"مجاعة اقتصادية" نتيجة "سوء السيولة"

نشر
آخر تحديث

إن الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية هي نتيجة "سوء السيولة" والتي نستطيع أن نطلق عليها مصطلح "المجاعة الاقتصادية" وهي شبيهة في كثير من معالمها بالمجاعة التقليدية أو ما يطلق عليها من مصطلح علمي"سوء التغذية".

فكلنا يعرف المجاعة التي تصيب بعض المناطق والدول وأسبابها المتعددة، منها الطبيعية كقلة الأمطار، الأوبئة، الآفات، قلة الموارد أو غيرها من الأسباب، وهناك أسباب للمجاعة تكون نتيجة ممارسات الإنسان الخاطئة أو غير الأخلاقية، كوضع شريحة من الناس في حالة المجاعة لاستغلال المناطق التي يعيشون فيها، أو نتيجة صراعات عرقية، عقائدية، مناطقية أو شن الحروب، وكلها عوامل تؤدي في بعض الأحيان إلى المجاعات.

فإذا كان المصابون بالمجاعة يبحثون عن فتات الطعام أو قطرة ماء لإنقاذ أرواحهم، فإن كثيراً من الشركات الكبيرة وكذلك بعض الدول المتضررة من الكساد الاقتصادي يبحثون عن صفقة مربحة، أو محاولات لترويج بضاعتهم، أو الحصول على مقابل لخدماتهم، أو سداد ما عليهم من التزامات بعد أن تعذر الحصول على حقوقهم بشتى الطرق والأساليب والتي في بعضها لا يتناسب مع سمعة ومكانة هذه الشركات والكيانات التجارية المختلفة، والتي أصبحت تقبل بأي فتات لتستطيع الوقوف على أقدامها لتجاوز أزماتها المالية و ركود الأسواق.

فإذا كان المصابون بالمجاعة التقليدية لا حول ولا قوة ولا قرار لهم فيما أصابهم، فكذلك المصابون بداء المجاعة الاقتصادية لا سيما الشركات بمختلف أحجامها وتخصصاتها، فإنهم ليسوا أصحاب القرار فيما أصابهم من مجاعة اقتصادية أو حتى قرار إزاحتها عنهم، كنتيجة لما يشهده العالم من تموضعات وتمركزات لم تنتهي ملامحها حتى الآن، بالإضافة إلى عوامل أخرى لا تسيطر عليها الكيانات الاقتصادية المتضررة.

ويتصرف المتضرورن من المجاعة الاقتصادية في بعض الأحيان بتصرفات من أصابتهم المجاعة التقليدية أو ما يسمى "سوء التغذية"، حيث لا يملكون إلا التعلق بالأمل رغم أنهم يجهلون متى و كيف ستنفرج مجاعتهم؟، وهذا عكس أبجديات العمليات التجارية التي دائماً ما تكون مبنية على أرقام ومعطيات مرسومة بدقة لا على المجهول، وانتظار قافلة الأمل التي تنتشلهم من مجاعتهم الاقتصادية.

وعلى مر العصور والدهور هناك ردود فعل لمن أصابته المجاعة بصورتها التقليدية، فمنهم من لم يكن له أي خيار سوى الاستسلام وقضت عليه المجاعة وفارق الحياة، وهناك من أدت المجاعة إلى إضعافه وإفقاده الكثير من قوته التي كان عليها، وهناك من قاوم وهاجر من مكان المجاعة حتى اضطر لتغير نمط حياته، ومنهم من قدم التنازلات، وفئة أخرى رأت أن تشارك بعضها للتغلب على المجاعة بقدر الإمكان، ومنهم من استفاد من المجاعة التي قدمت له فرصة جديدة لم يكن يحصل عليها لولا المجاعة.

وهذا فعلاً ما نشاهده على مستوى المجاعة الاقتصادية، فبعض الشركات بصرف النظر عن حجمها و مستوياتها لم تتحمل هذه الأزمة وقُضِيَ عليها، وبعضها أعلنت إفلاسها أو في طريقها لذلك، والبعض الآخر يحاول أن يضاعف من جهوده للحصول ولو على فتات الصفقات، ومنهم من قلص مصاريفه وسرح العمال، وهناك من يبحث في الاندماجات علاجاً لسوء الوضع الاقتصادي، ومنهم من قدم التنازلات الكثيرة في خفض الأسعار أو نمط تقديم الخدمات لضمان البقاء على قيد السجلات التجارية، وهناك من يحاول أن يستغل التقنيات الحديثة للخروج من مناطق المجاعة الاقتصادية إلى مناطق قد تكون أكثر إنتاجية نسبياً وتحويل ذلك إلى فرص جديدة.

كما تتفق المجاعة الاقتصادية مع المجاعة التقليدية أنها تكون في بعض الأحيان بفعل فاعل، وقد يكون وراء ذلك القوى الخفية أو الدول التي تتلاعب بأسعار النفط أو تلك التي لها مصالح في رواج تجارة السلاح وإشعال أكثر من منطقة نزاع وقلاقل لتحقيق مصالحهم الخاصة.

ولا يمكن إعطاء وصفة سحرية للقضاء على المجاعة الاقتصادية لاستحالة الاتفاق الدولي، لا سيما وأن هناك أطرافاً ولو قليلة مستفيدة من المجاعة الاقتصادية، وذلك لابتزاز الآخرين و تحقيق مآربهم، وستستمر الكيانات التجارية المتضررة بوضع الخطط والاسترتيجيات وابتكار الحلول لتجاوز هذه المرحلة وعلاج سوء السيولة قدر الإمكان حتى يأتي فرج المنجمون.

 

المحلل الاقتصادي/ حسن جمعه الرئيسي

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة