لبنان: أزمة الكهرباء تُفاقم الفقر وعدم المساواة

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

قالت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير أصدرته اليوم السبت إنّ السلطات اللبنانية‎ ‎تقاعست عن ضمان الحق في الكهرباء بسبب سوء إدارتها للقطاع على مدى عقود‎.


جاء التقرير الصادر في 113 صفحة بعنوان‎: "‎كأنك عم تقطع الحياة‘: تقاعس لبنان ‏عن ضمان الحق في الكهرباء‎"‎، أنّ الكهرباء أساسيّة بالنسبة إلى جميع مناحي ‏الحياة تقريبا، وهي ضرورية للمشاركة في المجتمعات المعاصرة، وبالتالي فإنّ ‏الحق المحميّ دوليا في مستوى معيشي لائق يشمل حقّ كل شخص، دون تمييز، في ‏الحصول على كهرباء كافية، وموثوقة، وآمنة، ونظيفة، ومُتاحة بتكلفة معقولة. توفر ‏الحكومة حاليا الكهرباء فقط لمدّة تتراوح بين ساعة وثلاث ساعات في المتوسّط، ‏بينما يسدّ الأشخاص القادرون على دفع تكاليف إضافية نقص التغذية الكهربائية ‏بمولّدات خاصّة. تعتمد الكهرباء التي يوفرها القطاع العام والمولّدات الخاصة على ‏الوقود الأحفوري الملوِّث بشدة وذي التأثير الكبير على المناخ. أزمة الكهرباء ‏فاقمت عدم المساواة في البلاد، وقلّصت بشكل حاد من قدرة الناس على التمتع ‏بأبسط الحقوق الأساسية، ودفعتهم نحو مزيد من الفقر‎.


قالت لما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "أزمة الكهرباء ‏في لبنان تترك الناس في العتمة، وتحدّ كثيرا من حصولهم على حقوقهم الأساسية ‏الأخرى مثل الحق في الماء والتعليم والرعاية الصحيّة. الوضع البائس في لبنان ‏يُبيّن أنّ الحصول على كهرباء آمنة ونظيفة وبتكلفة معقولة ليس من الكماليات، بل ‏هو حق من حقوق الإنسان التي يتعيّن على الدولة إعمالها‎". 
‎ 
منذ ما يقرب من 30 عاما، لم تُحسن الدولة إدارة "مؤسسة كهرباء لبنان"، شركة ‏الكهرباء التي تديرها الدولة، مما يتسبب في انقطاع الكهرباء على نطاق واسع. هذه ‏العقود من السياسات غير المستدامة والإهمال الواضح، نتيجة سيطرة النخبة على ‏موارد الدولة والفساد المزعوم والمصالح الخاصة، تسببت في انهيار القطاع بالكامل ‏في 2021، في خضمّ الأزمة الاقتصاديّة المستمرّة، مما ترك البلاد بلا كهرباء في ‏معظم أوقات اليوم‎.


وعدت الحكومات المتعاقبة على مدى عقود بإصلاح قطاع الكهرباء، لكن هذه ‏الوعود لم تتحقق. بدلا من تعيين أعضاء في "هيئة تنظيم قطاع الكهرباء‎" ‎المستقلة، ‏حسبما ينصّ عليه القانون، استمرّ مجلس الوزراء، وخاصة وزير الطاقة والمياه، ‏في ممارسة سيطرة شبه كاملة على القطاع، دون أي شفافية أو مساءلة تُذكر. يتولّى ‏وزير الطاقة والمياه الإشراف على إصدار تراخيص وتصاريح الانتاج، ووضع ‏سياسات القطاع والإشراف على تنفيذها، والرقابة المالية‎.


كما استخدم السياسيون والأشخاص المرتبطون بالطبقة السياسية قطاع الكهرباء ‏لتعزيز أهدافهم السياسيّة، بما في ذلك من خلال توزيع الوظائف في هذه الشركة ‏التي تديرها الدولة لجني أرباح هائلة من العقود المربحة، غالبا على حساب الدولة، ‏وجني الأرباح من قطاع المولّدات الخاصّة.


سوق مولّدات الديزل [المازوت] الخاصة المربحة، رغم كونها مُكلِفة وتتسبب ‏بتلوث شديد، تسد فجوة التغذية بالكهرباء منذ عقود، لكنها متاحة فقط لمن يستطيع ‏تحمّل تكلفتها. أصبح الحصول على كهرباء مستقرة في لبنان خدمة لا يستطيع ‏تحمّلها سوى الأثرياء، ممّا يعمّق عدم المساواة المتجذر في البلاد، ويدفع الناس نحو ‏مزيد من الفقر.


منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، غرق الاقتصاد اللبناني في أزمة ماليّة عميقة ‏بلغت ذروتها في أوّل تعثر سيادي للبلاد في مارس/آذار 2020. التداعيات ‏الاقتصادية لجائحة "كورونا"، والمأزق السياسي، وانفجار مرفأ بيروت في ‏أغسطس/آب 2020 كلها أسباب فاقمت الركود الاقتصادي وسرّعت في انهيار ‏الاقتصاد‎. ‎ارتفع معدّل التضخم إلى 145‏‎% ‎في 2021، ليضع لبنان في المرتبة ‏الثالثة عالميا من حيث أعلى معدلات التضخم، بعد فنزويلا والسودان. بلغ التضخم ‏السنوي للكهرباء والغاز والمياه ذروته عند حوالي 600% في يونيو/حزيران ‏‏2022.


هذا، وقد تسببت الأزمة الاقتصادية وأزمة الكهرباء في تقويض سبل عيش عشرات ‏الآلاف من الأشخاص‎. ‎كما أدّت البطالة، وتراجع التحويلات المالية، ورفع الدعم ‏عن الواردات الأساسيّة إلى دفع ملايين الناس نحو الفقر وتفاقم البؤس. تقدّر‎ "‎الأمم ‏المتحدة‎" ‎أنّ أكثر من ثلثي سكّان لبنان يعيشون تحت خطّ الفقر.


تعاونت هيومن رايتس ووتش مع "مؤسسة البحوث والاستشارات"، وهي شركة ‏أبحاث محليّة، لإجراء مسح شمل أكثر من 1,200 أسرة.


‎ ‎أظهرت نتائج هذا المسح‎ ‎مدى مساهمة أزمة الكهرباء في تفاقم عدم المساواة، ودفع ‏الناس إلى الفقر، وعرقلة حصولهم على حقوقهم الأساسية، مثل الحق في الغذاء ‏والماء والصحة، والتسبب في تلوث واسع للهواء يؤثر على البيئة والصحة ويساهم ‏في تفاقم أزمة المناخ. قالت تسعة من كل عشر أسر شملها المسح إنّ تكلفة الكهرباء ‏أثرت على قدرتها على دفع تكاليف الخدمات الأساسيّة الأخرى.


كما أن الحصول على الكهرباء من مولّد خاص أو تجاري لسدّ الفجوة الحاصلة في ‏كهرباء الدولة يعتمد على الدخل. وفي فئة الـ20% من الأسر الأكثر فقرا، هناك ‏أسرة من كل خمسة أسر لا تحصل على الكهرباء من مولّد. بالإضافة إلى ذلك، ‏تنفق الأسر ذات الدخل المنخفض حصّة أكبر بكثير من دخلها على فواتير المولّدات ‏مقارنة بالأسر الأكثر ثراءً، مما يفرض ضغوطا على ميزانيات الأسر ويجعلها ‏أكثر عرضة للتخلّف عن سداد النفقات الأساسية الأخرى.


قالت نسبة عالية من الذين شملهم المسح إنّ انقطاع الكهرباء أثر على قدرتها على ‏القيام بالمهام المنزليّة العاديّة المرتبطة بالحقوق، مثل الحصول على الماء أو طهي ‏الطعام أو المشاركة في أنشطة التعليم والعمل.


بالإضافة إلى الضرر غير المتناسب الذي يلحق بالأسر ذات الدخل المنخفض، ‏يتسبب اعتماد منظومة الكهرباء في لبنان على محطّات تعمل بزيت الوقود الثقيل ‏وعلى مولدات المازوت في تلوث الهواء بشكل كبير، مما أثر بشدة على البيئة ‏وتسبب في تداعيات وخيمة على صحة السكّان، وأدّى إلى وفاة الآلاف منهم كل ‏عام بحسب بيانات "غرينبيس‎".


لم تستثمر الحكومة اللبنانية في مصادر الطاقة المتجدّدة، رغم أنها قدّرت‎ ‎أنّ موارد ‏لبنان من الطاقة الشمسيّة وطاقة الرياح يُمكن أن تزوّد البلاد بأضعاف حاجتها من ‏الطاقة. في 2019، بلغت حصّة مصادر الطاقة المتجدّدة‎ ‎من إجمالي إنتاج الكهرباء ‏في لبنان 7.83% فقط، منها 0.73% فقط من الطاقة الشمسيّة و1.82% فقط من ‏الطاقة الكهرومائيّة.


وتتحمل السلطات اللبنانيّة المسؤولية عن الانتهاكات اليوميّة لحق السكان في ‏الكهرباء وفي تحقيق مستوى معيشي لائق، وفي التعليم والصحة والبيئة الصحية، ‏التي تتسبب فيها أزمة الكهرباء المستمرّة. يتعين على السلطات اللبنانية اتخاذ ‏خطوات فوريّة وعاجلة لضمان حصول جميع السكان على كهرباء مستمرة ونظيفة ‏وبتكلفة معقولة، وغير مساهمة في أزمة المناخ، مع التركيز على زيادة قدرة ‏الإنتاج من الطاقة الكهرومائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسيّة‎.‎
قالت هيومن رايتس ووتش إنّ الانتقال السريع إلى مصادر الطاقة المتجددة سيساعد ‏لبنان على توفير المزيد من المال وخلق المزيد من فرص العمل، وسيزيد من انقاذ ‏الأرواح وسيخفّض من تلوث الهواء. ينبغي للسلطات أيضا اتخاذ خطوات لإنشاء ‏نظام حماية اجتماعية شامل يضمن منافع للناس طيلة حياتهم، مثل منح الأطفال ‏وإعانات البطالة ومعاشات الشيخوخة.


يتعيّن على المؤسسات المالية الدولية، مثل "صندوق النقد الدولي" و"البنك الدولي"، ‏حث الحكومة اللبنانية على إصلاح قطاع الكهرباء بما يتماشى مع التزامات لبنان ‏في مجال حقوق الإنسان، وضمان حصول كل الناس، بغضّ النظر عن وضعهم ‏الاقتصادي والاجتماعي، على الكهرباء وقدرتهم على تحمل تكلفتها. يتعين على ‏البنك الدولي الامتناع عن تمويل أي مشاريع طاقة جديدة تعتمد على الوقود ‏الأحفوري، وتقديم الدعم الفني والمالي لتوسيع البنية التحتية للطاقة المتجددة بدلا ‏من ذلك.


قالت فقيه: "يتعين على لبنان اتخاذ اجراءات فوريّة لتعزيز قطاع الكهرباء ‏والتصدّي للتآكل المستمرّ للحقوق الاقتصاديّة الأساسيّة. ينبغي للحكومة الاستثمار ‏في مصادر الطاقة المتجددة التي ستخلق فرص عمل وتخفض التلوث، وتُمكن الناس ‏في لبنان من الحصول على كهرباء موثوقة وآمنة ونظيفة‎".‎

 

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة