العملات المشفرة ومضخة الأموال الرخيصة

نشر
آخر تحديث

بقلم نهى علي

 

 


لولا موجة الأموال الرخيصة في فترة كورونا، وأسعار الفوائد المتواضعة، لما كان بالإمكان تشكيل تلك الفقاعة السعرية للعملات المشفرة بهذه السرعة. لكن أبعاد تلك الفقاعة، تمددت في الكثير من المفاصل الاقتصادية والاجتماعية وكذلك الاستهلاكية.


وإنها حمى البحث عن ثروة سريعة وسهلة، قد يكون ذلك تلخيصاً مبسطاً لكيفية الإقبال على العملات المشفرة. بحيث لا يمكن إغفال حجم التقلبات الهائل الذي طالها خصوصا في فترة كورونا. الأمر الذي أدخل الكثيرين في دوامة القروض المرهقة لسنوات طويلة قادمة.

 


وتضافرت كذلك عوامل عديدة في إشعال نار المضاربات في تلك السوق، منها إطلاق بعض المشاهير لعملاتهم الرقمية والترويج لها تحت مسميات براقة للفت الانتباه. كان ذلك بمثابة فخ وقع العديد بشباكه، فبعد أن جمع هؤلاء الأشخاص من الوجوه المعروفة ما تيسر لهم من أموال قاموا ببيع عملاتهم الرقمية وتلاشوا عن الأنظار، تاركين خلفهم رصيداً صفرياً في قيمة ما يتم تسميته مجازياً "عملات"!


وهذا يأخذنا إلى تحليل هذه التسمية، هل فعلاً البتكوين وأخواتها تمتلك المعاييرلأن تكون عملات صالحة للتبادل؟

 

وقد يلجأ البعض إلى تعريفها على أساس أنها "مقتنيات" أو "أدوات للمضاربة" لكن القيمة الأساسية التي يمكن الانطلاق منها "صفرية". تلك الأدوات، لا تشبه مثلاً أسهم الشركات. فشراء سهم بشركة ما، يؤهل الشخص لأن يكون مشاركاً بجزء من نشاط تجاري. تلك الأدوات لا تشبه  حتى ما يمكن تسميته بالأصول، مثل منزل أو قطعة أرض أو مجوهرات، أو أي شيء مادي يمكن لمسه أو رؤيته. لكن ملكية المرء للبتكوين مثلاً، يعني ببساطة أن الملكية تنحصر بجزء من رمز حاسوبي ، لا يمكن استخدامه، في أيّ شيء على الإطلاق، باستثناء تحفيز شخصٍ آخر ليدفع مقابله.

 


لكن كيف تشكلت تلك الفقاعة وما هو المسار المتوقع لها؟


وقد يكون من ضمن أهم الأسباب في تشكيل الفقاعة الأخيرة للعملات المشفرة، أموال التحفيز الحكومية بسبب جائحة كورونا. ففي ربيع 2020 تم ضخ تريليونات الدولارات التي وجدت طريقها إلى جميع أنواع الأصول.

وهنا شهدنا التضخم يشق طريقه صعوداً في أسعار الأسهم والعقارات، فقاعات هائلة في كل مكان تقريباً. غذّت تلك الموجة الهائلة من السيولة شرايين المخاطرة في ذلك السوق المعتمد على تقنية متقدمة للغاية تسمى البلوكتشين.

وتحول الوضع لما يشبه إلى حد ما، حمى البحث عن الذهب في العالم الجديد، فهناك ثروات تم تشكيلها بلمح البصر وبدون أدنى جهد أو حتى محاولة جادة للبحث عما يبرر ارتفاع الأسعار.

وبات البعض يلهث وراء ذلك الثراء السحري، في تحول واضح بثقافة الاستثمار، بعيداً عن متناول قبضة الضرائب على الثروات الكبيرة، ومرونة بالتصرف بالأموال بدون رقابة حكومية.

 


 
وتشير الكثير من الدراسات أن بعض الناس يشترون العملات المشفرة لأنّهم يعتقدون بأنّها الطريقة المثلى للثراء السريع. ويصفها بعض الخبراء المعنيين بأنها تذكرة يانصيب حديثة. لكن في حين أنّ تذاكر اليانصيب لا تكلف سوى القليل في كلّ مرّة، فالعملات المشفرة ستتضخم وتصطدم بالحضيض بطريقة أكثر تدميراً، بكل مرّة بحسب أراء الخبراء.

كما أن الاستثمار بتلك العائلة من "المشفّرات"، يتخطى بكثير مجرد كونه استثماراً، إنه ببساطة يجسد "فرصة"، وإمكانيات لا محدودة لتغيير الحالة الاقتصادية. إذ يلمح بعض علماء السلوكيات الاجتماعية، أن الكثيرين ممن يقبلون على شراء العملات المشفرة، هم مجموعة ممن خابت آمالهم من قبل بتحقيق نوع بسيط من الثراء. لكن المشكلة التي يبدو أن لامفر من مواجهتها هي عندما تخسر تلك الشريحة مواردها المالية، عندما تتوالى انفجارات فقاعات العملات المشفرة، حينها لن يكون بإمكانها العودة مجدداً لمنظومة العمل التقليدية، بما يتطلبه ذلك من تعب وجهد.

والعالم تغير كثيراً فهناك لا مساواة هائلة في مستويات الدخل ، الكثير من الحكومات بدأت تتخلى تدريجياً عن أنظمة الحماية الاجتماعية والرعاية الصحية. انتهى عصر الأسرة التي يستطيع فرد واحد بمدخول محدود أن يعيلها.

ودخلت قواعد جديدة إلى مفاهيم الاقتصاد، منها الوظائف المؤقتة، والنقابات العمالية شبه المشلولة ببلدان كثيرة، ومديونية هائلة بأعناق الأفراد والأسر للتعليم أو لتأمين الحاجيات الضروروية.

فقاعة الكريبتو واخواتها تخفي هشاشة أوضاع البشر اجتماعياً ونفسياً التي تنفجر يومياً بدون رحمة، مخلفة سيلاً جارفاً من المآسي.

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة