هل كان مجدياً القضاء على السيارات الكهربائية في أميركا؟

نشر
آخر تحديث

بقلم: نهى علي

اخترقت صناعة السيارات والنفط وكذلك المصارف كليات الهندسة المدنية في الجامعات الرئيسية بالولايات المتحدة وكندا، أتى ذلك  عبر التمويل السخي لفلسفة تصميم المدن التي تعتبر أنّ السيارات حاجة ضرورية.

كانت النتيجة، تعميم الابتكار الأميركي- الكندي المدعو بـ "الضواحي"، وتم  تخطيط الضواحي بشكل رئيسي لجعل النقل الخاص ضرورة لازمة وحتمية.

 وهو الأمر الذي قاومته لفترة طويلة، الكثير من الحكومات الأوروبية والآسيوية، قبل الانصياع بشكل أو بآخر لنفوذ شركات السيارات- النفط- المصارف، الأمر الذي  يبرر سبب وجود أجزاء كبرى مدن أوروبا بتنظيم مختلف.

نستدل من طريقة إنشاء تلك الضواحي، وجود القاطنين فيها  مفصولين عن أماكن العمل وعن أماكن التسوق، بل وحتّى متناثرين لدرجة تجعل من أيّة وسيلة نقل عام غير فعالة أو ذات جدوى، الأمر الذي أجبر مئات ملايين البشر على إنفاق مئات مليارات الدولارات لاقتناء سيارات خاصة، مما يعني زيادة بحجم استهلاك المركبات الخاصة والنفط.

وجدت دراسة اقتصادية أعدتها جامعتا هارفارد وبيركلي بأنّ من ضمن الآثار السلبية لمثل هذا التصميم، زيادة بحدة الفصل المجتمعي بين مساكن شرائح المجتمع متدنية الدخل والشرائح ذات الدخل المرتفع، الأمر الذي يصب بمصلحة الأثرياء بشكل كبير. 

هذا ينقلنا إلى موضوع السيارات الكهربائية، التي تشهد استحساناً من أغلبية دول العالم، من ناحية التسريع بتكثيف وضعها على الطرقات.

هذا ينقلنا للتساؤل عن المغزى في القضاء على هذا القطاع خلال القرن الماضي!

نتيجة لذلك أدى القضاء على آليات النقل الكهربائية، إلى القضاء على النقل الجماعي العام، وإجبار الناس حول العالم على امتلاك سيارات خاصة.

بدأت القصة مع بدايات القرن العشرين، عندما كانت الولايات المتحدة المنشغلة بالتحوّل للتصنيع، تملك وسائل نقل جماعية عامة مكونة من القطارات الكهربائية التي تلبي معظم احتياجات البلاد.

كانت السيارات الكهربائية تتطور بسرعة في ذات الفترة، لكنّ السيارات العاملة على الوقود الأحفوري، كانت في طريقها إلى الزوال.

كانت أغلبية قطارات النقل العاملة داخل المدن والتي تصل المناطق ببعضها تعمل على الكهرباء، واحتلت السيارات العاملة على الكهرباء تحتل الساحة، على حساب منافستها التي تعمل على الوقود الأحفوري.

ففي عام 1900، كانت قرابة 40% من السيارات الأميركية كهربائية، وكانت شعبيتها كبيرة إلى حدّ أنّ نيويورك كان لديها أسطول من سيارات الأجرة الكهربائية. 

تفوقت تلك السيارات، لانعدام تسببها بتلوث أو رائحة أو ضجيج.

بدا السياق وكأنّ موجة السيارات الكهربائية ستغمر المستقبل، لكن وخلال مدّة لا تتجاوز ثلاثة أعوام تغيّر هذا السياق وأصاب سيارات الكهرباء ما أصاب الديناصورات فانقرضت من على الساحة.

في فترة كبح انطلاق السيارات الكهربائية، كانت شركات النفط الكبرى تواجه أزمات متعددة، بسبب تراجع إيرادات النفط.  كما أن سوق السيارات قد شهدت تشبعاً للحدود القصوى.

على سبيل المثال، في عام 1921 خسرت شركة جنرال موتورز أكثر من 65 مليون دولار، حينها لاح أن الحد الأمثل لإيقاف الخسائر، يسير عبر القضاء على المنافس الأبرز: وسائل النقل العامة.

منذ ذك الوقت انطلقت شرارة عهد جديد للصرف الباهظ على إنشاء الطرق السريعة، ومصانع السيارات الملوثة للبيئة، سلسلة التدمير الممنهجة، تحتاج لإتمامها تجفيف الإمداد المالي، المتمثل بدور المصارف.

كان التمويل من ضمن وسائل الضغط المستخدمة، من جهة التهديد بسحب تمويل أيّة شركة نقل تجاري تستخدم آلات كهربائية بدلاً من العاملة بالوقود، عبر التحكم بالتمويل، تم إجبار شركات النقل المحلية لتهجر القطارات الكهربائية، وشراء حافلات تعمل بالوقود من شركات مثل جنرال موتورز.

وفقاً لسـجلات وزارة العدل الأميركية، قام المدراء التنفيذيون في جنرال موتورز خاصة وبقية شركات النفط بالاتفاق مع المصارف الكبرى ،على منع التمويل عن الشركات التي تستخدم العربات الكهربائية وعرضه بسخاء على من يستبدل عرباته بأخرى تعمل بالوقود.

وفقاً لسجلات وكالة التحقيقات الفدرالية، لم يقف الأمر عند الضغط لاستبدال العربات، بل لجأت كذلك الشركات المالية لتمويل حملات انتخاب مسؤولي الكونغرس ومسؤولي البلديات المحليين المؤيدين لتحويل القطارات إلى حافلات عاملة بالوقود.

بحسب التحقيقات سعى الكثير من هؤلاء المسؤولين لاحقاً، للتوسع بحجم الضواحي البعيدة عن مراكز المدن والمفتقدة لوسائل النقل العامة.

كانت الطرق السريعة هي عصب الحياة الذي يربط الضواحي بمراكز المدن وأماكن العمل.

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة