تُقدر بتريليون دولار.. ما هي النوايا الحقيقية وراء الديون الصينية للدول المتأزمة؟

نشر
آخر تحديث

بقلم: نهى النحاس

 

على مدار السنوات الماضية برزت الصين كمنافس لصندوق النقد الدولي عبر القروض التي تقدمها بكين للدول النامية والتي تمر بأزمة مالية.

وأثارت السياسة الصينية في الإقراض حفيظة المجتمع الغربي الذي أعرب عن شكوكه حول النوايا الحقيقية وراء القروض التي تقدمها الصين للدول المحتاجة.

وفي تصريحات له، طالب مستشار وزيرة الخزانة الأميركية برنت نيمان الصين بتخفيف أعباء الديون للدول الضعيفة، مؤكداً أن الإخفاق في اتخاذ إجراء بشأن تلك الديون قد يعني سنوات من الصعوبات المستمرة في خدمة الديون وخفض الاستثمار وتراجع النمو لدى الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.

وأكد نيمان على أن العديد من الدول التي تقرضها الصين تواجه أعباء ديون بعد زيادة الاقتراض لمكافحة جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية.

وأضاف: تسببت الحرب الروسية الأوكرانية في ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، كما أن زيادة الفائدة لدى الدول ذات الاقتصاد المتقدم تسببت في أكبر تدفقات صافية لرأس المال من الأسواق الناشئة منذ الأزمة المالية العالمية. 


الصين هي أكبر دائن ثنائي في العالم
 


وتشير تقديرات مسؤول وزارة الخزانة الأميركية إلى أن إجمالي القروض المستحقة لصالح الصين تتراوح ما بين 500 مليار إلى تريليون دولار، وتتركز في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.

وأوضح نيمان أن الصين هي أكبر دائن ثنائي في العالم حالياً متجاوزة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

كما شدد على أن هناك 44 دولة تدين في الوقت الحالي بأكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي لديها للمقرضين الصينيين.

ويعادل حجم الديون المستحقة للصين من جانب دول مثل جيبوتي وزامبيا وقرغيزستان نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي لتلك الدول.

وتشير بيانات AidData وهي هيئة تنمية دولية تابعة لجامعة William & Mary في أميركا إلى أن ثلاثة من أكبر المستفيدين من قروض الإنقاذ الصينية هم باكستان وسريلانكا والأرجنتين والذين تلقوا معاً 32.83 مليار دولار منذ عام 2017.

وقدمت الصين عشرات المليارات من الدولارات من قروض الإنقاذ للدول المعرضة لخطر الأزمات المالية في السنوات الأخيرة، وتمثل عمليات الإنقاذ محوراً أساسياً من قروض البنية التحتية الضخمة التي قدمتها بكين على مدار ما يقرب من عقد من الزمان كجزء من مبادرتها الحزام والطريق التي تبلغ قيمتها 838 مليار دولار.

وجعلت تلك المبادرة من الصين أكبر ممول في العالم للأشغال العامة متجاوزة البنك الدولي.

وارتفعت القروض الصينية للدول التي تمر بأزمات بنحو ثلاث مرات خلال العقد الماضي، ومع ذلك شددت بيانات AidData على أن نصف القروض الصينية للدول النامية لا يتم الإعلان عنها في إحصاءات الديون الرسمية.

وغالباً ما يتم توجيه تلك الديون إلى الشركات والبنوك التابعة للحكومة، بدلاً من توجيهها مباشرة من الحكومة الصينية إلى حكومة الدولة المستفيدة.

وتشير بيانات AidData إلى أن مبادرة الحزام والطريق الصينية تسببت في تراكم ديون خفية بقيمة 385 مليار دولار على الدول منخفضة ومتوسطة الدخل لصالح بكين.

ويشير مصطلح الديون الخفية إلى عدم امتلاك الدولة أو المؤسسة المالية لفكرة واضحة عن مقدار الديون أو القروض التي تلقتها.

فالمبادرة التي انطلقت قبل 9 سنوات للاستثمار في 70 دولة ومؤسسة دولية دفعت الصين إلى الهيمنة العالمية على تمويل التنمية الدولية.

كما أكدت البيانات على أنه منذ إطلاق المبادرة أصدرت الصين 31 قرضاً لكل منحة واحدة. 


أهداف غير معلنة؟


تواجه الصين اتهامات متكررة بأنها تستهدف من سياستها في الإقراض للدول المحتاجة كسب نفوذ على تلك الدول أو ما يسمى بـ "فخ الديون"، وأن بكين تسعى في النهاية إلى السيطرة على أصول رئيسية في تلك الدول في حالة عدم تمكنها من الوفاء بمدفوعات ديونها، وهو الادعاء الذي نفته بكين.

كما أن ما يقرب من 70% من الديون الخارجية الصينية موجهة الآن إلى شركات وبنوك مملوكة للدولة.

لكن تلك الادعاءات دائماً ما تكون مدعومة بأدلة، من بينها الميناء الذي شرعت سريلانكا في بناءه بواسطة استثمارات صينية لكن المشروع الذي قدرت قيمته بمليار دولار بواسطة قروض ومقاولين من الصين عانى من أجل أن يثبت جدواه مخلفاً سريلانكا مثقلة بديون متزايدة.

وفي النهاية وافقت سريلانكا عام 2017 على منح جهات صينية مملوكة للدولة حصة حاكمة في المشروع عند 70% عبر عقد إيجار مدته 99 عاماً مقابل المزيد من الاستثمار الصيني.

ومع ذلك أشارت مؤسسة الأبحاث البريطانية Chatham House إلى أن الصين رغم ذلك لم تحصل على الملكية الرسمية للميناء، وأن نسبة كبيرة من إجمالي ديون سريلانكا ليست مستحقة لمقرضين صينيين وأنه لا يوجد دليل على أن بكين استفادت من مركزها للحصول على ميزة عسكرية من الميناء.

ورغم ذلك فإن شروط الصين لإقراض دول أخرى بخلاف سريلانكا تمنح بكين نفوذاً على الأصول الهامة، لكن رغم ذلك لا توجد من بين آلاف ترتيبات القروض التي خضعت للدراسة من جانب AidData وغيرها من الجهات الباحثة ما يشير إلى أن المقرضين الصينيين التابعين للدولة يستولون بالفعل على الأصول الرئيسية في حالة التخلف عن السداد.

كما ذكر نيمان أن افتقار الصين إلى الشفافية واستخدامها المتكرر لاتفاقات عدم الإفشاء أدى إلى تعقيد جهود هيكلة الديون.

وأضاف: أعلنت الصين ومقرضين آخرين في يوليو تموز أنهم سيوفرون حلولاً لديون لصالح زامبياً لكن التأخيرات تسببت في حالة عدم يقين وقد يؤدي إلى تثبيط الدول الأخرى عن طلب المساعدة.

كما انتقد تصرفات سابقة للصين مثل رفضها لإعادة هيكلة خدمة الدين الخاصة بالأرجنتين. 


الصين تشترط معدلات فائدة مرتفعة 


تميل الصين إلى الإقراض بمعدلات فائدة مرتفعة مقارنة بالحكومات الغربية، عند حوالي 4%، وهي فائدة قريبة من السوق التجاري وأعلى بنحو أربع مرات من القروض المماثلة من البنك الدولي أو دول فردية مثل ألمانيا أو فرنسا.

كما أن فترة السداد المطلوبة للقروض الصينية أقل بشكل عام (عادة ما تكون أقل من 10  سنوات) مقارنة بـ28 عاماً من جانب المقرضين الآخرين للدول النامية


تحرك عالمي


تتطلع دول الغرب إلى أن يكون لها تأثير مماثل للصين فيما يتعلق بالتمويل التنموي، وأعلنت الولايات المتحدة وأميركا الجنوبية والاتحاد الأوروبي قبل عام عن إطلاق برنامج "Global Gateway" لينافس مبادرة الحزام والطريق الصينية.

وكانت بيانات AidData قد أشارت إلى أن الصين تنفق حالياً أموالاً على التنمية الدولية أعلى بنحو مرتين على الأقل مقارنة بالولايات المتحدة والقوى الرئيسية الأخرى، أو ما يعادل حوالي 85 مليار دولار سنوياً.

كما أطلقت مجموعة العشرين مبادرة لتقديم إعفاءات ديون للدول الفقيرة، وانضمت الصين للمبادرة، مؤكدة أنها أسهمت في أكبر قدر من سداد الديون مقارنة بأي دولة مشاركة في الخطة.

هذا وأكدت بيانات البنك الدولي على أنه منذ مايو أيار عام 2020، تم تسليم أكثر من 10.3 مليار دولار لصالح تخفيف أعباء الديون من جانب دول مجموعة العشرين في إطار تلك المبادرة.

وفي مايو أيار الماضي، دعا وزراء مالية مجموعة السبع الصين والدول الدائنة للمساعدة في تطوير الدول التي تكافح مع الديون.

وشطبت الصين الشهر الماضي 23 قرضاً بدون فائدة على 17 دولة إفريقية كانت تأخرت عن سدادها عن الموعد المحدد والذي كان مقرراً نهاية 2021.

وتطرقت مديرة صندوق النقد الدولي كريستينا جورجيفا في الشهر الجاري إلى أزمة الديون المتراكمة على الدول النامية، مؤكدة أن كبار المقرضين والصين يتحملون مسؤولية منع أزمات الديون التي تواجه دول السوق الناشئ والدخل المنخفض.

وأضافت: 60% من الدول منخفضة الدخل و25% من دول الأسواق الناشئة كانت في ضائقة ديون أو بالقرب منها.

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة