على شاكلة الأفلام الهندية المنتجة في بوليوود، والتي تعتمد على المبالغة في الأحداث والإبهار في العرض، تعرضت الأسواق المالية الهندية لخسائر فادحة يوم الثلاثاء هبطت بالأسهم لأدنى مستوى في 4 سنوات، عقب ساعات قليلة من تسجيل المؤشرات لأعلى مستوى على الإطلاق يوم الاثنين.
ويعود السبب المباشر في تلك التحركات للانتخابات العامة في الهند، حيث كانت التوقعات يوم الاثنين تصب في مصلحة فوز كاسح للتحالف التحالف الذي يقوده حزب بهاراتيا جاناتا بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي وبأغلبية ساحقة، فيما تراجعت الأسواق صباح الثلاثاء مع تأكد الجميع من أن هامش الفوز لن يكون عريضا.
وبالفعل أعلن رئيس الوزراء الهندي عصر الثلاثاء بتوقيت غرينتش عن فوزه الثالث في الانتخابات التشريعية، وقال على موقع التواصل الاجتماعي إكس بشأن ائتلافه "وضع الشعب ثقته بالتحالف الوطني الديموقراطي للمرة الثالثة على التوالي"، مضيفا أنها "واقعة استثنائية في تاريخ الهند".
لكن في ذات الوقت، فإن النتائج أظهرت أن المعارضة حققت تقدما كبيرا في الأصوات، واعتبرت الأخيرة أنها "عاقبت" الحزب الحاكم لإرباك التوقعات وتقليص غالبيته البرلمانية.
وقبل إعلان النتائج النهائية رسميا، أظهرت النتائج الأولية فشل حزب "بهاراتيا جاناتا" لأول مرة منذ عقد في ضمان أغلبية إجمالية وحده، وفق الأرقام الصادرة عن مفوضية الانتخابات، ما يعني أنه سيضطر للاعتماد على شركائه.
ويتوقع أن يضاعف حزب المؤتمر المعارض الرئيسي تقريبا عدد مقاعده في البرلمان، في تحوّل لافت مدفوع إلى حد كبير بالاتفاقات الرامية لتقديم مرشحين بشكل منفرد في مواجهة "بهاراتيا جاناتا". وقال زعيم حزب المؤتمر راهول غاندي إن "الناخبين عاقبوا بهاراتيا جاناتا" مضيفا "كنت على ثقة بأن شعب هذا البلد سيعطي الجواب الصحيح".
ومع فرز أكثر من 95% من الأصوات، بلغت حصة "بهاراتيا جاناتا" من الأصوات 36,9%، وهي نسبة أقل بقليل من تلك المسجلة في آخر انتخابات عام 2019. وأظهرت أرقام مفوضية الانتخابات بأن "بهاراتيا جاناتا" وحلفاءه احتلوا الصدارة مع فوزهم بـ288 مقعدا من مجموع المقاعد البالغ 543، ما يكفي للحصول على غالبية برلمانية... لكن "بهاراتيا جاناتا" نفسه لم يحصل غير على 240 مقعدا، مقارنة مع 303 مقاعد فاز فيها قبل خمس سنوات، بينما فاز حزب المؤتمر بـ98 مقعدا مقارنة مع 52 في الانتخابات الماضية.
شاهد أيضاً: الهند.. حقبة رئاسية جديدة
ومع توالي الأحداث، تراجعت أسواق الأسهم بحدة، وقال كرانثي باتيني مدير استراتيجية الأسهم في ويلث ميلز للأوراق المالية ومقرها مومباي: "الأرقام التي حققها التحالف الوطني الديمقراطي ضعيفة وأقل من التوقعات. لذا فإننا نشهد جني أرباح مع توتر المستثمرين. نحتاج إلى الانتظار لمدة ساعة أخرى لمزيد من الوضوح... لكننا نستطيع أن نرى استمرار جني الأرباح وامتداده إذا استمرت هذه الاتجاهات"، بحسب ما نقلته رويترز.
وكانت استطلاعات الرأي توقعت في نهاية الأسبوع فوزا كبيرا للتحالف الوطني الديمقراطي الذي يتزعمه مودي، مما أدى إلى ارتفاع الأسواق إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق يوم الاثنين حيث انتعش المستثمرون بتوقعات النمو الاقتصادي المستدام. وبحلول إغلاق يوم الاثنين، نمت المؤشرات القياسية بأكثر من ثلاثة أمثال قيمتها منذ أصبح مودي رئيسا للوزراء في مايو (أيار) عام 2014.
لكن المعنويات تحولت يوم الثلاثاء، وقال التجار إن الأسواق كانت تبيع يوم الثلاثاء حيث ينتظر المستثمرون المزيد من الوضوح بشأن العدد الإجمالي للمقاعد التي سيفوز بها التحالف الوطني الديمقراطي.
وانخفض مؤشر نيفتي بنحو 3.76% إلى 22389.85 نقطة، في حين انخفض مؤشر بورصة بومباي إلى أدنى مستوى له عند 73659.29 نقطة، بانخفاض 3.67% خلال اليوم. وكان كلا المؤشرين قد لامسا أعلى مستوياتهما على الإطلاق يوم الاثنين. ولكن بحلول الساعة 0425 بتوقيت غرينتش، تعافى كلا السوقين قليلا ليتداولا منخفضين بنحو 2% لكل منهما.
وانخفضت الروبية إلى أدنى مستوى لها عند 83.4375 مقابل الدولار مقارنة بإغلاقها السابق عند 83.1425 روبية للدولار. وارتفع العائد القياسي لسندات العشر سنوات بمقدار 8 نقاط أساس إلى 7.02% في التعاملات المبكرة.
وقال غاراف دوا، نائب الرئيس الأول ورئيس استراتيجية سوق رأس المال في شاريخان: "من الواضح أن اتجاهات النتائج المبكرة ليست إيجابية للأسواق. ولكن من المؤكد أنه طالما تمكن حزب بهاراتيا جاناتا/التحالف الوطني الديمقراطي من الحصول على 272 مقعدًا مطلوبًا لتشكيل الحكومة، فإن الانخفاض لن يكون سوى رد فعل قصير الأجل بشكل عام".
كما شهدت أسواق الذهب في الهند، عمليات بيع كثيفة. وقالت سوني كوماري، خبيرة السلع الأساسية في مجموعة "إيه.إن.زد": "قبل ظهور نتائج الانتخابات مباشرة أو خلال فترة الانتخابات، سيكون الطلب على الذهب ضعيفا بسبب القيود المفروضة على المعاملات النقدية".
نشاط الأسواق -واحباطها لاحقا- يرتبط بالأساس بالتوقعات الاقتصادية في ظل حكومة جديدة بقيادة مودي، حيث يترقب الجميع طفرة اقتصادية كبيرة في حال قدرة مودي على تمرير تشريعات تخدم الاقتصاد والاستثمار، وهو أمر سيقيده -ويقوضه إلى حد ما- قوة تمثيل المعارضة داخل البرلمان.
اقرأ أيضاً: بنك QNB يتوقع نمواً قوياً للاقتصاد الهندي رغم التحديات الهيكلية
وقال فيفيك بوتوريا، مدير محفظة الأسهم الناشئة في فيدريتد هيرميس، لرويترز: "لقد ارتفعت الأسواق مع التفاؤل حول نتائج الانتخابات، ومن الصعب جدًا ألا نكون متفائلين بشأن الهند. حيث يتم وضع سياسات لجذب الاستثمارات وإعادة تنظيم سلسلة التوريد العالمية من شأنها أن تفيد الهند بمرور الوقت. لقد بدأنا بالفعل في رؤية بعض الفوائد من حيث صادرات الإلكترونيات والمواد الكيميائية".
وبحسب التحليلات المالية، فمن المتوقع على نطاق واسع أن يتحول الأجانب، الذين ضخوا صافي 20.7 مليار دولار في الأسهم الهندية العام الماضي لكنهم تراجعوا قبل الانتخابات، إلى مشترين. فقد اشتروا أسهمًا بقيمة صافية 68.51 مليار روبية (824.4 مليون دولار) يوم الاثنين، بينما اشترى المستثمرون المؤسسيون المحليون 19.14 مليار روبية في الأسهم، استنادًا إلى بيانات البورصة المؤقتة.
وأظهرت البيانات الأسبوع الماضي أن النمو الاقتصادي في الهند تسارع إلى 8.2% في السنة المالية حتى مارس (آذار) 2024 بقيادة الإنفاق الحكومي على البنية التحتية وازدهار العقارات. ويتوقع المستثمرون أن تواصل حكومة مودي التركيز على تحويل البلاد إلى مركز تصنيع - وهو المشروع الذي استقطب شركات أجنبية بما في ذلك "آبل" و"تسلا" لإنشاء الإنتاج مع تنويعها خارج الصين.
وقال ستيف لورانس، كبير مسؤولي الاستثمار في بنك الاستثمار "بالفور كابيتال"، الذي يدير محفظة تقدر بنحو 350 مليون يورو عبر صناديق مختلفة: "مستقبل الهند يدور حول البنية التحتية. كل شيء يتعلق باستثمارات البنية التحتية؛ الطرق والكهرباء. مع نوع التكنولوجيا التي لديهم، يمكنك أن ترى قدرًا هائلاً من النمو".
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي