أغلى الأدوية في العالم ..لماذا يحتاج البشر للعلاج الجيني؟

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

منذ أكثر من 110 سنوات، لاحظ طبيب من شيكاغو وجود خلايا دم حمراء رقيقة ‏وطويلة في مريض يعاني من نوبات من الألم الشديد، وكان هذا أول اكتشاف موثق ‏لمرض فقر الدم المنجلي.‏


وبعد قرن من الزمان، لا يوجد علاج متاح على نطاق واسع، لكن مع اكتشاف ‏العلاج الجيني، فإن هناك طريق نحو التغيير بسبب مجال يعد من بين الأسرع نمواً ‏في الطب، والآن يصبح السؤال، عندما يتم العثور على علاج، من الذي سيستفيد؟


يجب الاخذ في الاعتبار أن امتلاك القدرة على إجراء تغييرات دقيقة على الجينوم ‏البشري تمثل فرصة غير مسبوقة لمعالجة السبب الجذري لعشرات إن لم يكن مئات ‏الأمراض، لكن يخشى الكثيرون من أن القدرات في امتلاك هذا النوع من العلاجات ‏سوف تظل مقتصرة وحدودة على البلدان ذات الدخل المرتفع.‏


ويمر العلاج الجيني بمنعطف هام في الوقت الحالي بعد عقود من البحث ‏الاستكشافي لتقنيات جديدة قوية تؤدي إلى زيادة هائلة في العلاجات الجينية ‏الجديدة، ففي منتصف عام 2022، كان هناك أكثر من 2000 علاج جيني قيد ‏التطوير في جميع أنحاء العالم تستهدف العشرات من الأمراض، بما في ذلك ‏السرطان والأمراض العصبية والدم والمناعة والقلب والأوعية الدموية والأمراض ‏المعدية.‏


وتُترجم هذه القائمة المتزايدة إلى فرص اقتصادية حيث من المتوقع أن يزداد سوق ‏العلاج الجيني من 5.33 مليار دولار في عام 2022 إلى 19.88 مليار دولار ‏بحلول عام 2027. لكن التوقعات الصحية والاقتصادية الإيجابية للعلاجات الجينية ‏قد خففت بسبب العوائق الكبيرة التي تحول دون الوصول إليها.‏


وصول غير متكافئ ‏


تعد العلاجات الجينية هي أغلى الأدوية في العالم، وفي عام 2022، تلقى العلاج ‏الجيني لمرض ‏beta thalassaemia، وهو اضطراب نادر في الدم، موافقة ‏الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة بسعر متوقع قدره 2.8 مليون دولار مقابل ‏جرعة لمرة واحدة. وبعد شهر واحد فقط، تم تسعير العلاج الجيني لاضطراب ‏عصبي نادر بثلاثة ملايين دولار لكل جرعة.‏


في حين أن الأسعار لا تزال مرتفعة في الوقت الحالي، من المتوقع أن تؤدي ‏الابتكارات التكنولوجية والمنافسة بين الشركات إلى خفض التكاليف وتحسين ‏الوصول إلى العلاجات الجينية في البلدان ذات الدخل المرتفع، لكن ليس هذا هو ‏الحال بالنسبة للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.‏


وترجع التكلفة الباهظة إلى أن المعدات المعقدة والخبراء والبيئات التنظيمية اللازمة ‏لتطوير واختبار وإدارة العلاجات الجينية غير كافية أو غائبة إلى حد كبير في ‏البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وهذا جزئيًا هو السبب في أنه في أغسطس ‏‏2022، كان هناك ما يقرب من 1000 تجربة سريرية مفتوحة للعلاج الجيني على ‏مستوى العالم، ومع ذلك فقد تم تطوع أقل من 5٪ في البلدان المنخفضة والمتوسطة ‏الدخل (لا تشمل الصين)، مع أربع تجارب فقط في إفريقيا. في ظل هذا المسار ‏الحالي، لن يصل العرض أبدًا إلى الطلب.‏


ويولد أكثر من 300 ألف طفل كل عام مصابين بمرض فقر الدم المنجلي، ما يقرب ‏من 75٪ من هؤلاء المواليد في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وحوالي 17٪ في ‏المنطقة العربية والهند. ‏


وبالنسبة لفيروس نقص المناعة البشرية، في عام 2018، كان أكثر من ثلثي ‏الأشخاص المصابين بالفيروس يعيشون في إفريقيا، وثلث هؤلاء تقريبًا في جنوب ‏إفريقيا، وبالتالي، ستتطلب معالجة هذه الأمراض تكاليف صحية هائلة ورعاية ‏أولية أعلى.‏


الطب الحديث


إن السرد القائل بأن تقنيات الرعاية الصحية الجديدة غير مناسبة للبلدان المنخفضة ‏والمتوسطة الدخل هو سبب منطقي طويل الأمد لاستبعاد غالبية العالم من فوائد ‏الطب الحديث. ‏


ويجري حالياً تسليط الضوء على العديد من الأطباء في جميع أنحاء إفريقيا وآسيا ‏الذين عقدوا العزم على مواجهة النموذج الصحي العالمي السائد غير منتظرين ‏لقوى السوق لجعل العلاجات الجينية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل مجرد ‏احتمال، بل يريدون ضمان وصوله بشكل حتمي إلى تلك الدول.‏


وتحدثت دراسات عن خمسة بلدان منخفضة ومتوسطة الدخل تسعى جاهدة إلى ‏العلاجات الجينية، وهي أوغندا وتنزانيا وجنوب إفريقيا وتايلاند والهند، وبشكل ‏جماعي، تستهدف هذه البلدان مجموعة واسعة من الأمراض، فيروس نقص المناعة ‏البشرية، ومرض فقر الدم المنجلي، و‎ beta thalassaemia، والناعور، والتهاب ‏الكبد ‏B، وأنواع معينة من السرطان.‏


كشف تحليل عن أن هذه الدول الخمس تحتاج للنظر إلى سبعة عناصر حاسمة ‏للبنية التحتية اللازمة للدعم المستدام طويلة الأجل لاستكشاف العلاجات الجينية، ‏وهي البحث والتطوير (‏R&D‏)، والمرافق الصحية، والتصنيع، والقوى العاملة، ‏والمشاركة المجتمعية، والسياسة، والتنظيم والتمويل.‏


ويوضح باحثون أن هذه العناصر المعقدة والمترابطة توفر نافذة للحكومات التي ‏تتطلع إلى بناء خرائط طريق للعلاج الجيني تتناسب مع واقعهم الاقتصادي ‏والصحي والسياسي.‏


إن تمكين البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط من دخول السوق العالمية للعلاج ‏الجيني سيفيد المرضى في جميع أنحاء العالم، كما أن دعم البحث والتطوير المحلي ‏والتصنيع المحلي والاختبارات السريرية الملائمة للأنظمة الصحية ذات الدخل ‏المنخفض والمتوسط ستؤدي إلى انخفاض التكاليف وزيادة المنافسة، ولكن هذا ‏طريق طويل. ‏


وسيستغرق تطوير واختبار واعتماد العلاجات الجينية المناسبة للبلدان المنخفضة ‏والمتوسطة الدخل عقودًا، مما يجعل الوقت المناسب لبناء القدرات في تلك البلدان ‏أولوية من الآن.‏


وسيتطلب تحقيق هذا الهدف بحثًا جديدًا ونماذج تمويلية تلبي الأوضاع منخفضة ‏الموارد وغير مقيدة بنماذج تعظيم الربح. يمكن تحقيق ذلك من خلال الشراكات بين ‏القطاعين العام والخاص، والتزام الحكومات ذات الدخل المنخفض والمتوسط، ‏والتعاون الدولي بقيادة مؤسسات مثل مبادرة العلاج الجيني العالمية.‏

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة