عودة حذرة إلى الأسواق الناشئة مع استمرار غيوم العاصفة

نشر
آخر تحديث

من المرجح أن تبدو على الأسواق الناشئة مظاهر رخص الأسعار فيها من جديد بعد ما شهدته من استنزاف على مدى سنوات لكن ثمة قدرا كبيرا من الخوف من المجازفة بالعودة إلى أسواق العالم النامي إلى أن ينقشع غمام العواصف المالية والسياسية بالكامل. وقد بدأ المستثمرون الدوليون عودتهم الحذرة إلى الاستثمار في الأصول بالأسواق الناشئة على مدى الأسابيع الستة الماضية لأسباب من بينها على الأقل آمال بأن ما شهده العام الجديد من غربلة جريئة ربما يكون تسليما نهائيا بعد ثلاثة أعوام من التيارات النزولية وخيبات الأمل. ويقول معهد التمويل الدولي إن المستثمرين الأجانب استثمروا حوالي 36.8 مليار دولار مرة أخرى في الأسهم السندات بالأسواق الناشئة في مارس وهو أعلى مستوى لتدفق الاستثمارات خلال ما يقرب من عامين كما أن هذا المستوى أعلى بكثير من المتوسطات الشهرية على مدى السنوات الأربع الأخيرة. ومع ذلك فليست هذه سوى خطوات طفل يحبو. ولكي يوضع هذا الرقم في سياقه الصحيح فإن الحجم الإجمالي لصافي تدفقات رأس المال الخارجة من الأسواق الناشئة في عام 2015 بلغ نحو 730 مليار دولار. ولكي تصفو السماء لابد من انقشاع ثلاث غمامات أولها خوف متخلف من ارتفاع نسب الفائدة الأمريكية وصعود قيمة الدولار مما يفرض ضغوطا على المقترضين بالعملات الصعبة في الأسواق الناشئة وعلى العملات المحلية ويفرض قيودا على الائتمان أشد من اللازم لدعم الاقتصادات الآخذة في الضعف. وثانيها التباطوء الاقتصادي في الصين وما يخلفه من آثار على أسعار السلع الأولية والأسواق الناشئة عموما. وثالثها زيادة كبيرة في المخاطر السياسية في بلدان كثيرة مثل البرازيل وتركيا وجنوب أفريقيا والضغوط التي ضخمها الركود الاقتصادي والبطالة المتنامية والتي تؤدي بدورها إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية وما يصيب السياسات من شلل على أرض الواقع. ولم يتم تسوية المشكلتين العالميتين الأولى والثانية. ويكمن العامل المشجع في الأسواق العالمية على مدى الشهر الأخير في تردد مجلس الاحتياطي الاتحادي (الفدرالي الأمريكي) في رفع الفائدة بعد أن رفعها في ديسمبر للمرة الأولى خلال ما يقرب من عشر سنوات وما نتج عن ذلك من نكوص الدولار على أعقابه. لكن تجدد الموقف المتشدد من جانب مجلس الاحتياطي الاتحادي مع اقتراب نهاية الربع الأول من العام يثير إمكانية حدوث انتكاسة لاسيما إذا كان انتعاش الأصول الناشئة مجرد عملية إعادة توازن في المحافظ الاستثمارية بعد عزوف مستفحل وإذا كنت تعتقد أن دورات ارتفاع الدولار تبقى تاريخيا لفترة أطول من ذلك. ومازال خبراء الاستراتيجية لدى جيه.بي. مورغان متفائلين بأداء الأسواق الناشئة على مدى الأشهر الثلاثة المقبلة لأسباب ليس أقلها أن الصناديق متعطشة للدخل في الأسواق المتقدمة. لكنهم يسلمون بأنه لا يوجد تحسن صرف في الصورة الاقتصادية وأن تحركات الأسعار تقوم على أساس إعادة ترتيب المراكز فقط. وقال خبراء الاستراتيجية في مذكرة للعملاء "في ضوء الأداء السيء على مدى ما يقرب من خمس سنوات في الأسهم والصرف الأجنبي بالأسواق الناشئة - وفي ضوء المحاورات الأخيرة مع المستثمرين - ربما يستغرق الأمر بضعة أشهر على الأقل قبل أن يصبح المستثمر العادي محايدا مرة أخرى." البقاء بعيدا لذلك فربما تكتسب الحركة بعض القوة لكنها تظل عرضة بدرجة كبيرة للتراجع إذا ما أصبح الطقس العالمي عاصفا من جديد. فباديء ذي بدء تتوقف وجهة النظر المتفائلة لدى جيه.بي مورغان على اختفاء خطر تخفيض قيمة اليوان الصيني بما قد يؤدي إلى بلبلة. ورغم أن موقف الصين كان قويا في هذا الصدد فلا يمكن للمستثمرين التيقن من اتجاهات أسواق الصين. وقال كريستوف دوناي رئيس قسم توزيع استثمارات الأصول بوحدة إدارة الثروات في شركة بكتيت السويسرية إن الصين ربما تبقي على الوضع الراهن في الوقت الحالي لكن ثمة مخاطرة كبيرة على مدى السنوات الثلاث المقبلة بلحظة مفاجئة تنهار فيها أسعار الأصول بسبب الضغوط الائتمانية وضغوط العملات مثل ما تنبأ به عالم الاقتصاد هايمان مينسكي. وأضاف دوناي "سنظل بعيدين عن أصول الأسواق الناشئة لهذا السبب ونحتفظ بقدر محدود للغاية من الانكشاف في الأسواق الناشئة". وفي ضوء مثل هذا التشكك في البيئة العالمية السائدة فإن العودة لأسواق صدعتها مخاطر سياسية داخلية متباينة ولكن ذات تأثير هدام إلى حد بعيد تبدو جرأة على أقل تقدير. فالصراع السياسي في البرازيل التي تعاني من ركود شديد لم يصل بعد إلى أشده. وتكافح الرئيسة ديلما روسيف لإنقاذ رئاستها وتقاوم مسعى لتوجيه الاتهام لها وسط تحقيق آخذ في الاتساع في الفساد بشركة بتروبراس الحكومية للنفط. ورغم أن الأسواق ارتفعت لاحتمال تولي حكومة جديدة السلطة فمن المحتمل أن يستغرق الأمر عدة أسابيع أخرى وربما شهورا قبل أن تتضح النتيجة. وكذلك يتعرض الاقتصاد والحكومة في تركيا لضغوط بسبب الحرب الدائرة في سوريا وما نتج عنها من أزمة اللاجئين وكذلك الصراع الداخلي مع الانفصاليين الأكراد وتضييق السلطات الخناق على وسائل الإعلام المحلية بالإضافة إلى مواجهة دبلوماسية مع روسيا. ومما يزيد من مشاكل اقتصاد جنوب افريقيا المتعثر وبنيتها التحتية المتداعية ضغوط على الرئيس جاكوب زوما ووزير ماليته برافين جوردان وعلى المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم وسط اتهامات مختلفة وتحقيقات في عمليات تدخل سياسي لا داعي له وفساد مالي. أما حكومتا الصين وروسيا الأكثر استبدادا فربما تبدوان أقل تعرضا للتقلبات من الحكومات الديمقراطية المقابلة لها لكن التباطوء الاقتصادي والركود يزيدان من المخاطر السياسية فيهما أيضا. ومازال انخفاض أسعار النفط والعقوبات الخارجية تعرقل عمليات إعادة التمويل في الخارج من جانب موسكو والشركات الروسية الكبرى. ورغم أن الصورة في البرازيل قد تطغى على وضع أكثر إشراقا في المكسيك أو أن التباطوء في الصين قد يخفي مرونة في الهند فمازالت شريحة لا بأس بها من عالم الأسواق الناشئة في حالة نمو. وتمثل الصين والبرازيل وروسيا وجنوب افريقيا وتركيا معا أكثر من 42% من القيمة السوقية لمؤشر إم.إس.سي.آي لأسهم الاسواق الناشئة. وتتضمن مؤشرات المخاطر السيادية لدى بلاك روك التي تقيس احتمالات التخلف عن السداد في مختلف أنحاء العالم مجموعة فرعية من المخاطر السياسية تسمى "الاستعداد للسداد". ولا تزال هذه أكبر عامل سلبي للدول التي سجلت أكبر انخفاض على المؤشر العام في 2015 وهي البرازيل وروسيا وبيرو وكولومبيا. وقال كاماكشيا تريفدي العضو المنتدب لقسم بحوث الأسواق الناشئة لدى غولدمان ساكس "القدرات السياسية والمؤسساتية ستلعب دورا كبيرا في مضي الأسواق الناشئة للأمام". مضيفا: "هذه العوامل تصبح أكثر أهمية في عالم يشهد نموا بطيئا وتقييدا للائتمان ومن السهل عدم الالتفات إليها عندما تتسارع وتيرة النمو ويكون الائتمان وفيرا".

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة