرف على أصول بقيمة 2.8 تريليون دولار بصفتها رئيسة الدخل الثابت في "فانغارد"، إنها تتوقع أن يخفض الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة مرة أو مرتين بعد خفضين متتاليين بربع نقطة مئوية هذا الخريف. وتتباين توقعاتها بشكل حاد مع رهانات الأسواق التي ترجّح ثلاثة إلى أربعة خفضات بحلول نهاية 2026.

وقالت ديفرو في مقابلة مع فايننشال تايمز: "هناك عدد كبير من الخفضات مسعّر حالياً في السوق.. السوق تبالغ في الاعتماد على ذلك.. ربما لدينا خفض أو خفضان إضافيان". وتعتقد بأن الفدرالي قد يصل إلى مستوى الفائدة "الحيادي" – أي المستوى الذي لا يسرّع النمو ولا يبطئه – بحلول "منتصف العام المقبل".

ويأتي هذا التوقع المتشدد من واحدة من أكبر مديري الأصول في العالم في وقت يدور فيه جدل داخل الفدرالي حول ما إذا كان ينبغي خفض الفائدة في ديسمبر. إذ يوازن صانعو القرار بين مؤشرات الضعف في سوق العمل من جهة، وبين التضخم المرتفع بشكل مستمر والنمو المعتدل من جهة أخرى.

ويتوقع جي بي مورغان أن يصل مؤشر ستاندرد آند بورز 500 إلى 7500 نقطة في عام 2026  أو يرتفع إلى ما يزيد عن 8000 نقطة إذا استمر بنك الاحتياطي الفدرالي في خفض أسعار الفائدة.

استقلالية الفدرالي

وفي حين يظل بنك الاحتياطي الفدرالي منقسما بشأن ما إذا كان ينبغي خفض أسعار الفائدة للمرة الثالثة قبل اجتماعه الأخير للسياسة النقدية هذا العام، فإن التغييرات القادمة في تكوين اللجنة بدأت في إعطاء شكل لاتجاه السياسة في العام المقبل.

مع اقتراب موعد مغادرة جيروم باول رئاسة الفدرالي خلال العام المقبل، يعود ملف استقلالية البنك المركزي إلى الواجهة. وبينما يذهب البعض إلى أن التغيير قد يحمل معه نبرة مختلفة أو توجهاً جديداً، فإن آخرين يرون أن الضوابط المؤسسية للولايات المتحدة، إضافة إلى قوة رد فعل الأسواق، تجعل أي محاولة للتأثير المباشر في قرارات الفدرالي خياراً مكلفاً وغير عملي. ذلك أن أي اهتزاز في مصداقية البنك المركزي ينعكس فوراً في ارتفاع علاوات المخاطر وتشديد الأوضاع المالية، وهي نتائج لا الإدارة ولا الأسواق قادرة على تحملها في المرحلة الحالية.

المسار الأكثر احتمالاً

يرى الرئيس التنفيذي المشارك للاستثمار في "كلاي غروب"، أوداي فيكرام، أن "المسار الأكثر احتمالاً لسياسة الاحتياطي الفدرالي في عام 2026 سيكون مسار تيسير حذر يعقبه توقف مؤقت"، موضحاً لـ CNBC عربية أنه "مع تباطؤ معدلات التضخم تدريجياً واستمرار مؤشرات التراجع في سوق العمل، نتوقع خفضاً يتراوح بين 2 و3 مرات خلال النصف الأول من العام، وبأسلوب تدريجي يعتمد بشكل كامل على البيانات الواردة".

وبعد هذه المرحلة، يرجّح أن يحافظ الفدرالي على ثبات أسعار الفائدة لفترة ممتدة؛ بهدف تقييم انعكاسات السياسة النقدية المخفَّفة على الاقتصاد الأميركي، في ظل ترابطه الوثيق مع التطورات العالمية.

المسار الأكثر احتمالاً لسياسة الاحتياطي الفدرالي في عام 2026 سيكون مسار تيسير حذر يعقبه توقف مؤقت

الرئيس التنفيذي المشارك للاستثمار في "كلاي غروب"، أوداي فيكرام

لـ CNBC عربية

ويضيف: "مع تقدم دورة السياسة النقدية، سينتقل الجدل إلى مستوى الفائدة المحايد والنهائي الذي ينبغي الوصول إليه، مع الأخذ في الاعتبار عوامل متوسطة الأجل مثل المخاطر المالية، وتأثيرات الإنتاجية المدفوعة بالذكاء الاصطناعي، وأي آثار تضخمية طويلة الأمد قد تخلّفها التعرفات الجمركية".

أما فيما يتعلق باستقلالية الاحتياطي الفدرالي بعد مغادرة جيروم باول العام المقبل، يقول الرئيس التنفيذي المشارك للاستثمار في "كلاي غروب":  "لا نتوقع تغيراً جوهرياً في نبرة المجلس أو استقلال قراره حتى لو تم تعيين رئيس جديد في مايو/ آيار"؛ فرغم احتمال تصاعد الخطاب السياسي، تبقى الضوابط المؤسسية الأميركية قوية بما يكفي للحيلولة دون أي تدخل مباشر.

إضافة إلى ذلك، لطالما لعبت الأسواق دوراً رادعاً؛ فأي اهتزاز في مصداقية الفدرالي ينعكس فوراً بارتفاع علاوات المخاطر وتقلبات الدولار وتشديد الأوضاع المالية، وهي نتائج يسعى صناع السياسات إلى تجنبها.

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة