هل نجحت خطة المملكة المتحدة في التحول إلى "قوة عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي"؟

نشر
آخر تحديث
مركز بيانات شمال إنغلاند، بريطانيا

استمع للمقال
Play

في يناير/كانون الثاني من مطلع العام 2025، أعلنت المملكة المتحدة عن استراتيجيتها الوطنية للذكاء الاصطناعي، والتي أشاد بها رئيس الوزراء كير ستارمر آنذاك، واصفاً إياها بأنها خطة لجعل البلاد "قوة عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي". فما هو حجم النجاح في إرساء هذه الخطة؟.

بحسب المعنيين في هذا القطاع أن حملت التزامات شركات التكنولوجيا الكبرى بالاستثمار في البنية التحتية اللازمة لتشغيل هذه التقنيات، إلى جانب التشريعات الحكومية الداعمة لمراكز البيانات، مؤشرات إيجابية.


اقرأ أيضاً: من OpenAI إلى إنفيديا.. الشركات تستثمر المليارات في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي خلال 2025


لكن المنتقدين يشيرون إلى ارتفاع تكلفة الطاقة وتأخر الوصول إلى الشبكة الوطنية كعقبات رئيسية.

في هذا الإطار، قال بن بريتشارد، الرئيس التنفيذي لشركة AVK، الموردة للطاقة لمراكز البيانات، لشبكة CNBC: "لم يتم التوافق بعد بين الطموح والتنفيذ".

وأضاف: "لقد أعاق النمو بشكل كبير قيود توفر الطاقة. وقد أدت اختناقات الشبكة، على وجه الخصوص، إلى إبطاء وتيرة التطوير، ما يعني أن المملكة المتحدة لا تنشر البنية التحتية بالسرعة الكافية لمواكبة المنافسين العالميين".

تأخيرات في ربط الشبكة

لا يزال تطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في المملكة المتحدة في مراحله الأولى، حيث لا تزال مناطق نمو الذكاء الاصطناعي في مراحلها التطويرية الأولية.

لم تبدأ أعمال البناء بعد في موقع أوكسفوردشير، وهو أول موقع أُعلن عنه في فبراير، ولا يزال قيد الدراسة لعروض الشركاء المنفذين. في المقابل، بدأت أعمال تجهيز الأرض في موقع آخر بشمال شرق إنكلترا، أُعلن عنه في سبتمبر، ومن المقرر أن تبدأ أعمال البناء الرسمية مطلع عام 2026.

في نوفمبر، كُشف النقاب عن موقعين آخرين في شمال وجنوب ويلز. يبحث الموقع الأول عن شريك استثماري، وقد صرحت وزارة العلوم والتكنولوجيا والابتكار DSIT لشبكة CNBC أنها تتوقع تأكيد ذلك في الأشهر المقبلة. أما الموقع الثاني، فيتكون من مجموعة مواقع، بعضها يعمل بالفعل، بينما لا تزال أعمال البناء جارية في مواقع أخرى، وفقاً لما ذكرته الوزارة.

 

في يوليو/تموز الماضي، أعلنت الحكومة البريطانية أنها تستهدف مجموعة أساسية من مناطق نمو الذكاء الاصطناعي لتلبية ما لا يقل عن 500 ميغاواط من الطلب بحلول عام 2030، مع توسيع نطاق منطقة واحدة على الأقل لتتجاوز غيغاواط واحد بحلول ذلك الوقت.

تحدي الكهرباء

لكن التحدي الأكبر الذي يواجه تحقيق هذه الطموحات هو محدودية سعة شبكة الكهرباء في المملكة المتحدة، بحسب بريتشارد.

وقال لشبكة CNBC: "يتوقع المطورون تأخيرات في ربط الشبكة تتراوح بين ثماني وعشر سنوات، وحجم طلبات الربط المعلقة، خاصة حول لندن، غير مسبوق".

وأضاف بريتشارد أن أحمال عمل الذكاء الاصطناعي "تزيد الطلب على الطاقة بشكل كبير" مع بدء الشركات والمستهلكين في استخدام هذه التقنية، مما يضع ضغطاً إضافياً على نظام الطاقة المنهك أصلًا. "لم تعد هذه مخاطر معزولة، بل إنها تُبطئ أو تُعيق التطورات في جميع أنحاء البلاد".

أدى فتح باب التقديم لمبادرة مناطق النمو في مجال الذكاء الاصطناعي إلى ظهور وضعٍ تقدم فيه ملاك الأراضي الذين تمر عبر أراضيهم أبراج أو كابلات كهرباء بطلبات للحصول على هذا التصنيف، وفقًا لما ذكره سبنسر لامب من شركة كاو داتا.

وأضاف لشبكة CNBC: "نتج عن ذلك تدفق هائل من طلبات الحصول على تصنيف شبكة الكهرباء الوطنية من مصادر غير موثوقة"، دون أي فرصة حقيقية للنجاح.

وضع الأسس

اتخذت هيئة تشغيل نظام الطاقة الوطني، وهي الهيئة العامة في المملكة المتحدة المسؤولة عن إدارة الشبكة الوطنية، خطواتٍ لمعالجة الوضع.

في وقتٍ سابق من هذا الشهر، أعلنت الهيئة عن خططٍ لإعطاء الأولوية لمئات المشاريع لتسريع الوصول إلى الشبكة. وامتنعت نيسو عن التعليق على ما إذا كانت مشاريع البنية التحتية للذكاء الاصطناعي من بين المشاريع ذات الأولوية، وذلك ردًا على سؤالٍ من قناة CNBC، لكنها ذكرت أن جزءاً كبيراً منها يتعلق بمراكز البيانات.

كما شهدت هذه المشاريع التزاماتٍ مالية ضخمة من عمالقة التكنولوجيا، والتي استعرضت الحكومة البريطانية العديد منها في سبتمبر.

وأعلنت شركات مايكروسوفت، وإنفيديا Nvidia، وغوغل، وأوبن إيه آي OpenAI، وكوروييف Corewave، وغيرها، عن استثماراتٍ بمليارات الدولارات في مجال الذكاء الاصطناعي خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرسمية، والتي تضمنت خططاً لنشر أحدث الرقائق في البلاد وافتتاح مراكز بيانات جديدة.


 اقرأ أيضاً: شركات التكنولوجيا تنقل ديون مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي بـقيمة 120 مليار دولار خارج الميزانيات


بدورها، أعلنت شركة Nscale الناشئة المحلية، التي توفر الوصول إلى الحوسبة الخاصة بالذكاء الاصطناعي وتقوم ببناء مراكز البيانات، عن صفقات لنشر عشرات الآلاف من رقائق Nvidia في مصنع للذكاء الاصطناعي خارج لندن مباشرة بحلول أوائل عام 2027.

قال بونيت غوبتا، المدير العام لشركة NetApp المتخصصة في بنية البيانات في المملكة المتحدة وأيرلندا، لشبكة CNBC: "لقد أرست استثمارات كبرى الشركات الخاصة أسساً مهمة. كما يتزايد الزخم حول الحواسيب العملاقة البحثية الوطنية وخطط زيادة القدرة الحاسوبية، مع التزامات بإنشاء "مصانع عملاقة" للذكاء الاصطناعي في المملكة المتحدة".

لكن غوبتا أشار إلى أن "الاختبار الحقيقي" يكمن في مدى سرعة تحويل هذه الخطط إلى قدرة حاسوبية قابلة للاستخدام من قبل المؤسسات البريطانية.

تجنب "الاندفاع السريع" نحو بنية الذكاء الاصطناعي

لكن هذا الاندفتع تعترضه تحديات، بحسب ما أوضح ستيوارت أبوت، المدير الإداري لشركة VAST Data المتخصصة في بنية الذكاء الاصطناعي في المملكة المتحدة وأيرلندا، لشبكة CNBC، معتبراً أن نجاح تطوير بنية الذكاء الاصطناعي في البلاد على المدى الطويل يتطلب الاستثمار في "البنية الكاملة"، بما في ذلك خطوط نقل البيانات، والتخزين، ومصادر الطاقة، والأمن، والمواهب والمهارات.

وأضاف: "هذا يعني تطوير بنية تشغيلية تمكّن المؤسسات الحقيقية من نشر الذكاء الاصطناعي بأمان وعلى نطاق واسع. إذا أرادت المملكة المتحدة أن يكون هذا التطور مستداماً لا مجرد انتعاش مؤقت، فعليها التعامل مع بنية الذكاء الاصطناعي التحتية كما تتعامل مع البنية التحتية الاقتصادية".

وتُعدّ التحديات كبيرة. فقيمة صفقات مراكز البيانات في أوروبا ضئيلة مقارنةً بالمبالغ الضخمة التي تُضخّ في مشاريع مماثلة في الولايات المتحدة. كما أن المملكة المتحدة تُعاني حالياً من أغلى أسعار الطاقة في أوروبا، والتي تزيد بنحو 75% عما كانت عليه قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، فضلًا عن بنية تحتية قديمة لشبكة الكهرباء قد تستغرق سنوات عديدة لربطها بالمواقع الجديدة.

قال بريتشارد من شركة AVK إن أحد الحلول المحتملة للمشاريع التي لا تستطيع تأمين الوصول إلى الشبكة الوطنية للطاقة هو الشبكات المصغرة. الشبكات المصغرة عبارة عن شبكات طاقة مكتفية ذاتياً تعتمد على مصادر مثل المحركات والطاقة المتجددة والبطاريات.

وتقوم AVK حالياً بتصميم شبكتين مصغرتين لشركاء يبنون حوسبة سحابية، ولكن ليس للذكاء الاصطناعي، في المملكة المتحدة. ووفقاً لبريتشارد، قد يستغرق بناء هذه الشبكات حوالي ثلاث سنوات، وتكلف حوالي 10% أكثر من الطاقة من الشبكة الحالية.

وأضاف أبوت من شركة VAST Data أن وضع الحوسبة في مواقع تتوفر فيها الطاقة بالفعل، بدلاً من "إجبار كل شيء على أن يكون في مواقع جديدة تماماً"، وهو مصطلح يُستخدم لوصف المواقع غير المطورة، يُعد أيضاً وسيلة لتسريع تشغيل بنية الذكاء الاصطناعي التحتية.

وأكد لامب من شركة Kao Data لشبكة CNBC أن سرعة التنفيذ ستكون حاسمة. "ما لم يتم حل القضايا الأساسية المتعلقة بتوافر الطاقة وتسعيرها، وحقوق الملكية الفكرية للذكاء الاصطناعي، وتمويل تطوير الذكاء الاصطناعي بسرعة، فإن المملكة المتحدة ستفوت واحدة من أبرز الفرص الاقتصادية في عصرنا، وتخاطر في نهاية المطاف بأن تصبح منطقة متخلفة دولياً في مجال الذكاء الاصطناعي".

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة