قال مسؤولون في البنك المركزي الأوروبي ومحللون استراتيجيون إن مكانة اليورو العالمية مرشّحة لمزيد من التعزيز خلال العام الجاري، في وقتٍ تدفع فيه التطورات السياسية إلى تحقيق العملة الأوروبية المزيد من المكاسب مقابل الدولار الأميركي.
وخلال منتدى اقتصادي عُقد في مدينة إيكس أون بروفانس الفرنسية الأسبوع الماضي، أشار مسؤولو المركزي الأوروبي إلى أن اليورو لا يزال بعيداً عن تهديد هيمنة الدولار كأصل احتياطي عالمي أول، إلا أن العملة الأوروبية باتت تُنظر إليها بشكل متزايد كخيار مستقر، ما دامت تحظى بدعم سياسات اقتصادية موثوقة.
وقال يانيس ستورناراس، محافظ البنك المركزي اليوناني، خلال ندوة أدارتها «CNBC»: «إذا جمعت بين الرسوم الجمركية الأميركية، والهجمات على الفدرالي والمؤسسات، وأوضاع الاستدامة المالية في الولايات المتحدة بعد ما يُسمى "قانون الضرائب الجميل"، يمكنك أن تفهم تطور سعر صرف الدولار في الأسابيع الأخيرة».
وأضاف ستورناراس: «من يفرض الرسوم الجمركية سيكون أول من يتضرر»، في إشارة إلى التداعيات الاقتصادية المحتملة لارتفاع معدلات التعرفة.
شاهد أيضاً: رغم التسارع.. التضخم في منطقة اليورو عند المستهدف
لا يزال مصير اتفاق تجاري محتمل بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معلّقاً حتى صباح الإثنين، مع ترقب صدور تحديثات خلال الأيام المقبلة. وتشير المؤشرات الأولية من اتفاقات التجارة التي أبرمتها إدارة البيت الأبيض مع كل من المملكة المتحدة وفيتنام إلى أن الرسوم الجمركية الأميركية ستكون –بوجه عام– أعلى على جميع الواردات مقارنة بمطلع العام، حتى وإن كانت أقل من المعدلات التهديدية التي طرحت في أبريل نيسان الماضي.
وخلال عام 2025، تسببت حالة الغموض المحيطة بالمفاوضات التجارية الأميركية وتداعياتها المحتملة على النمو الاقتصادي والتضخم، إلى جانب توقعات بحزمة تحفيز مالي أوروبية، في تعزيز اليورو بنحو 14% أمام الدولار. وقد تحققت هذه المكاسب رغم قيام البنك المركزي الأوروبي بخفض معدلات الفائدة، في الوقت الذي ثبت فيه الاحتياطي الفدرالي الأميركي سياسته النقدية دون تغيير.
وفي سياق متصل، تمكّن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع الماضي من تمرير مشروع قانون ضخم للضرائب والإنفاق، في انتصار سياسي كبير، لكنه يُتوقع أن يؤدي إلى زيادة في العجز الفدرالي، ما يفاقم مخاوف الدائنين الأميركيين الذين أبدوا قلقاً متزايداً بالفعل من حالة الفوضى التي سببتها السياسات التجارية هذا العام.
وقال يانيس ستورناراس، محافظ البنك المركزي اليوناني: «مكانة الدولار لن تتغير بين ليلة وضحاها، لكن اليورو في موقع يسمح له بتحقيق مكاسب على صعيد الاحتياطيات الدولية». وأوضح أن تحقيق هذا الهدف يتطلب من الاتحاد الأوروبي إكمال مشروعاته المؤجلة منذ سنوات، وعلى رأسها الاتحاد المصرفي واتحاد أسواق المال، إلى جانب تقليص الحواجز الداخلية التي تحول دون تعزيز دور اليورو في الأسواق الدولية.
عبّر محافظ البنك المركزي في أيرلندا، غابرييل مخلوف، عن وجهة نظر مشابهة لما طرحه نظراؤه الأوروبيون بشأن مستقبل الدولار، قائلاً إن ما نشهده حالياً هو «إعادة تموضع حقيقية» من قبل المستثمرين تجاه العملة الأميركية.
اقرأ أيضاً: محققاً مستهدف المركزي الأوروبي.. التضخم في منطقة اليورو يتسارع إلى 2% في يونيو
وأضاف مخلوف: «ليست الرسوم الجمركية وحدها هي ما يحرك الأسواق، رغم أنها تتصدر العناوين. المستثمرون يرون أن سيادة القانون في الولايات المتحدة تتراجع فعلياً، وهم يتصرفون بناءً على ذلك، لأن ذلك يعني زيادة المخاطر على استثماراتهم وأصولهم، وبالتالي يعيدون توزيعها».
ورغم أن حصة اليورو من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية ظلّت مستقرة تقريباً خلال العقد الماضي عند نحو الخُمس، فإن حصة الدولار الأميركي تراجعت من 68.8% في عام 2014 إلى 57.8% بنهاية عام 2024، بحسب تقرير صادر عن البنك المركزي الأوروبي في يونيو حزيران الماضي. أما التأثيرات الدقيقة للتحولات الجارية في عام 2025 فلم تتضح بعد.
قال فرانشيسكو بيسولي، خبير العملات في بنك «ING»، إن الأسواق لم تُسعّر بالكامل المخاطر الكبرى المرتبطة بنشوب صراع طويل الأمد أو بقاء أسعار الطاقة مرتفعة لفترة طويلة، «لكن ذلك يعود جزئياً إلى عزوف واسع النطاق عن الاحتفاظ بالدولارات، نتيجة اعتبارات متوسطة الأجل».
وأوضح أن هذه الاعتبارات تشمل القلق بشأن أوضاع المالية العامة في الولايات المتحدة، والتحديات السياسية التي تهدد استقلالية الاحتياطي الفدرالي، إضافة إلى احتمال إقدام البنك المركزي الأميركي على خفض معدلات الفائدة في وقت أبكر من المتوقع.
وفي مذكرة صادرة بتاريخ الأول من يوليو تموز، أشار الاستراتيجيان جورج سارافيلوس وكريستيان فيتوسكا من «دويتشه بنك» إلى أن السبب الجوهري وراء تراجع الدولار يتمثل في أن «الأجانب لم يعودوا يشترون ما يكفي من الأصول المقومة بالدولار لتمويل العجز الكبير في الحساب الجاري الأميركي».
وأضافا: «الأجانب ليسوا بحاجة إلى بيع الأصول الأميركية لإضعاف الدولار، بل يكفي أن يقولوا: لا، شكرًا، ولن نشترِي المزيد. وهذه هي الرسالة المستمرة التي تعكسها مختلف مؤشرات تدفقات الدولار عالية التردد لدينا».
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي