الأزمة الاقتصادية ووسائل التواصل الاجتماعي

نشر
آخر تحديث

بعيداً عن القوى العريقة الخفية التي تمسك بزمام الاقتصاد العالمي لعقود طويلة والصدمة التي قد تعيشها حالياً من وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة لأنها ليست من صناعتها، ولسرعتها التي لم تستطع حتى الآن ترويضها وتطويعها لخدمتها بصورة كاملة، وإن استطاعت أن تسخرها لمصلحتها في بعض الأحداث، فبصورة مبسطة أثرت وسائل التواصل الاجتماعي على كل ما يحيط بالعملية التسويقية وطريقة العرض والطلب، وفتحت آفاق جديدة على حساب العمليات التجارية التقليدية من حيث تقديم الخدمات والتسويق.

فكما هو معلوم أن أية عملية تجارية بحاجة إلى الترويج والإعلانات، ووسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في الترويج ونشر الإعلانات ولكن بطريقة جديدة ومبتكرة غيرت من طريقة ترويج المنتجات والخدمات بالصورة التقليدية المتعارف عليها من خلال الصحف الورقية والقنوات الفضائية والإذاعة، ذلك أن الإعلان عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي سهل الوصول للمستهلك مقارنةً مع وسائل الإعلام التقليدية بالإضافة إلى أنه أقل كلفة، كما أن القائمين على ترويج المنتجات و الخدمات خلال وسائل التواصل الاجتماعي و إن ساق معظمهم الصدف دون أن يكونوا مختصين في الإعلام أو علم التسويق وغيرها، إلا أنه لقبول الناس لهم أصبحوا قِبْلَة للشركات لترويج منتجاتهم وخدماتهم بصرف النظر عن المضمون والمحتوى الذي يجذبون به المستهلك.

كما أن وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة ليست كوسائل الإعلام التقليدية التي تحترم متابعيها إلى حد ما، فمجرد أن نقبل باستخدام تطبيق من تطبيقات وسائل التواصل الحديثة يتم فرض الإعلان علينا، ولا تتردد بعض الشركات المنافسة أن تسيء لبعضها دون أية عملية أخلاقية أو رقابية كالتي كانت موجودة لدى وسائل الإعلام التقليدية والتي أفل نجم بعضها لإعتمادها على الإعلانات كبعض الصحف التي رغم تاريخها الطويل بدأت تحتجب عن الصدور ورقياً والحال كذلك لبعض القنوات الفضائية التي بدأت تعاني ما تعانية نتيجة شُح الإعلانات التي كانت تعتمد عليها في تمويلها واستمرارها.

وقد أدى تطور وسائل التواصل الاجتماعي وانتشارها بين يدي الجميع إلى تشجيع الكثير من الأشخاص على تقديم خدمات وصناعة بعض المنتجات التي لا تحتاج لآليات معقدة ونافست بها الخدمات والمنتجات المميزة ومنها ذات علامات تجارية معروفة، حتى أن بعضها تجاوز الحدود الجغرافية والتشريعات التجارية لكل دولة نتيجة عالمية تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا أدى إلى إضعاف بعض المهن أو طردها من الخريطة التجارية أو أنها في طريقها للخروج، واستحداث نمط جديد للمهن التي تجاوزت الحصول على التراخيص المعقدة، فيكفي الضغط على زر أي تطبيق من تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي حتى تتم العملية التجارية بين البائع والمشتري، و مما لا شك فيه أن هذا كله يؤدي إلى إضطراب الأسواق.

إن سهولة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أدى إلى التأثير على أدوات الإنتاج ومستلزمات التسويق، فعلى سبيل المثال سيعزف الكثير من المتعاملين في العقار لا سيما في مجال بناء مراكز التسوق والمحلات التجارية من عملية البناء بعد أن بدأت مواقع التواصل الاجتماعي بسحب البساط من تحت أرجلهم فيكفي للمتسوق وهو جالس في منزله أن يتجول بين تطبيقات التواصل الاجتماعي ليختار ما يلزمه من خدمة أو منتج يصله حيثما هو دون العناء لزيارة المحلات وخير مثال على ذلك ما فرضته شركات مثل "أمازون" و "نُون" وغيرها من الشركات المشابهة في أنها أصبحت الخيار لكثير من المستهلكين، ولنا أن نتخيل عندما يقل الإقبال على البناء كم من الشركات تخسر نتيجة إرتباطها بهذه العملية سواءً على المستوى البشرى أو الخدمي أو المنتجات المختلفة وما يسببه من ركود اقتصادي.

ولأن البعض فطن لأهمية وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة فقد أسس البعض شركات ظاهرة والكثير منها تقدم خدماتها بالخفاء وتلعب أدواراً مختلفة بين المشروعة والغير مشروعة وتتحكم في توجيه الرأي العام والمستهلك، فيكفي لإشاعة واحدة حول منتج من التأثير على المستهلك و توجيهه لشراء المنتج المنافس، حتى أن المستفيدين من تجارة الأسلحة المختلفة والحروب يكفيهم وجود تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي في يد كل شخص بصرف النظر عن درجة ثقافته و وعيه لتأجيج الصراعات المناطقية أو الطائفية أو العرقية أو الفكرية وغيرها سواءً على مستوى الدولة الواحدة أو على مستوى عدة دول وذلك لترويج أسلحتهم أو إبتزاز الدول اقتصادياً.

إن علاقة السياسة بالاقتصاد كعلاقة البيض بالدجاجة، فليس مهماً من جاء بالآخر ولكن لا يمكن وجود أحدهما دون وجود الآخر، فعندما ندقق في الأزمة الاقتصادية التي تضرب معظم دول العالم نجد أن أحد أسبابها هو أن الدوائر المالية الكبرى سواءً الظاهرة منها أو الخفية ما زالت تراقب وتضع في حسبانها ما تقوم به وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة من التأثير على الأحداث بصورة غير متوقعة ومتسارعة تتعدى في بعض الأحيان سرعة الضوء، لا سيما مع ما يشهده العالم حالياً من بناء محاور جديدة قوامها الاقتصاد والتي للذباب الإلكتروني دور في بعض أحداثها، وإلى أن تستقر المحاور الجديدة التي يتم بنائها فإن الأزمة الإقتصادية العالمية ستستمر و إن كان هناك تفاوت في تأثير هذه الأزمة بين دولة وأخرى.

 


حسن جمعه الرئيسي

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة