من هم الرابحون والخاسرون من تراجع النفط؟

نشر
آخر تحديث

شكّل التراجع المتواصل في أسعار النفط إلى مستويات لم تصل إليها منذ أكثر من عشر سنوات السبب الرئيس لحالة التوتر لدى المستثمرين والتقلّبات التي شهدتها الأسواق خلال الأسابيع القليلة الماضية، ولطالما كانت المعنويات أحد المحرّكات الأساسية لأسعار الأسهم ويصحّ هذا الأمر أيضاً عند تقويم أثر انخفاض سعر النفط على الأسواق البيئية. تبدو هذه الصورة معقدة مع وجود فجوة معرفية كبيرة خلقت حالة تفاوت هائلة بين المعنويات والواقع، فعلى سبيل المثال، كان العديد من الخبراء قد توقعوا أن تصيب هذه التطوّرات قطاع الطاقة المتجدّدة بمقتل، ولكن معظم شركات الطاقة المتجددة المدرجة في البورصة أثبتت مرونتها في مواجهة الشدائد وكانت من بين الأفضل أداءً في الاستراتيجية البيئية خصوصا في الولايات المتحدة الأميركية لعام 2015. وقد أسهم تباطؤ النمو في الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتحسن كفاءة استعمال الطاقة في إبطاء الطلب على النفط، لكن القضايا المرتبطة بجانب الطلب لاتزال هي المهيمنة في السوق. وكانت منظمة أوبك قد قررت المحافظة على مستويات الإنتاج المرتفعة في حين عاودت إيران وليبيا ضخ النفط في الأسواق. ومن المحتمل أن تقود هذه المخزونات المرتفعة إلى حصول تخمة في القدرة التخزينية وبالتالي إلى تراجع إضافي في أسعار النفط، ومن المرجح أن يحصل تراجع في إنتاج النفط الصخري الأميركي هذا العام، ولكن ليس بالمقدار أو السرعة التي يريدها المنتجون في أوبك. وكانت أسعار النفط قد بدأت بالتراجع اعتباراً من 110 دولارات في أواسط 2014، وفي يونيو/ حزيران 2015، وقف السعر عند 60 دولاراً للبرميل لكنّه انهار حتّى وصل إلى مستوى قريب من 40 دولارا حاليا، ورغم أن المحللين يحاولون التكهّن بالقاع الذي ستصل إليه الأسعار، حيث أن غولدمان ساكس يتحدّث عن 20 دولاراً للبرميل كقاع لسعر النفط، إلا أنّه يبدو بأن أسعار النفط المنخفضة ستظل سائدة خلال السنتين المقبلتين. وتشير العقود الآجلة حالياً إلى نطاق سعري بين 40 و60 دولاراً للبرميل خلال تلك الفترة، لكن معظم المعلقين يرون بأن الأسعار سترتفع مجدداً على المدى البعيد. وبالتالي ما هو تأثير ذلك على الطاقة المتجددة؟ يرى أحد الخبراء في المجال أنّ الارتباط بين الأسواق البيئية وأسعار النفط محدود جدّاً، لكن العلاقة معقدة. الرابحون: إن القطاعات التي ستستفيد من انخفاض أسعار النفط هي القطاعات التي يعتبر النفط فيها أحد المكوّنات الأساسية للتكاليف، وتشمل القائمة الشركات الصانعة للمواد الكيماوية الخاصة بمعالجة المياه، ومواد العزل، وتعليب الأطعمة، وبعض الشركات المتخصصة بالمواد الزراعية. كما أنّ شركات إدارة النفايات والنقل العام تدفع تكاليف كبيرة لتغطية أسعار الوقود وبالتالي فهي تستفيد ضمن هذه الأجواء. ومع تراجع أسعار البنزين في أمريكا، فإن مزيج السيارات المباعة بدأ يتغيّر حيث ارتفعت مبيعات المركبات الأكبر حجماً وسيارات الدفع الرباعي التي تتضمّن أجهزة فلترة وتكنولوجيات أكثر تعقيداً لضبط الانبعاثات مقارنة بالسيارات الصغيرة، ممّا يشكّل فرصاً أفضل لكفاءة الطاقة في قطاع النقل وشركات مكافحة التلوث. الخاسرون: يعاني الوقود الحيوي من انخفاض أسعار البنزين في أميركا، ويؤثّر هذا الأمر تحديداً على الإيثانول الحيوي من الجيل الأول الذي يتم إنتاجه من المحاصيل الغذائية مثل زيت النخيل، وقصب السكر، وغيرها، أمّا الجيل الثاني الأكثر تقدما من الوقود الحيوي (المستخرج من الكتلة الحيوية) فلا يتأثر بذات القدر من الحدّة بما أنّه محمي بآلية قانونية تفضيلية في أمريكا الشمالية. تشمل الفرص الاستثمارية في قطاع المياه كلاً من شركات إمداد المياه، والبنية التحتية وشركات معالجة مياه الصرف الصحي، كما أن بعض الشركات المتخصصة بالبنية التحتية للمياه تبيع المضخات والأنابيب والصمامات في سوق النفط وبالتالي فقد عانت من الآثار السلبية الناجمة عن انخفاض الأنشطة في هذا القطاع. كما أن الشركات المتخصصة بإعادة تدوير الزيوت التي تقدّم مجموعة من الخدمات بهدف تلبية خدمات معالجة الزيوت القذرة أو المهدورة وإعادة تدويرها في قطاع الهندسة والسيارات، والقطاعين البحري والصناعي، فهي أيضاً تعاني نتيجة تراجع الأحجام والأسعار، في حين أن الشركات الاستشارية في مجال البيئة تعاني من تراجع أعداد العقود الموقعة مع شركات النفط والغاز، وعلى المدى البعيد، قد يصبح قطاع النفط قطاعاً أصغر بكثير. وكانت 195 دولة قد تعهدت في اتفاقية المناخ التي وقعت في باريس في ديسمبر الماضي بالمحافظة على عدم زيادة معدّل درجة حرارة الكرة الأرضية أكثر من  درجتين مئويتين فوق المستويات التي كانت سائدة قبل الحقبة الصناعية، وهذا يعني بأننا قد لا نكون قادرين على حرق الكميات ذاتها من الطاقة التي نراها حالياً في ميزانيات شركات النفط. وهذا يعني بأن تلك الكميات من النفط ستظل محبوسة تحت الأرض عملياً، لكن تكلفة استخراج النفط تتفاوت بشكل كبير، وبالتالي فإن النفط الذي يحتاج إلى أكبر تكلفة لاستخراجه هو النفط المرشح لأن يظل في باطن الأرض، وتحديداً الرمال القطرانية الكندية، والنفط الصخري، وسيحصل تراجع كبير في قيمة الشركات العاملة في هذه المجالات. ويتوقع الخبير في مجال الطاقة المتجددة جون فوستر لبعض الشركات والقطاعات الخاسرة أن تشكل فرصاً للاستثمار إلى المديين القصير إلى المتوسط مع تزايد الثقة بحصول استقرار في أسعار النفط، لافتا الى أنه "على المدى البعيد، ستبدأ أسعار النفط بالزيادة، لكن في الوقت ذاته نجد أن اهتمام المستثمرين بمصادر الطاقة البديلة وكفاءة الطاقة في أعلى مستوياته التاريخية أيضاً". وكانت الاتفاقية المناخية التي وقعت في باريس قد زادت من الوعي بالكثير من القضايا المتعلقة بحرق الوقود الأحفوري كما أن الموقف الأخير من أوبك يبدو ملفتاً للانتباه، حيث يحمل اعترافاً ضمنياً من كبار منتجي النقط بأنّ الوقود الأحفوري سيظل عالقاً في باطن الأرض في نهاية المطاف.

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة