أثار إعلان بولندا اختراق مجالها الجوي عبر طائرات مسيرة روسية ردود أفعال غربية أدانت هذا التصرف، إلى جانب إعلان بعضها إجراءات أمنية جديدة من أجل التعامل مع تكرار هذا الحدث الأول من نوعه مع بولندا منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/ شباط 2022
ومع ذلك يُنظر على نطاق واسع إلى تلك التطورات على أنها جزء من استراتيجية "تقطيع السلامي" المصممة من روسيا لاختبار عزم الغرب. وتشير استراتيجية "تقطيع السلامي"، من الناحية الجيوسياسية، إلى عملية اتخاذ سلسلة من الخطوات التدريجية لتعزيز الموقف الاستراتيجي، دون إثارة رد فعل مضاد كبير.
وليس لبولندا حدود مباشرة مع البر الرئيسي لروسيا، ولكن شمالها يشترك في حدود بنحو 200 كيلومتر مع إقليم كالينينغراد الروسي الواقع بين بولندا وليتوانيا، بينما تتجاور بولندا أيضاً مع أوكرانيا، وبيلاروسيا - الحليفة لموسكو - من الشرق، وتحدها ألمانيا من الغرب، والتشيك جنوباً.
وتعتبر بولندا أحد أعضاء حلف شمال الأطلسي "الناتو" الـ 32، وعضوة في الاتحاد الأوروبي الذي انضمت إليه في مايو/ أيار 2004. وبالتالي فإن أي مناوشات عسكرية كبيرة من الجانب الروسي مع بولندا يثير مخاطر اندلاع حرب عالمية ثالثة.
وبحسب تقرير لشبكة CNBC، استخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما يعرف بتكتيك "تقطيع السلامي" بشكل متكرر لاختبار التحالف الدفاعي لحلف الناتو، ويستشهد محللون تحدثوا للشبكة بالانتهاك الأخير للمجال الجوي لإستونيا، والتوسع الهادئ لحدود روسيا في جورجيا، والسيطرة على شبه جزيرة القرم عام 2014، إلى جانب اختراق المجال الجوي البولندي.
اقرأ أيضاً: المادة 5 من ميثاق الناتو.. هل تعوض أوكرانيا عن حلم الانضمام لحلف شمال الأطلسي؟
ماذا حدث؟
أعلنت بولندا، في الساعات الأولى من صباح يوم الأربعاء، أنها أرسلت طائراتها وطائرات تابعة لحلف الناتو لإسقاط بعض الطائرات الروسية المسيرة الـ 19 التي دخلت مجالها الجوي.
وسارع الحلفاء الأوروبيون إلى إدانة ما وصفوه بالاستفزاز المتعمد، في حين أعلنت وزارة الدفاع في موسكو أنها لا تخطط لمهاجمة أي أهداف في بولندا.
أيضاً قال الكرملين إنه لن يُدلي بأي تعليقات إضافية على الوضع، رافضاً تصريحات بولندا ودول أوروبية أخرى بشأن توغل طائرات مسيرة في الدولة العضوة في الناتو، واصفاً تلك التصريحات بأنها "ليست جديدة".
وقررت بولندا تحليق الطائرات المسيرة على امتداد الحدود الشرقية لها مع روسيا البيضاء وأوكرانيا، وفرضت قيوداً على حركة الملاحة الجوية هناك.
في حين أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يوم الخميس، أن بلاده تخطط لنشر ثلاث طائرات مقاتلة من طراز رافال من أجل المساهمة في حماية المجال الجوي لبولندا.
وذكرت ألمانيا، الخميس، أنها ستقوي التزامها بالحدود الشرقية للحلف كرد على هذه التطورات.
وذكر الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، يوم الأربعاء، أنه يجري التقييم الكامل للتوغل الروسي بطائرات بدون طيار في بولندا، مضيفاً أنه "معجب للغاية" بكيفية استجابة الحلفاء.
كما تحدث الحلفاء الغربيون عن احتمال فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على موسكو، ودعوا إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم الجمعة.
اقرأ أيضاً: ماكرون: فرنسا تعتزم نشر 3 طائرات رافال للمساهمة في حماية المجال الجوي لبولندا
استفزاز الغرب
من جانبه، قال الشريك في شركة PRISM Strategic Intelligence الاستشارية للمخاطر، بنيامين غودوين، لقناة CNBC، إنه من الواضح تماماً أن الاستراتيجية الروسية في المناورات الحربية هي إثارة الغرب واستفزازه واختباره.
وأضاف غودوين أن جزءاً من مشكلة حلف الناتو يكمن في وضوح عدم رغبة التحالف الدفاعي في الدخول في صراع مباشر مع روسيا منذ فترة طويلة، مما أدى بدوره إلى تأثير غير متكافئ لصالح روسيا.
وقال غودوين: "شهدنا عمليات توغل، على سبيل المثال في المجال الجوي الإستوني، ومن الواضح هذا التوغل في بولندا، وشهدنا حرباً إلكترونية في جميع أنحاء أوروبا".
وأضاف: "لذا، فإن روسيا قادرة على التصعيد بهذه الطرق، كما نقول في المملكة المتحدة، التي تُشبه تقطيع السلامي، وقد أثبت الناتو عجزه حتى الآن عن الرد بأي طريقة فعالة لوقف هذه التصرفات".
اقرأ أيضاً: قمة ألاسكا.. ماهي الخلاصات من لقاء ترامب وبوتين في السياسة والاقتصاد؟
اختبار تكتيكات التعامل مع الغرب
أشار محللون إلى أن رداً سياسياً وعسكرياً حازماً فقط هو ما يكفي لردع الرئيس الروسي.
ودعا غودوين حلف الناتو إلى إعادة النظر في موقفه الدفاعي ونوع الأسلحة التي ينشرها على الجناح الشرقي لأوروبا.
أيضاً حذرت الزميلة غير المقيمة في مركز أوراسيا التابع للمجلس الأطلسي، أوكسانا نيتشبورينكو، من أنه كلما كان رد فعل الغرب على الانتهاك الروسي للمجال الجوي البولندي أكثر ليونة، كلما كانت الضربة التالية أشد وطأة، بحسب شبكة CNBC.
وقالت نيتشبورينكو: "يقول الأوكرانيون منذ سنوات إن بوتين لا يشن حرباً على أوكرانيا فحسب، بل على الغرب - أوروبا تحديداً".
وأضافت: "إنه ببساطة يختبر التكتيكات، مستخدماً دائماً 'استراتيجية السلامي': يجرب أمراً صادماً، وينتظر رد فعل العالم، وإذا لم يحدث شيء، يمضي إلى أبعد من ذلك".
اقرأ أيضاً: بسبب النفط الروسي..أميركا تدعو مجموعة السبع وأوروبا لمعاقبة الصين والهند
تعليق ترامب ورد فعل رئيس الحكومة البولندي
من جانبه، علق الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الأربعاء، بشكل غامض على اختراق المجال الجوي لبولندا هذا الأسبوع.
وقال ترامب، على منصة "تروث سوشيال" للتواصل الاجتماعي التابعة له: "ما شأن روسيا بانتهاك المجال الجوي البولندي بطائرات مسيرة؟ ها قد بدأ الأمر!"، دون الخوض في تفاصيل إضافية.
لكن الرئيس الأميركي، تابع منشوره بتصريح آخر للصحفيين في البيت الأبيض، بأن روسيا ربما تكون قد ارتكبت هذا الاختراق على سبيل الخطأ.
وقال ترامب يوم الخميس: "ربما كان خطأً، ولكن بغض النظر عن ذلك، لست راضياً عن أي شيء له علاقة بهذا الوضع برمته".
لكن رئيس وزراء بولندا دونالد توسك اعترض على ما يبدو على تصريحات الرئيس الأميركي. ففي منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، قال رئيس الحكومة البولندية يوم الجمعة: "كنا نتمنى أيضاً لو كان هجوم الطائرات المسيرة على بولندا خطأً. ولكنه لم يكن كذلك. ونحن نعلم ذلك".
كان الرئيس الأميركي طلب في وقت سابق من الاتحاد الأوروبي فرض رسوم جمركية تصل إلى 100% على الصين والهند بسبب مشترياتهما من النفط الروسي، سعياً إلى قطع مصدر رئيسي للإيرادات الروسية.
ويوم الجمعة، حثت وزارة الخزانة الأميركية مجموعة الدول الصناعية السبع والدول الحليفة في الاتحاد الأوروبي على فرض "تعرفات جمركية مؤثرة" على الواردات من الصين والهند لوقف وارداتهما النفطية من موسكو.
ودعت الوزارة إلى عقد اجتماع لوزراء مالية مجموعة السبع لبحث الجهود الرامية إلى ممارسة مزيد من الضغط على روسيا لإنهاء حربها مع أوكرانيا.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي