يضفي انقسام مسؤولي الفدرالي الأميركي مزيداً من الغموض بشأن مسار السياسة النقدية في الولايات المتحدة، في مرحلة مفصلية تشهد مزيداً من الضغوط المتزامنة، ومع افتقاد البيانات بعد الإغلاق الحكومي.
هذا التقرير ضمن ملف خاص أعدته CNBC عربية قبل آخر اجتماعات الفدرالي في 2025.. تحت عنوان: (كيف يفكر الفدرالي الأميركي؟)
→ التقرير السابق — التقرير التالي ←
خاص- CNBC عربية- كريم محمد
تشهد لجنة السياسة النقدية لدى الفدرالي الأميركي انقساماً عامودياً بمعدل 6 أعضاء من الصقور المؤمنين بالحذر والتمسك بالتشديد النقدي، مقابل 6 آخرين من الحمائم يشجعون على التيسير النقدي لتقريب معدلات الفائدة القياسية من المستوى المحايد وتشجيع الوظائف، فما تأثير ذلك على قرار الفائدة المرتقب خلال ديسمبر/كانون الأول المقبل، وهل يؤسس لمرحلة جديدة من عدم التوافق تهدد مستقبل أسعار الفائدة، وإلي أي مدى قد يستمر الانقسام؟
الصقور والحمائم 6/6
تُظهر مذكرة نشرتها (Capital Economics) عن عدد الأصوات المحتملة، أن رؤساء البنوك الأربعة الإقليميين في لجنة السياسة النقدية وهم سوزان كولينز، أوستان جولزبي، ألبرتو موسالم وجيفري شميد، أبدوا شكوكاً أو موقفاً معارضاً صريحاً لفكرة خفض الفائدة الشهر المقبل. كما أشار حاكما الفدرالي، مايكل بار وفيلب جيفرسون، إلى الحذر أيضاً.
وعلى جانب الحمائم من داعمي التيسير النقدي، دعا ثلاثة من حاكمي الفدرالي المعينين في عهد ترامب وهم ميشيل بومان، ستيفن ميران وكريستوفر والر إلى خفض الفائدة، ويبدو أن رئيس الفدرالي في نيويورك، جون ويليامز قد ينضم إليهم، وفق تصريحاته الجمعة 21 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
وتقول Capital Economics في مذكرتها إن "هذا يعني وجود أربعة أصوات مؤيدة فقط للخفض وستة أصوات معارضة، لكن بما أن رئيس الفدرالي في نيويورك، جون ويليامز، ورئيس الفدرالي جيروم باول غالباً ما يتفقان في الرأي، وحاكمة ليزا كوك عادة تصوت مع باول، فقد نشهد تعادلاً بستة مقابل ستة".

لماذا انقسم أعضاء الفدرالي؟
يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، جو يرق، لـ CNBC عربية، إن أبرز أسباب انقسام الفدرالي الأميركي هي سياسة ترامب وفريقه وعلى رأسهم وزير الخزانة سكوت بيسنت، ووزير التجارة هوارد لوتنيك، المعارضة والضغوط التي يمارسونها على إدارة الفدرالي، ومحاولاتهم المستمرة للتدخل في السياسة النقدية للولايات المتحدة.
اقرأ أيضاً: معركة خفض الفائدة الأميركية تشتد قبل ديسمبر.. ماذا لو تعادل تصويت الفدرالي؟
ويكمل أن ترامب عادة ما يتبع النهج المُعارض وممارسة الضغوط على الغير في سياسته، ولاحظنا ذلك عندما رفض تمثيل أميركا في قمة المناخ "كوب 30" ونتج عن ذلك انتهاء القمة دون التطرق إلى الوقود الأحفوري.
ويضيف يرق أن "مشهد الانقسام أصبح جلياً بسبب الضبابية فنحن نرى الرئيس الأميركي وإدارته وهم يطالبون بإجراء تيسير نقدي عاجل وخفض كبير في أسعار الفائدة بغرض تنشيط الاقتصاد، وفي المقابل يُعارض جيروم باول وبعض الأعضاء هذه السياسة؛ لأن التضخم الذي حاربوه خلال 3 سنوات عبر التشديد النقدي لا يريدون أن تضيع جهودهم هباءً".
وفي السياق نفسه يقول رئيس الأبحاث وتحليل الأسواق في مجموعة "إكويتي" أحمد عزام ، لـ CNBC عربية، إن الانقسام لم يكن وليد اللحظة، بل كان واضحاً بالاجتماعين السابقين للفدرالي الأميركي حيث طالب البعض بخفض أسعار الفائدة 50 نقطة أساس، فيما طالب البعض الآخر بتثبيت أسعار الفائدة، إنما كانت أصوات أغلبية الأعضاء لخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس.
ويوضح عزام أن الانقسام الحالي غير مرتبط بشكل وثيق برئاسة جيروم باول للفدرالي الأميركي، لكنه جراء الوضع السيء بالنسبة للبيانات الاقتصادية الحالية وصعوبة الموازنة بين إدارة مخاطر التضخم وإدارة مخاطر أسواق العامل، خصوصاً بعدما سجلت أسواق العمل ما يقارب 15 قراءة أعطت إشارات بأنه أسواق العامل تمر بمرحلة من التدهور في ظل التعرفات الجمركية المرتفعة التي فرضتها إدارة ترامب وبدورها فرضت حالة عدم اليقين بالنسبة للتضخم والنمو الاقتصادي، كما دفعت الفدرالي الأميركي بفترة من الفترات للتوقف عن تخفيض أسعار الفائدة ومتابعة حالة التعريفات الجمركية وتأثيرها على البيانات الاقتصادية.
ويرى أن هدف الحفاظ على معدلات التضخم المنخفضة لأقل من 3%، وأيضاً الوصول لمعدلات التوظيف الكامل، هو أحد الأسباب الرئيسية في انقسام أعضاء الفدرالي، قائلاً "من الصعب تطبيق القرارين بسياسة نقدية واحدة قائمة على خفض سعر الفائدة، لأن سواء قرر الفدرالي تثبيت أو خفض سعر الفائدة هنا يعرضهم لمخاطر عدم السيطرة على التضخم وفقد القدرة على دعم الوظائف الأميركية وأسواق العمل.

الانقسام ليس الخطر الوحيد
ويعتقد عزام بأن الانقسام وحده لا يهدد مستقبل أسعار الفائدة، لكن ما يهددها هو البيانات الاقتصادية والاعتماد عليها الفترة الحالية، فمع الإغلاقات الحكومية وتعتيم البيانات الاقتصادية لفترة طويلة، نرى أن الفدرالي كسر نهج كان متواجد تاريخيًا وهو الاعتماد على البيانات الاقتصادية لتحديد السياسات النقدية ومن بينها سعر الفائدة، لذلك في ظل الضبابية الحالية سيتحرك الفدرالي الأميركية بغير الموروث والمعتاد بالاعتماد على البيانات الاقتصادية.
ويتفق معه كبير محللي الأسواق المالية لدى "إف إكس برو- FXPRO، ميشال صليبي، في تصريحاته لـ CNBC عربية، بأن تبعات الإغلاق الحكومي أثرت بالسلب على جودة البيانات الاقتصادية سواء في معدلات التوظيف والتضخم والبطالة وغيرهم من المؤشرات الحيوية التي تعطي الفدرالي النظرة الصائب لاتخاذ القرار المنشود، خصوصاً أن الفدرالي الأميركي غير من استراتيجيته التي كانت تعتمد على البيانات الاقتصادية لاتخاذ قرارات السياسة النقدية، وبالتالي مع التغيير الجذري وإعطاء الأهمية الكبرى لبيانات التوظيف وهذه المؤشرات أكثر من بيانات التضخم، وإعطاء الوزن الأكبر للوظائف.
سيناريوها قرار الفدرالي في ديسمبر
يرجّح يرق أن يشهد اجتماع الفدرالي خلال 9 – 10 ديسمبر/ كانون الأول انقسام عامودي بين الأعضاء، وهذا التعادل في الأصوات سيحدث لأول مرة منذ 1973، وأنه لا توجد رؤية واضحة بخصوص السياسات النقدية، خصوصاً في ظل تداعيات إغلاق الحكومة وغياب المؤشرات الاقتصادية التي جعلت قرارات الفدرالي الأميركي في حالة من الضبابية "نحن نقود سيارة في الضباب".
ويقول رئيس الأبحاث وتحليل الأسواق في مجموعة "إكويتي" أحمد عزام ، إنه ربما في الوقت الحالي يعلم الفدرالي الأميركي بما لا تعلم الأسواق، وهو أن تدهور أسواق العمل ليس لفترة بسيطة، بل هو حالة شرخ متواجدة بالأسواق العمل وتدعوا بالنسبة لإدارة المخاطر بالفدرالي بخفض أسعار الفائدة حماية لأسواق العمل، لا انتصارًا على التضخم ووصول التضخم للنسبة المستهدفة (2%)، لذلك أعتقد أن الفدرالي اختار الوقت الحالي لتطبيق سياسة الهبوط الصعب عبر دعم الوظائف الأميركية على حساب قراءات التضخم، لأن المرحلة الحالية هي مرحلة إدارة المخاطر بالولايات المتحدة.
ويشاركهم الرأي ميشال صليبي قائلاً إنه بما لا شك فيه أنه مع صدور بيانات مبيعات التجزئة ومؤشرات أسعار المنتجين (التضخمية بامتياز إذا حذفنا مبيعات التجزئة) الأسبوع الحالي، ستعطينا فكرة عن توجه الفدرالي خلال اجتماع ديسمبر؛ لأنه في حالة ارتفاع هذه المؤشرات ستزيد من حالة التضارب والتكهنات وحتى رغم التوقعات التي ارتفعت بنهاية الأسبوع الماضي بشأن خفض مرتقب في أسعار الفائدة في أعقاب تصريحات رئيس الفدرالي في نيويورك، جون ويليامز.
ويضيف أن السياسة النقدية الأميركية تشهد حالياً تغيراً من بعد آخر تصريح لجيروم باول قبل اجتماع الفدرالي السابق، بغض النظر إذا حدث خفض للفائدة أو لم يحدث، متوقعاً أن تتغير بنية الاحتياطي الفدرالي مع تغيير الرئيس خلال الأشهر المقبلة، وجلب رئيس جديد يميل أكثر إلى التيسير الكمي ومعدلات فائدة منخفضة، وهذا الأمر سيسهل مهمة الفدرالي نحو خفض أكثر لأسعار الفائدة الأميركية.
متى ينتهي انقسام الفدرالي؟
وتوقع رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، أن يستمر انقسام أعضاء الفدرالي الأميركي حتى مطلع العام المقبل، لحين ظهور مؤشرات واضحة للاقتصاد تمكن الفدرالي من تحديد سعر الفائدة بطريقة أكثر موضوعية وشفافية، أما خلال النصف الثاني من عام 2026 وتحديداً عقب رحيل جيروم باول من منصبه هنا قد تضح الرؤية والتي في الغالب تكون في اتجاه التيسير النقدي.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي