إسرائيل تفرض إيقاع المحادثات.. وسوريا تتمسك بخط الدفاع الأخير (خاص CNBC عربية)

نشر
آخر تحديث
إسرائيل تفرض إيقاع المحادثات.. وسوريا تتمسك بخط الدفاع الأخير (خاص CNBC عربية)

استمع للمقال
Play

اقرأ في هذا الملف:

◾️ سوريا بين الواقعية السياسية وخط الدفاع الأخير.. دمشق تؤكد التمسك باتفاقية 1974 كإطار لأي تسوية.. والشرع يرحب بـ "السلام" في حالة واحدة!

◾️ إسرائيل تفرض الإيقاع.. تل أبيب تستغل المرحلة الانتقالية السورية لتوسيع نفوذها وإعادة رسم خرائط السيطرة

◾️ تباين الأهداف.. أربعة أهداف لدمشق من المحادثات الأمنية، من بينها تثبيت السيادة وتجنب الاختراقات.. بينما تركز إسرائيل على الهيمنة والتطبيع

خاص- CNBC عربية- محمد خالد

منذ تولي الرئيس السوري أحمد الشرع مقاليد الحكم، اتخذت دمشق مساراً دبلوماسياً حذراً، مستفيدة من تجربة العقود الماضية في التعامل مع إسرائيل، مع الحفاظ على ثوابت سيادتها الوطنية.

وفي الوقت الذي تشهد فيه المفاوضات السورية الإسرائيلية مرحلة دقيقة وحساسة، تتقاطع خلالها المصالح الأمنية الإقليمية والحسابات الداخلية لكلا الجانبين، يؤكد الخطاب الرسمي السوري التمسك بخط الهدنة للعام 1974، وهو المعيار الذي يبدو بالنسبة لدمشق الأكثر براغماتية، بالنظر إلى الوضع الراهن حالياً على الأرض، ولتفادي أي تدهور أمني جديد، في حين تواصل إسرائيل فرض إيقاعها الخاص على مجريات المحادثات، مستغلة نقاط ضعف المرحلة الانتقالية السورية لإعادة رسم خرائط النفوذ في المنطقة.

وعلى الرغم من إشارات الانفتاح المحدود التي كشفها الشرع في تصريحاته الأخيرة حول مسار المحادثات الأمنية والاقتراب من إتمام صفقة جديدة، وحتى إمكانية عقد اتفاق سلام "في حال خدمة مصالح سوريا والإقليم"، تبقى الصورة العامة محكومة بـ "الواقعية السياسية"، رغم أن تاريخ طويلاً من النزاعات في المنطقة لا يفترض معه الثقة في أن إسرائيل ستلتزم باتفاق حقيقي، بينما تسعى إسرائيل إلى توسيع نفوذها الإقليمي وتحقيق الهيمنة العسكرية، وهو ما يجعل أي تقدم نحو اتفاق شامل مرهوناً بالثبات السوري على خطوطه الدفاعية الأساسية، دون التنازل عن الحقوق الثابتة وفق اتفاقيات سابقة.

وبينما تتسرب ملامح المحادثات السورية الإسرائيلية إلى وسائل الإعلام، يظهر جلياً أن كل طرف يحاول رسم صورة مختلفة لنجاح الجولة الحالية، فالجانب السوري من ناحيته يحاول إبراز التزامه بالاستقرار والحوار، في حين أن محللين يرون أن إسرائيل ربما تكون المستفيد الأكبر من هذه الجولة، سواء من ناحية استمرار الهيمنة العسكرية أو التلاعب بالمرحلة الانتقالية السورية.



ماذا قال الشرع؟

أحدث الإشارات الرسمية الصادرة بخصوص المحادثات الجارية مع إسرائيل وردت على لسان الرئيس أحمد الشرع، الأحد 24 أغسطس/ آب، خلال لقائه بوفدٍ إعلامي عربي، عندما كشف عن أن الجانبين "في مرحلة متقدمة" نحو التوصل لاتفاق أمني اعتبر فرص إتمامه مُرجحة بشكل أكبر من فرص عدم نجاحه. لكنّ الشرع جدد التأكيد -بحسب التصريحات التي نقلها تلفزيون سوريا- على أن "أي اتفاق محتمل لن يكون إلا على أساس خط الهدنة لعام 1974".

وفي الوقت نفسه، لا يرى الرئيس السوري الفرصة سانحة من أجل التوصل لاتفاق سلام مع إسرائيل، قاطعاً بذلك الكثير من التكهنات بشأن مضي الجانبين السوري والإسرائيلي في محادثات بهذا الصدد. غير أنه شدد -وفق ما نقلته تقارير عربية عقب اجتماعه مع إعلاميين عرب في دمشق- أنه لن يتردد في عقد أي اتفاق سلام "حال رأى أن ذلك الاتفاق من شأنه خدمة سوريا والإقليم"، مشيراً إلى أن ذلك "سوف يكون على الملأ إن حدث".

خيار سوريا الواقعي

الدبلوماسي الهولندي، نيكولاس فاندام، والذي عمل مبعوثاً خاصاً لسوريا في عامي 2015 – 2016، يقول لـ CNBC عربية: "ليس لدى دمشق ما تتوقعه من إسرائيل؛ إذ إن الأخيرة تسعى فقط إلى امتلاك المزيد من الأراضي".

ويضيف: "إسرائيل ليست مهددة بأي شكل من الأشكال من قبل سوريا - التي لم تطلق رصاصة واحدة عمداً عبر خط الهدنة لعام 1974.. لأكثر من نصف قرن، كانت سوريا جارة مسالمة لإسرائيل"، مشدداً على أن "الإصرار على خط وقف إطلاق النار للعام 1974 هو الخيار الأكثر براغماتية الذي يمكن لسوريا اتخاذه في الوقت الراهن".

ويوضح فاندام أنه "لو أرادت إسرائيل السلام بالفعل، لأعادت مرتفعات الجولان منذ زمن طويل دون تعريض نفسها للخطر.. بدلاً من ذلك، تطمح إسرائيل عموماً إلى المزيد، مدركةً تماماً أن مثل هذه المطالب غير مقبولة لدى خصومها"، مشيراً إلى أن "إسرائيل تسعى جاهدةً إلى الهيمنة العسكرية الكاملة على المنطقة، وإخضاع الدول الأخرى لإرادتها، وهو نهج يجعل السلام الحقيقي مستحيلاً".

في تقدير المبعوث السابق إلى سوريا، لدى حديثه مع CNBC عربية، فإن "الخضوع لإرادة إسرائيل لا يعني بالضرورة استقرار الوضع الهش على الأرض، ناهيك عن استقراره على المدى الطويل"، موضحاً أن أفضل ما تستطيع سوريا فعله في الوقت الراهن واقعياً هو التعاون مع إسرائيل في الحفاظ على خط وقف إطلاق النار لعام 1974، وتحقيق السلام في نهاية المطاف من خلال إعادة مرتفعات الجولان المحتلة".

 

"أفضل ما تستطيع سوريا فعله في الوقت الراهن واقعياً هو التعاون مع إسرائيل في الحفاظ على خط وقف إطلاق النار لعام 1974"

المبعوث الهولندي السابق في سوريا، نيكولاس فاندام لـ CNBC عربية

اتفاقية فض الاشتباك

واتفاقية 1974، والتي يعتبر الشرع أن "أي اتفاق محتمل لن يكون إلا على أساسها"، هي اتفاقية فك الاشتباك بين الجانبين الموقعة في 31 مايو/ آيار 1974، وتنص على استمرار وقف إطلاق النار القائم وفصل الأطراف المتحاربة بواسطة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

وكانت إسرائيل -بعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد- قد أعلنت من جانبها عن أنها "تعتبر الاتفاق لاغياً حتى يتم استعادة النظام في سوريا"، لتتوغل إسرائيل بعدها داخل المنطقة العازلة والقنيطرة وجبل الشيخ، بذريعة إنشاء منطقة عازلة بين الأراضي السورية وهضبة الجولان السوري.



ما وراء المحادثات

ولا يعد تمسك سوريا خلال المحادثات الأمنية بالإطار المرتبط باتفاقية 1974 المُحرك الرئيسي لها خلال تلك المحادثات التي تحمل في طياتها تبايناً واضحًا في الأهداف.

في هذا السياق، يشرح الباحث في العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أيمن سمير، لدى حديثه مع CNBC عربية، أهداف الطرفين، قائلاً: في تقديري، سوريا تريد تحقيق سلسلة من الأهداف من خلال المباحثات الأمنية مع إسرائيل:

الهدف الأول، وهو المعلن، وهو المظلة التي تدور حولها المفاوضات من الجانب السوري: العودة مرة أخرى إلى اتفاقية وقف إطلاق النار لسنة 1974، وبالتالي العودة إلى المنطقة العازلة التي كانت توجد فيها قوات الأمم المتحدة بين سوريا وإسرائيل في مرتفعات الجولان.

غير أنه يرى  أن "من الصعب جداً العودة إلى هذه الحدود مرة أخرى، لأن إسرائيل أصبحت الآن في موقع متقدم في ثلاث محافظات رئيسية: السويداء ودرعا والقنيطرة التي فيها مرتفعات الجولان. وبالتالي من الصعب جداً على إسرائيل في ظل هذا الوضع العودة مرة أخرى إلى هذه الحدود".

الهدف الثاني: تهدف الحكومة السورية أيضاً إلى عدم التدخل الإسرائيلي لصالح سكان محافظة السويداء (..) سوريا تعتقد بأن حماية إسرائيل للسويداء يمكن أن تقود للفدرالية، وألا يكون هناك دولة مركزية في سوريا، وبالتالي تتحول سوريا ليس فقط للفدرالية، ولكن أيضاً إلى التقسيم، وهو ما دعا إليه اليوم الهجري (الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في سوريا حكمت الهجري) بشكل واضح.

الهدف الثالث: تريد الإدارة السورية الجديدة عدم قيام الجيش الإسرائيلي باستهداف القواعد العسكرية التي يمكن أن تكون أماكن للتدريب بين تركيا والجيش السوري في المستقبل؛ لأن هناك اتفاقية تعاون عسكري سوري تركي تقوم فيها تركيا بتدريب الجيش السوري الجديد وتقديم الاستشارات له، وتم تحديد عدد من القواعد العسكرية لهذا الأمر.

ووفق سمير فإن "هناك مخاوف من أن إسرائيل تستهدف هذه القواعد..  لا سيما وأن إسرائيل قالت إنها لن تسمح لتركيا بنشر قواعد عسكرية في وسط سوريا تحديدًا أو في جنوب البلاد"، مرجحاً في الوقت نفسه إمكانيه "أن يكون هناك بعد ذلك اتفاق منفصل بين تركيا وإسرائيل حول كيفية التعاطي الأمني الإسرائيلي في الأجواء السورية وحدود السماح الذي تسمح به إسرائيل لتحرك تركيا من شمال سوريا إلى الوسط أو من الوسط إلى الجنوب".

 

"إسرائيل ستحصل على نسبة كبيرة جداً من مطالبها؛ لأنها هي الأقوى على الأرض، والمدعومة أميركياً"

الباحث في العلاقات الدولية بالأهرام، أيمن سمير لـ CNBC عربية

الهدف الرابع: إسرائيل تنوي أو تفكر في إنشاء منطقة عازلة في جنوب سوريا تبدأ من ريف دمشق الجنوبي وصولاً إلى الحدود السورية مع إسرائيل (..) وبالتالي -وفق الباحث في العلاقات الدولية- فإن هدف الحكومة السورية من هذه المفاوضات هو ألا تقوم إسرائيل بإنشاء هذه المنطقة، لأن إنشائها يعني اقتطاع جزء كبير من البلاد ويحرج الحكومة السورية لأنه تم اقتطاع أراضٍ من حدود سوريا دون أن يكون هناك أي رد فعل عسكري على هذه الخطوة.

في تقدير سمير، فإن هذه المطالب الأمنية "لن تستجيب لها إسرائيل"، معتبراً أن حدود الحصول على مكاسب أمنية جديدة للحكومة السورية "أمر ضعيف للغاية"، لكنه يعتقد بأن هذه المفاوضات في النهاية سوف تنجح، وسوف تحصل إسرائيل على نسبة كبيرة جداً من مطالبها، لأنها هي الأقوى على الأرض، والمدعومة أميريكياً بشكل كبير. كما أن لها عناصر موجودة على الأرض، وميول لسكان في مناطق مختلفة لإسرائيل.

لا أرضية مشتركة

ومن ثم، تبدو هذه المحادثات في ظاهرها محاولة لإيجاد أرضية مشتركة، لكنها في عمقها صراع إرادات، إذ يحاول كل طرف انتزاع ما يمكن من أوراق القوة دون تقديم تنازلات جوهرية.

فبينما تسعى دمشق إلى تثبيت معادلات تحفظ ما تبقى من سيادتها وتمنع أي اختراق يهدد وحدتها الداخلية، تنظر إسرائيل إلى المحادثات كفرصة لتعزيز حضورها الأمني وضمان مصالحها الاستراتيجية على الأرض.

وهو ما يعبر عنه استاذ الدراسات الإسرائيلية بالقاهرة، أحمد فؤاد أنور، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، والذي يقول إن ثمة فجوات كبيرة بين الموقف الإسرائيلي والموقف السوري "تنبع من أن إدارة المرحلة الانتقالية (بقيادة الشرع) ولجت في هذه المفاوضات وهي تعلم بأن الجانب الإسرائيلي يبحث عن التطبيع وعن صور يهدئ بها الرأي العام الداخلي الإسرائيلي ويلهيه عن الخسائر التي يتعرض لها الجيش في غزة وتحفظ رئيس الأركان عن احتلال ما تبقى من القطاع"

في تقدير أنور، لدى حديثه مع CNBC عربية، فإنه "إذا كانت الإدارة الانتقالية في دمشق تريد العودة إلى اتفاق فصل القوات وانسحاب القوات الإسرائيلية من الأماكن التي احتلتها على الأقل بعد وصول هذه الإدارة إلى سدة الحكم فإن في المقابل أولويات حكومة نتنياهو هي العكس تماماً: الاحتفاظ بهذه الأراضي ودفع الإدارة الجديدة لمواجهة مع حزب الله ومنح حصانة للدروز في جنوب غرب سوريا بمعنى عدم الزج بقوات أمن داخلي أو قوات تابعة للجيش السوري في هذه المناطق.

وبالتالي هناك تعارض وهوة بين مواقف الطرفين"، منبهاً إلى أن "الجانب الإسرائيلي هو الرابح في هذه الجولة (من المحادثات الأمنية)".

"الجانب الإسرائيلي هو الرابح في هذه الجولة من المحادثات الأمنية مع سوريا"

استاذ الدراسات الإسرائيلية، أحمد فؤاد أنور لـ CNBC عربية 

يصف أنور صياغة تلك المحادثات والإعلان عنها عبر وسائل الإعلام السورية بـ "المطاطة"، لا سيما أنه يتم تقديمها تحت شعار "العمل على استقرار سوريا"، مردفاً: "هذه عبارات مطاطة وتحتمل كثيراً من التفسيرات.. إنما كان من المفترض أن يكون الحديث مباشرة عن احتلال قديم وجديد يجب إنهاؤه.. فالمعادلة دوماً كانت الأرض مقابل السلام.. والآن الوضع متردٍ وخطير.. دمشق في منعطف".

ويشدد على أنه كان من الأجدى أن يتم التنسيق مع الدول العربية التي لها خبرة في التفاوض مع الجانب الإسرائيلي واستطاعت أن تنتزع حقوقها منه، بدلاً من البدء في اللقاءات العلنية دون تحديد أرضية مشتركة أو تحديد إطار لها، خاصة أن إسرائيل طيلة الوقت لا تحترم ما توقع عليه.. انتهكت اتفاقية 1974 كما انتهكت وقف إطلاق النار مع غزة ولبنان.

 

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة