مخاوف وطموحات.. كيف تعيد أدوات الذكاء الاصطناعي تشكيل مجال التعليم الجامعي؟

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

في الوقت الذي طغى فيه استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات والأعمال والحياة الشخصية للناس بمختلف المواقع والثقافات بشكل كبير، ومن بينها مجال التعليم واستعانة الطلاب بها، تلجأ بعض الكليات والمدرسين بها إلى وضع الدارسين في اختبارات يتأكدون عبرها من استيعاب الطلاب للمعلومات بشكل كامل، وعدم الاعتماد على الذكاء الاصطناعي بشكل مفرط في مشروعات التخرج أو الأبحاث أو تقديم الأفكار المبتكرة.

ومع التطورات المتسارعة في الذكاء الاصطناعي وأدواته تبنى بعض المعلمين هذه التقنية في مجال التعليم العالي، بينما سعى آخرون إلى حظرها تماماً. وبينما يُكافح الأساتذة والإداريون في الجامعات لإيجاد التوازن الصحيح، يجب عليهم مراعاة الاستخدام شبه الشامل لها من طلابهم.

وبحسب بحث داخلي أجرته شركة OpenAI، الشركة المُصنِّعة لبرنامج الشات "شات جي بي تي"، فإن أكثر من ربع الطلبات من المستخدمين في سن الجامعة في الولايات المتحدة على النموذج التابع لها هي لأغراض تعليمية.


اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة تحث على التشدد في مكافحة تزييف المحتوى بالذكاء الاصطناعي


مخاوف السرقة الأدبية وإعادة صياغة النصوص

وربما تكون "روبوتات الدردشة" أداة بحث مفيدة. لكن بعض الطلاب يستخدمون هذه التقنية لأداء أعمالهم نيابةً عنهم، بحسب تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية. 

وتعتبر السرقة الأدبية أحد أبرز المخاوف التي أُثارها استطلاع رأي أجراه مجلس التعليم الرقمي، وهو شبكة عالمية من الجامعات فيما يتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعي من الطلاب. وشملت القضايا الأخرى المخاوف الأخلاقية، وانخفاض قيمة الشهادات، وتعقيد دمج الذكاء الاصطناعي في أنظمة البيانات الحالية.

كما أصبح بعض الطلاب أكثر حيلة أيضاً، مع استخدام برامج أخرى مساعدة مثل أدوات إعادة صياغة النصوص - التي تُغيّر ترتيب الكلمات أو طبيعتها -  لمساعدتهم على التهرب من اكتشاف السرقة الأدبية أو اكتشاف أنها معدة بأدوات الذكاء الاصطناعي.

وقال أحد المعيدين في كلية أميركية لصحيفة "فايننشال تايمز": "أدوات الكشف عن استخدام الذكاء الاصطناعي الموجودة على الإنترنت غير مجدية... وأسهل ما يمكن اكتشافه هو عندما يشير الطلاب في النص إلى أشياء لم تحدث أصلاً". 

وأضاف أن سياسته الشخصية هي رسوب الطالب في حالة استخدامه للذكاء الاصطناعي بشكل واضح لا لبس فيه.

وتشير الصحيفة إلى أنه في بعض الكليات والجامعات، بدأ الأساتذة يطلبون من الطلاب تقديم التعليمات التي أدخلوها في أدوات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب المقالات أو الواجبات المكتوبة.


اقرأ أيضاً: قادة بريكس يدعون لحماية البيانات من الاستخدام المفرط للذكاء الاصطناعي


منتجات ذكاء اصطناعي مخصصة للتعليم

بينما تُكافح المؤسسات لتحديات كشف الذكاء الاصطناعي وصياغة سياساتٍ بشأن استخدامه، سارعت شركات التكنولوجيا إلى تقديم حلولها الخاصة: منتجات ذكاء اصطناعي مُصمّمة بشكل خاص للتعليم.

وعكفت بعض هذه الشركات على تحسين النماذج التي تُشكّل الأساس لروبوتات الدردشة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي لأغراض تعليمية، في مسعى لكسب حصة من السوق من خلال تبنيها المبكر من الطلاب. فعلى سبيل المثال، أطلقت شركة OpenAI إصداراً مخصصاً يحمل اسم ChatGPT Edu. 

وتبيع شركة أنثروبيك Anthropic، ومقرها سان فرانسيسكو، نسخة تعليمية من مساعدها الذكي "كلود Claude"، والذي تقول إنها مُصممة لمساعدة الطلاب على التعلم بشكل أفضل من خلال تعديلات تُرشدهم بدلاً من تقديم إجابات أو نماذج للمقالات. كما تختبر شركة OpenAI نسختها الخاصة من أداة تعليمية مُماثلة تُرشد الطلاب، وفقاً لما قاله أشخاص مُقربين من الشركة للصحيفة البريطانية.

ويرى قادة التكنولوجيا أن الذكاء الاصطناعي يُمكن أن يكون مُساعداً في عملية التعلم، وليس وسيلةً لتجنبها. وتقول المؤسسة المشاركة ورئيسة شركة Anthropic، دانييلا أمودي: "قبل الآلات الحاسبة، كانت طريقة تصحيح اختبارات الرياضيات تبدو مُختلفة تماماً [ونتوقع] أن نرى شيئاً مُشابهاً مع ظهور الذكاء الاصطناعي".

وتضيف أمودي: "الأمر يتعلق أكثر بالشرح، مثل: كيف توصلت إلى هذا الاستنتاج؟ ما هي الأدلة الداعمة؟ ما هي الاستشهادات؟ وأعتقد أن هذا هو المكان الذي يُمكن أن يكون فيه الذكاء الاصطناعي رفيقاً قوياً بدلاً من أن يكون بديلاً عن التفكير النقدي الفعلي".

من جانبها، تُبدي العديد من الجامعات اهتماماً بهذا المجال، وتُوقع صفقات استراتيجية أو تتعاون في مشروعات بحثية مع شركات التكنولوجيا. وقّعت جامعة أكسفورد البريطانية اتفاقية مع OpenAI، بينما تتعاون جامعة ميشيغان الأميركية مع شركة غوغل Google. وتُقيم شركة Mistral AI الفرنسية الناشئة، التي تتبنى نهجاً مفتوح المصدر، شراكات مع العديد من كليات إدارة الأعمال الفرنسية والإيطالية والبريطانية.

خلال شهر أبريل/ نيسان الماضي، أصبحت جامعة نورث إيسترن، ومقرها ولاية ماساتشوستس الأميركية، من أوائل المؤسسات التي أبرمت اتفاقية مع Anthropic.

وذكر رئيس قسم الذكاء الاصطناعي في الجامعة، جاويد أسلم، أن تركيز Anthropic على الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي واستعدادها لتكييف النماذج مع احتياجات الكلية هو ما أكسب المؤسسة عملائها.

وقال أسلم: "كان بإمكاننا الحصول على وصول جاهز على مستوى المؤسسات (لأداة الذكاء الاصطناعي) من أحد الموردين المحتملين". "لم نكن نريد ذلك. أردنا شريكاً يمكننا العمل معه فعلياً لإنشاء عروض تعليمية".

وأخذت مؤسسات أخرى عوامل مختلفة في الاعتبار، ومنها كلية إيمليون للأعمال، إحدى أعلى المؤسسات الجامعية تصنيفاً في أوروبا، وهي إحدى التي تتعاون مع شركة Mistral AI، ومقرها باريس.

وقال مدير الاستراتيجية والتطوير في إيمليون، نيكولا بيجو: "اخترنا Mistral للذكاء الاصطناعي لأننا نتشارك طموح السيادة التكنولوجية والاستقلالية الرقمية في فرنسا وأوروبا، وهما أمران أساسيان للتنمية الاقتصادية والاستراتيجية للقارة، ولكن أيضاً للدفاع عن الأخلاقيات المرتبطة بهذه التقنيات".


اقرأ أيضاً: مارك كوبان مولع بالذكاء الاصطناعي رفيقه يومياً.. ولكنه يدعو للحذر


تحذيرات من التسرع

في الوقت نفسه، يُحذّر بعض الأكاديميين من التسرّع في سياسات الذكاء الاصطناعي، مع ظهور أدلة على أن الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يكون له تأثير سلبي على التعلم، ومع غياب التنظيم الكافي أو الأبحاث حول أفضل الممارسات بشأن استخدامه في التعليم.

من جانبه، قالت الأستاذ المشارك في العمليات والمعلومات واتخاذ القرارات في كلية وارتون، التابعة لجامعة بنسلفانيا الأميركية، همسة باستاني: "إنّ الاستخدام غير الدقيق لهذه الأدوات في المدارس أكثر ضرراً من عدم القيام بأي شيء على الإطلاق".

وأضافت: "من الأفضل لك اتباع أساليبك التقليدية بدلاً من إنفاق مبالغ طائلة [على الذكاء الاصطناعي]".

زيادة الإقبال في الولايات المتحدة

على ما يبدو خلال الفترة الحالية، هناك زيادة في الإقبال على استخدام الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة مقارنة بالدول الأوروبية. في المملكة المتحدة، مثلاً، وجد تحليل أجرته صحيفة فاينانشال تايمز، أن الغالبية من بين أكثر من 100 جامعة تفتقر إلى الوصول الرسمي إلى أدوات الذكاء الاصطناعي.

وبدلاً من استخدام إصدارات تعليمية متخصصة، كان من المرجح أن يميل أولئك الذين لديهم إمكانية الوصول إلى أدوات الذكاء الاصطناعي إلى المنتجات المجانية أو اتفاقيات البرامج القائمة، مثل تلك المبرمة مع مايكروسوفت Microsoft، التي تتيح الوصول إلى مساعد الذكاء الاصطناعي الخاص بها Copilot 365، إلى جانب منتجات مثل Excel، وPowerPoint، وTeams.

وتراوحت المبالغ المخصصة لأدوات الذكاء الاصطناعي من المؤسسات التعليمية في المملكة المتحدة بين أقل من 100 جنيه إسترليني و45 ألف جنيه إسترليني سنوياً. ويبلغ إجمالي المبلغ الذي أنفقته 20 جامعة منذ عام 2023 ما يزيد قليلاً عن 250 ألف جنيه إسترليني، وفقًا لطلب حرية المعلومات الذي قدمته صحيفة فاينانشال تايمز.

في الولايات المتحدة، اتخذت بعض المؤسسات نهجاً أكثر شمولاً تجاه الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، توفر كلية هارفارد للأعمال لجميع طلاب ماجستير إدارة الأعمال حسابات ChatGPT EDU. كما أطلقت بشكل منفصل دورة ماجستير إدارة أعمال مصممة خصيصاً لمساعدة قادة الأعمال على استخدام الأدوات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، وتأتي مع إمكانية الوصول إلى روبوت دردشة ذكاء اصطناعي مصمم خصيصاً يعمل كمعلم.

أيضاً أعادت كلية رولينز للفنون الحرة في ولاية فلوريدا تصميم المقررات والواجبات في علوم الكمبيوتر لمساعدة الطلاب على "إظهار استقلاليتهم وتولي مسؤولية أعمالهم"، بحسب ما قاله الأستاذ المشارك في علوم الكمبيوتر بالكلية، دانيال مايرز.

في إحدى فصول البرمجة، يُطلب من الطلاب إنشاء قصة خيالية تفاعلية تستخدم ChatGPT لتوليد استجابات لمدخلات المستخدم. يُسمح لهم باستخدام الذكاء الاصطناعي للبرمجة، لكن عليهم ابتكار الإعداد العام للقصة، والأحداث، والمحفزات التي تُحرّك الحبكة، بالإضافة إلى التفكير في تصميم البرنامج والميزات التي يرغبون في إضافتها.

ويقول مايرز: "والنتيجة أن الطلاب يدفعون أنفسهم لبذل جهد أكبر ويؤدون عملاً أكثر مما كانوا سيفعلونه في مسألة برمجية تقليدية لها إجابة صحيحة واحدة فقط".


شاهد أيضاً: تفوق أداء الأطباء بأربعة أضعاف.. أداة طبية مدعومة بالذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت!


دراسات عن التأثير السلبي للذكاء الاصطناعي على التعلم

في المقابل، أشارت العديد من الدراسات الحديثة إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي له تأثير سلبي على التعلم.

قادت همسة باستاني، من كلية وارتون، في سنة 2023، دراسةً تضمنت اختبار ثلاث مجموعات من الطلاب في تركيا: مجموعةٌ استخدمت الكتب المدرسية والدراسة التقليدية، وأخرى استخدمت برنامج ChatGPT القياسي، بينما استخدمت المجموعة الأخيرة نسخةً من ChatGPT مصممةً لتقديم تلميحات أو مساعدة بدلاً من الإجابات.

ووجد البحث، الذي نُشر في يوليو/ تموز من العام الماضي، أنه عند إجراء اختبارات تجريبية، أدت أداتا الذكاء الاصطناعي إلى تحسين الأداء. ومع ذلك، عندما خضع الطلاب للاختبار دون الوصول إلى هذه الأدوات، سجلت مجموعة الطلاب الذين استخدموا النسخة العادية من ChatGPT أداءً أقل بنسبة 17% مقارنة بمن استخدموا الطرق التقليدية. أما أداء الطلاب الذين استخدموا أداة ذكاء اصطناعي متخصصة فكان مماثلاً تقريباً لمجموعة الطرق التقليدية.

ويُعرب آخرون عن قلقهم إزاء خطر "التفريغ المعرفي" - أي تفويض التفكير إلى التكنولوجيا - مع لجوء الطلاب بشكل متزايد إلى الذكاء الاصطناعي كبديل للمهارات العليا، التي تتطلب أحكاماً معقدة مثل التحليل أو الإبداع.

وبحثت دراسةٌ، نُشرت في يناير/ كانون الثاني الماضي، العلاقة بين استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي ومهارات التفكير النقدي لدى المشاركين البريطانيين، عبر مجموعة من الفئات العمرية. وقال الأستاذ في كلية إس بي إس السويسرية للأعمال، مايكل جيرلش، والذي قاد الدراسة: "أظهر المشاركون الأصغر سناً اعتماداً أكبر على أدوات الذكاء الاصطناعي ودرجات تفكير نقدي أقل مقارنةً بالمشاركين الأكبر سناً".

في سياق متصل، أظهر بحث لشركة Anthropic، الذي حلّل حوالي 600 ألف استفسار موجه إلى نموذجها للذكاء الاصطناعي "كلود" في المؤسسات التعليمية، أن ما يقرب من نصف طلبات الطلاب سعت إلى إجابات "مباشرة" مع الحد الأدنى من التفاعل، بالإضافة إلى بعض الطلبات الصريحة لإعادة كتابة نصوص التسويق والأعمال لتجنب اكتشاف السرقة الأدبية.

وخلصت الدراسة إلى أن "هناك مخاوف مشروعة من أن أنظمة الذكاء الاصطناعي قد تُشكّل ركيزة أساسية للطلاب، مما يعيق تطوير المهارات الأساسية اللازمة لدعم التفكير المتقدم".

وذكرت طالبة الهندسة الطبية الحيوية في إمبريال كوليدج لندن، شارلوت بروبستيل، لصحيفة فايننشال تايمز، أن الذكاء الاصطناعي كان مفيداً في البرمجة و"كمعلم" للامتحانات عندما كان الأستاذ غير متاح.

لكنها أضافت أن الفوائد الإجمالية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التعلم "تعتمد حقاً على الطلاب". 

وقالت بروبستيل: " "كثير من الطلاب يستخدمونه كأنه جهاز نقل فوري يُوصلهم من البداية إلى النهاية. المفترض أن يُستخدم كخريطة، خريطة يتعلم الطلاب كيفية قراءتها".

طالب آخر من جامعة أكسفورد، قال للصحيفة، إن استخدام الذكاء الاصطناعي كان له تأثير سلبي على مرونة الطلاب وقدرتهم على حل المشكلات. وأضاف: "يوفّر مخرجاً سهلاً يجعلني أقل التزاماً بمحاولة حل الأمور بنفسي"، مشيراً إلى أنه يحاول "تجنّب الاعتماد عليه بشكل كامل".


اقرأ أيضاً: كيف يستخدم رؤساء تنفيذيون لشركات التكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في حياتهم اليومية؟


العودة للاختبارات التقليدية

تشير شركات التكنولوجيا إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يوفر فرصاً تعليمية للطلاب ذوي القدرات المتنوعة، بمن فيهم أولئك الذين يعانون من صعوبات في القراءة.

ولكن هناك مشكلة أوسع نطاقاً بشأن استخدام قطاع التعليم للذكاء الاصطناعي، وهي تتعلق بعدم وجود معايير أو وضوح بشأن أفضل الممارسات، أو وجود إرشادات ومستويات تنظيمية لتعزيز تكافؤ الفرص.

ودفع ذلك بعض المعلمين إلى العودة إلى التقييمات التقليدية، مع الطلب من الطلاب كتابة المقالات يدوياً دون الوصول إلى أي تقنية.

أيضاً هناك جامعات أخرى عادت إلى الامتحانات الحضورية المكتوبة بخط اليد، من بينها قسم العلوم الإنسانية والاجتماعية والسياسية بجامعة كامبريدج، وجامعة ولاية جورجيا، وجامعة كاليفورنيا بيركلي الأميركية.

ولبعض المدرسين أسباب أخرى أيضاً تدعوهم للقلق من الوجود المتزايد للذكاء الاصطناعي في الجامعات. إذ يخشى الكثيرون من أن تؤدي زيادة المخصصات لمنتجات الذكاء الاصطناعي إلى تسريح محتمل للمعلمين والأساتذة كجزء من تدابير توفير التكاليف.

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة