في حين دافع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في الكونغرس هذا الأسبوع عن إعلان رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب اعتزامه رفع العقوبات الأميركية عن سوريا خلال جولته بالخليج الأسبوع الماضي، بحجة أن الدولة العربية على مقربة أسابيع من انهيار محتمل ما لم يتم رفع هذه العقوبات، فإن فريق ترامب نفسه منقسم بشأن كيفية التعامل مع هذا الملف خاصة فيما يتعلق بسرعة وشمولية تحقيق ذلك.
يأتي ذلك في الوقت الذي تسعى فيه الإدارة السورية الجديدة إلى تحقيق الاستقرار في البلاد خلال المرحلة الانتقالية بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، تمهيداً لاستكمال بناء مؤسسات الدولة وإعادة إعمار البلاد وانتخاب سلطة دائمة في البلاد تقودها لمرحلة جديدة من التنمية والازدهار خاصة فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي ومستوى معيشة السوريين الذين عانوا من ويلات الحرب خلال فترة استمرت لأكثر من عقد.
وبينما احتفل العديد من السوريين بإعلان ترامب بشأن رفع العقوبات عن دمشق، فربما يؤدي الانقسام داخل الإدارة الأميركية إلى طريقة تطبيق تُخيب الآمال السورية مقارنة بما كان متصوراً وقت هذا الإعلان.
اقرأ أيضاً: ترامب يعلن أنه سيرفع جميع العقوبات الأميركية عن سوريا
فرض الرؤساء الأميركيون عقوبات على سنوات تقترب من نصف قرن على الأسرة الحاكمة في سوريا خلال العهد السابق، ويمكن رفع هذه العقوبات بسرعة أو التنازل عنها من خلال إجراء تنفيذي. لكن الكونغرس الأميركي فرض أيضاً بعضاً من أشد الإجراءات صرامة، وسيتعين عليه إلغاؤها نهائياً، بحسب وكالة الأنباء الأميركية أسوشيتد برس.
وبينما يرغب بعض المسؤولين في إدارة ترامب إلى رفع العقوبات أو التنازل عنها بأسرع وقت ممكن دون فرض شروط صارمة أولاً. اقترح آخرون في الإدارة تطبيق نهج تدريجي، تُمنح بموجبه سوريا قريباً إعفاءات قصيرة الأجل من بعض العقوبات، ثم ربط تمديد هذه الإعفاءات بتطبيق دمشق بعض الإجراءات، أو إصدار أمر تنفيذي بإعفاءات أوسع بشرط أن تفي سوريا بشروط معينة، وهو ما قد يبطئ بشكل كبير تقديم المساعدات على المدى الطويل.
ويرى نقاد للاتجاه الثاني أن تطبيق النهج التدريجي سيُعيق قدرة الحكومة السورية على جذب الاستثمارات، وإعادة إعمار سوريا بعد الحرب.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، ماكس بلوستاين: "العقوبات على سوريا عبارة عن شبكة معقدة من القوانين والإجراءات التنفيذية وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التي يجب تفكيكها بعناية وحذر".
وأضاف بلوستاين، لوكالة أسوشيتد برس، أن إدارة ترامب "تُحلل حالياً الطريقة المثلى للقيام بذلك" على أن يتم إصدار إعلان عن ذلك في وقت قريب.
اقرأ أيضاً: رسمياً.. الاتحاد الأوروبي يعلن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا
وبحسب ما ذكره مسؤول أميركي رفيع المستوى للوكالة، تضمن مقترح من وزارة الخارجية الأميركية، بعد تعهد ترامب برفع العقوبات الأسبوع الماضي، طرح شروط شاملة لمراحل تخفيف العقوبات أو رفعها الدائم عن سوريا، ويتضمن ذلك تفكيك الفصائل الفلسطينية المسلحة كمطلب رئيسي.
كما يتم تداول مقترحات أخرى، منها اقتراح تم عرضه الأسبوع الحالي، أكد أهمية اتخاذ جميع الإجراءات الممكنة، بأسرع وقت ممكن، لمساعدة سوريا على إعادة الإعمار، وفقاً لما قاله هذا المسؤول.
تاريخ العقوبات والدعوة لنهج حذر
خلال شهادته هذا الأسبوع أمام المشرعين الأميركيين، دعا وزير الخارجية الأميركي إلى اتباع نهج حذر في هذا الملف.
ورغم أن روبيو دعا إلى تخفيف العقوبات بسرعة، قائلاً إن سوريا قد تكون على بُعد أسابيع من "الانهيار وحرب أهلية شاملة ذات أبعاد كبيرة"، فإنه قال عندما سؤاله عن الشكل العام لتخفيف العقوبات: "تدريجياً".
يعود تاريخ فرض العقوبات الأميركية على الأسرة الحاكمة في النظام السابق بسوريا إلى عام 1979 بسبب دعمها لجماعة حزب الله اللبنانية وجماعات مسلحة أخرى متحالفة مع إيران، وبسبب المزاعم بشأن برنامجها للأسلحة الكيميائية، وبعض الحوادث التي وقعت ضد المدنيين خلال اضطرابات وقعت في البلاد.
كما تعرضت سوريا، منذ اندلاع الأزمة في البلاد في مارس/ آذار 2011، لسلسلة من العقوبات الدولية التي فرضتها دول ومنظمات عالمية كإجراء ضغط سياسي واقتصادي على الحكومة السورية، بهدف إنهاء الصراع والضغط من أجل حلول سياسية. وتم إقرار قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين في الولايات المتحدة عام 2019، وبدأ تطبيقه في يونيو/ حزيران 2020. واستهدف القانون النظام السوري وحلفاءه من خلال فرض عقوبات اقتصادية شديدة تهدف إلى محاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب المرتكبة خلال النزاع السوري.
وتتضمن سلسلة العقوبات الأميركية على دمشق عقوبات شديدة على الشركات أو المستثمرين الأجانب الذين يتعاملون مع البلاد.
ومع سقوط نظام الأسد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ترى الإدارة الأميركية أن الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع قد تُمثل أفضل فرصة لإعادة بناء البلاد وتجنب فراغ السلطة الذي قد يسمح بعودة تنظيم "داعش" والجماعات المتطرفة الأخرى. وقال روبيو: "إذا تواصلنا معهم، فقد ينجح الأمر، وقد لا ينجح. وإذا لم نتواصل معهم، فمن المؤكد أن الأمر لن ينجح".
اقرأ أيضاً: العقوبات المفروضة على سوريا.. إرث ثقيل وأسئلة مفتوحة بعد سقوط النظام
تحتاج سوريا إلى عشرات المليارات من الدولارات من الاستثمارات من أجل إصلاح بنيتها التحتية المدمرة، ومساعدة ما يُقدّر بنحو 90% من السكان الذين يعيشون في فقر، بحسب بيانات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وقال تقرير، صدر عن البرنامج في فبراير/ شباط، أنه وفقاً لمعدلات النمو الحالية، لن يستعيد الاقتصاد السوري مستواه قبل الحرب التي اندلعت في البلاد في 2011 من الناتج المحلي الإجمالي قبل عام 2080، مشدداً على ضرورة رفع النمو الاقتصادي السنوي ستة أضعاف لتقصير فترة التعافي إلى عشر سنوات.
وبحسب أسوشيتد برس، قال المدير التنفيذي لقوة مهام الطوارئ السورية ومقرها الولايات المتحدة، معاذ مصطفى، وهو ناشط كان له تأثير في المساعدة على صياغة السياسة السابقة للولايات المتحدة بشأن سوريا، إنه يتم تداول إطار عمل لأمر تنفيذي مُقترح من شأنه أن يسمح لترامب برفع العديد من العقوبات عن دمشق بسرعة.
ومن بين أهداف خطوة الرئيس الأميركي لرفع العقوبات "منع قيام دولة فاشلة وإنهاء العنف الدائم"، لكن بعض مسؤولي الإدارة الأميركية يحاول "تخفيف" القرار، بحسب ما ذكره معاذ مصطفى.
ماذا اقترحت وزارة الخارجية الأميركية؟
وفقاً لوكالة الأنباء الأميركية، اقترحت الوثيقة الأولية التي أرسلها فريق السياسات والتخطيط في وزارة الخارجية، الأسبوع الماضي، خارطة طريق من ثلاث مراحل لتخفيف العقوبات، تبدأ بإعفاءات قصيرة الأجل، على أن يتم ربط التقدم نحو تخفيف إضافي ورفع تام للعقوبات في المراحل المستقبلية بشروط صارمة مما أثار معارضة بعض المسؤولين الآخرين في إدارة ترامب.
وبحسب الوكالة، فإن إخراج "الجماعات الإرهابية الفلسطينية" من سوريا يأتي على رأس قائمة المتطلبات للوصول إلى المرحلة الثانية من خطة رفع العقوبات المقترحة. ويقول مؤيدو تخفيف العقوبات إن هذا الشرط قد يكون مستحيلاً، نظراً لطبيعة تحديد الجماعات التي تنطبق عليها هذا التعريف، ومتى يمكن إعلان إبعادها.
أيضاً من الشروط الأخرى للانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة أن تتولى الحكومة الجديدة إدارة مراكز احتجاز المنتمين لتنظيم "داعش" في شمال شرق سوريا، وأن تنفذ اتفاقاً أُبرمته مؤخراً مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة، وتدير مراكز الاحتجاز المشار إليها، والذي يتضمن دمجها في الجيش السوري.
ومن أجل الوصول إلى المرحلة الثالثة من الخطة، ستطلب الولايات المتحدة من دمشق الانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم - بما يتضمن تطبيع العلاقات مع إسرائيل - وإثبات تدميرها لكل الأسلحة الكيميائية الموجودة في سوريا.
اقرأ أيضاً: "العقوبات الأميركية".. واشنطن تغامر بفقدان أحد أهم أسلحتها
وقت أطول لرفع عقوبات الكونغرس
أيضاً من المتوقع أن يستغرق رفع العقوبات التي كان قد فرضها الكونغرس الأميركي على سوريا وقتاً أطول بكثير من تلك التي جاءت من خلال أوامر رئاسية. ففي حين يمكن رفع بعض العقوبات بقرار تنفيذي، يواجه البعض الآخر عملية أكثر تعقيداً.
قد يكون قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا الأصعب في عملية رفع العقوبات، والذي يتمثل في مجموعة عقوبات واسعة النطاق أقرها الكونغرس
ويمنع هذا القانون أنشطة إعادة الإعمار بشكل خاص، ورغم إمكانية رفع تطبيقه لمدة 180 يوماً بموجب أمر تنفيذي، فمن المرجح أن يتحفظ المستثمرون بشأن مشروعات إعادة الإعمار في ظل احتمالية إعادة فرض العقوبات بعد ستة أشهر.
خلال اجتماع مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في تركيا الأسبوع الماضي، أوضح وزير الخارجية الأميركي والسيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، أنهما يدعمان دعوة ترامب لتخفيف العقوبات فوراً، لكن تخفيفها بشكل دائم يتطلب اتخاذ الحكومة السورية إجراءات لتلبية الشروط التي وضعها الرئيس، بحسب ما ذكره مسؤولون أميركيون لوكالة أسوشيتد برس.
هذا الأسبوع، قال غراهام: "لدينا فرصة سانحة هنا لتوفير بعض الإمكانيات لهذه الحكومة الجديدة (في سوريا)، على أن تكون هذه الإمكانيات قائمة على الشروط. ولا أريد أن تمر هذه الفرصة".
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي