بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عبارة من كلمتين تلخص الوضع الحالي للجغرافيا السياسية العالمية: "المليار الذهبي". وفي حديثه في يوليو تموز من عام 2022 في موسكو، أعلن بوتين أن "نموذج الهيمنة الكاملة على ما يسمى بالمليار الذهبي غير عادل. لماذا يجب أن يسيطر هذا المليار الذهبي من إجمالي سكان العالم على الجميع ويفرض قواعد سلوكه الخاصة؟
هذه العبارات أطلقها بوتين للحديث عن مؤامرة المليار الذهبي، وكررها مجدداً في مؤتمر البريكس، فما المقصود بها؟ ومن ابتكرها من الأساس؟
بحسب بوتين: "إن المليار الذهبي "يقسم العالم إلى أناس من الدرجة الأولى والثانية، وبالتالي فهو مفهوم في الأساس عنصري واستعماري جديد".
في روسيا، كانت هذه العبارة موجودة منذ عقود باعتبارها اختزالًا ينذر بالهلاك لوصف معركة مستقبلية على الموارد بين النخبة العالمية والروس. ومنذ فبراير/شباط عام 2022، كانت الحكومة الروسية تنشر هذه النظرية لتزعم أن عزلة روسيا بعد اندلاع حربها مع أوكرانيا لم تكن بسبب الحرب - بل بسبب مؤامرة عالمية حتمية ضدها.
هذه العبارة مأخوذة من كتاب نُشر عام 1990، في الوقت الذي وصلت فيه الحقبة السوفييتية إلى مرحلة التوقف التام. الكتاب بعنوان "مؤامرة الحكومة العالمية: روسيا والمليار الذهبي"، كتبه مسؤول روسي يدعى أناتولي تسيكونوف.
وصف تسيكونوف مؤامرة نهاية العالم ضد روسيا، حيث أدركت النخبة الغربية الثرية أن التغير البيئي والكارثة العالمية سيشهدان المزيد من المنافسة على الموارد العالمية، مما يجعل العالم في نهاية المطاف غير صالح للسكن للجميع باستثناء مليار منهم.
ووفقاً للكاتب، تدرك هذه النخبة أن روسيا، بمواردها الطبيعية وكتلتها الهائلة وموقعها الجغرافي، بحاجة إلى إخضاعها لسيطرتها بأي وسيلة ضرورية لبقائها.
هذه العبارة والأفكار ليست من تأليف الكاتب روسي، بل هي كانت بمثابة مخاوف شديدة بشأن الاكتظاظ السكاني العالمي التي تحدث عنها رجل الدين البريطاني توماس روبرت مالتوس لأول مرة في أواخر القرن الثامن عشر. ومع ذلك، فقد تم إعطاؤها تحديثًا عصرياً روسيًا.
وفي كتابه الصادر عام 2019 بعنوان «مؤامرات ضد روسيا: مؤامرة وخيال بعد الاشتراكية»، كتب الباحث في جامعة نيويورك إليوت بورنشتاين أن الفكرة تتناسب مع تاريخ أوسع مصاب بجنون العظمة.
"يجمع المليار الذهبي العديد من أهم الاستعارات عن روسيا في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي (الحاجة إلى الدفاع عن الموارد الطبيعية للبلاد من الغرب الجشع، وإحباط الغرب معنويات الشباب الروسي، وتدمير الاقتصاد الروسي، وفقاً لرأي بورنشتاين.
وتجدر الإشارة إلى أن الكاتب الروسي تسيكونوف قد توفي في ظروف غامضة بعد عام من نشر كتابه، مما زاد من الغموض.
لكن فكرته سرعان ما انتشرت على يد المفكر الروسي المناهض لليبرالية سيرجي كارا مورزا، الذي جردها من حوافها الغريبة وكتب في أواخر التسعينيات أن المليار الذهبي يعني سكان الديمقراطيات ذات الدخل المرتفع مثل تلك الموجودة في الولايات المتحدة أو منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أو مجموعة السبع الذين يستهلكون نسبة غير عادلة من موارد العالم.
وبعد مرور أكثر من عقدين من الزمن، أصبحت هذه النظرية واسعة النطاق حتى داخل الحكومة الروسية. وعلى الرغم من بداياتها التآمرية، فإن مسؤولين روس رفيعي المستوى، مثل الرئيس السابق ديمتري ميدفيديف ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، كرروا العبارة علانية في مناسبات مختلفة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
مثلاً، قال ميدفيديف: "يمكنك أن تعلن عن نفسك المليار الذهبي بقدر ما تريد، ولكن عدد سكان العالم أكبر بعدة مرات، والمعادن أغلى بكثير من الذهب".
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي