◾ تحولات أمن الطاقة الأميركي.. من الاعتماد على الخام العربي إلى ثورة النفط الصخري
◾ عودة ترامب تكتسب زخماً.. دعم الحفر يعيد تشكيل أسواق الطاقة العالمية
◾ الولايات المتحدة كانت تعتمد بشكل كبير على واردات النفط من الشرق الأوسط لتلبية احتياجاتها الطاقوية.. بينما أزمة الطاقة في السبعينيات شكلت نقطة تحوّل رئيسية
◾ ثورة "النفط الصخري" تحول أميركا إلى أكبر منتج للنفط في العالم ومصدر صافٍ.. وتغير ديناميكيات أسواق النفط
◾ زيادة معدلات الإنتاج تساعد على امتصاص الصدمات في مواجهة التوترات الجيوسياسية
◾ واردات أميركا من النفط والمنتجات البترولية من السعودية تراجعت إلى 5% فقط في 2023 من إجمالي ما استوردته الولايات المتحدة.. وكندا تحتل المرتبة الأولى بنسبة 51%
◾ مختصون أميركيون وغربيون يرصدون لـ CNBC عربية التحوّلات الجذرية في أسواق النفط وتداعياتها على العلاقات الأميركية مع الدول المُنتجة بالشرق الأوسط
◾ رغم التحول الكبير بدعم من "النفط الصخري".. العلاقات مع دول الخليج العربي "استراتيجية" للولايات المتحدة للحفاظ على توازن واستقرار أسواق النفط
خاص- CNBC عربية- محمد خالد
خلال عقود مضت كانت الولايات المتحدة الأميركية تعتمد بشكل كبير على واردات النفط من منطقة الشرق الأوسط؛ لتلبية احتياجاتها الطاقوية المتزايدة، لكن بعد أزمة النفط في السبعينيات، التي كشفت عن مخاطر الاعتماد على مصدر واحد رئيسي للطاقة، بدأت في تطوير استراتيجيات لتقليل هذا الاعتماد، وقد مكنتها ثورة "النفط الصخري" لاحقاً من التحول من مستورد رئيسي إلى مصدر صافٍ يتصدر عمالقة منتجي النفط.
ورغم هذا التحول، تظل العلاقات مع دول الخليج العربي مهمة استراتيجياً للولايات المتحدة؛ فدول الخليج تلعب دوراً حيوياً في الحفاظ على توازن أسواق النفط العالمية، خاصة عبر منظمة أوبك، وتظل واشنطن بحاجة إلى التنسيق معها لضمان استقرار الأسعار ومنع التقلبات الحادة التي قد تؤثر على الاقتصاد العالمي.
علاوة على ذلك، تبقى منطقة الخليج مركزاً مهماً للعلاقات الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، ما يعزز من استمرار التعاون الوثيق بين الطرفين رغم تطور مصادر الطاقة في الولايات المتحدة.
ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تكتسب سياسات الطاقة الأميركية زخماً جديداً، لا سيما أن الرئيس المنتخب يُعرف بتوجهه الداعم لزيادة إنتاج النفط والغاز المحلي من خلال تخفيف القيود التنظيمية وتشجيع الحفر. مثل هذه السياسات قد تسهم بدورها في إعادة تشكيل ديناميكيات أسواق الطاقة العالمية، والعلاقات الأميركية مع الدول المُنتجة لضمان التوازن بين إنتاجها المحلي وحاجتها للحفاظ على استقرار السوق، خاصة في ظل تقلبات الطلب العالمي.
اقرأ أيضاً:

"احفر يا عزيزي".. كيف يعيد ترامب تشكيل مستقبل سوق النفط؟ (ملف خاص- CNBC عربية)
أزمة الطاقة في السبعينيات
سجلت أسواق النفط العالمية تحولات جذرية منذ سبعينيات القرن الماضي، وهي الحقبة التي شهدت صدمات اقتصادية عميقة مع تصاعد الأزمات الجيوسياسية وجملة التطورات التي عرفتها منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك حرب أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973، والثورة الإيرانية (من 7 يناير/ كانون الثاني 1978 حتي 11 فبراير/ شباط 1979) بما شكل ضغوطات ملموسة على أسواق النفط، الأمر الذي أطلق موجات تضخمية ضربت الاقتصادات الغربية في صميمها، وأحدثت ركوداً اقتصادياً عالمياً، شجع بدوره لاحقاً على مراجعة شاملة لسياسات الطاقة.
في خضم حرب 1973، استخدمت الدول العربية النفط كسلاح سياسي من خلال فرض حظر نفطي على الدول الداعمة لإسرائيل، مما أدى إلى قفزة كبيرة في أسعار الطاقة العالمية، وهي القفزة التي كشفت عن هشاشة الاعتماد الغربي على منظومة الإمدادات الخارجية التي كان يعتمد عليها حينها.
ثم بعدها بسنوات قليلة، جاء زلزال الثورة الإيرانية ليُضيف مزيداً من الضغوط على الأسواق، حيث توقفت الإمدادات الإيرانية، التي كانت تشكل آنذاك جزءاً كبيراً من الإمدادات العالمية.
مع ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية وتزايد مخاوف نقص الإمدادات، وتأثر الاقتصادات الغربية بشدة، حيث شهدت تضخماً مزدوج الرقم، وارتفاع معدلات البطالة، وتباطؤ النمو، دفع ذلك الدول الغربية لإعادة تقييم استراتيجياتها في مجال الطاقة، مثل تعزيز الاستثمار في مصادر الطاقة البديلة وترشيد الاستهلاك.
الولايات المُتحدة "في المخنق"
على مدار العقود التي أعقبت أزمات السبعينيات، ظلَّ شبح صراع جديد في الشرق الأوسط يشكل تهديداً مستداماً على استقرار أسواق النفط العالمية، وقد عبرت عن ذلك بوضوح تبعات التوترات السياسية والاقتصادية في المنطقة، بما في ذلك الحروب المتلاحقة مثل حرب الخليج الأولى (الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988) والغزو العراقي للكويت في العام 1990، وغيرها من الأزمات.
بالنسبة للإدارات الأميركية المتعاقبة، ظلّت هذه المخاطر والتوترات المتكررة تشكل تحدياً استراتيجياً مستداماً، وبالرغم من محاولات وجهود التنويع الطاقوي، ظلت واشنطن تعتمد على النفط المستورد من الشرق الأوسط (من دول الخليج كالسعودية والكويت كموردين أساسيين عبر مضيق هرمز).
قبل عقدين من الزمن تقريباً، كانت الولايات المتحدة تواجه تحدياً استراتيجياً واسعاً يتمثل في اتساع الفجوة بين إنتاجها واستهلاكها من النفط (متوسط الإنتاج بلغ قرابة الـ 7 ملايين برميل يومياً، في حين كان الاستهلاك يقارب 21 مليون برميل يومياً). ولسد هذا العجز، كانت الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على تلك الواردات النفطية من دول المنطقة.
دور هذه الدول كان حيوياً، حيث كانت صادراتها تتدفق عبر نقاط استراتيجية مثل مضيق هرمز، مما جعل إمدادات الطاقة الأميركية عرضة للتقلبات الجيوسياسية والاضطرابات الإقليمية.
النفط الصخري وإعادة تشكيل خريطة النفط
غير أن أميركا استطاعت، بفضل التكنولوجيا المتطورة، قلب الموازين عبر ثورة "النفط الصخري"، لا سيما مع دخول القرن الحادي والعشرين، عندما بدأت هذه الثورة تُحدث تحولاً تدريجياً في ميزان الطاقة العالمي.
تقنية التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي سمحت للولايات المتحدة باستخراج كميات هائلة من النفط والغاز الطبيعي من الصخور الزيتية، مما جعلها أكبر منتج للنفط في العالم بحلول العام 2018، وذلك عند مستوى قياسي آنذاك بلغ نحو 10.88 مليون برميل يوميا.
ومنذ ذلك الحين، شهدت أميركا تحولاً في مشهد إنتاج النفط على مدى العقدين الماضيين، حيث انتقلت من وضعية الاعتماد الكبير على واردات النفط (لا سيما العربي) إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي.
وبحلول نهاية العام 2018، أصبحت الولايات المتحدة لأول مرة منذ عقود مصدراً صافياً للنفط، وهو إنجاز لم يكن متصوراً قبل سنوات قليلة (وفقاً لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية في السابع من ديسمبر/ كانون الأول 2018، فإن واشنطن في الأسبوع السابق على صدور البيانات سجلت صافي صادرات نفطية 211 ألف برميل للمرة الأولى).
وفي العام الماضي 2023، استوردت الولايات المتحدة حوالي 8.51 مليون برميل يومياً من البترول من 86 دولة (يشمل البترول النفط الخام وسوائل الغاز الهيدروكربونية ومنتجات البترول المكررة مثل البنزين ووقود الديزل والوقود الحيوي). وبلغت واردات النفط الخام حوالي 6.48 مليون برميل يوميًا، وهو ما يمثل حوالي 76% من إجمالي واردات البترول الإجمالية للولايات المتحدة، وفق بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
وفي العام نفسه صدّرت الولايات المتحدة نحو 10.15 مليون برميل يومياً من البترول إلى 173 دولة وثلاثة أقاليم تابعة. وشكلت صادرات النفط الخام البالغة نحو 4.06 مليون برميل يومياً 40% من إجمالي صادرات البترول الأميركية.
بلغ إجمالي صافي واردات البترول الناتجة (الواردات مطروحاً منها الصادرات) نحو 1.64 مليون برميل يومياً، مما يعني أن الولايات المتحدة كانت مصدراً صافياً للبترول بـ 1.64 مليون برميل يومياً في 2023.
كانت الدول الخمس الكبرى المصدرة لواردات النفط الإجمالية للولايات المتحدة في عام 2023 هي كندا والمكسيك والمملكة العربية السعودية والعراق والبرازيل.
شكلت الواردات من السعودية نسبة 5%، في المرتبة الثالثة بعد كل من كندا (52%) والمكسيك (11%) تلتها في المرتبة الرابعة العراق (4%) ثم البرازيل خامساً (3%)، وفق البيانات التاريخية لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، والتي تعكس تحولاّ في الاعتماد على الوادرات الأميركية من الشرق الأوسط على مدى العقدين الماضيين.
"الجوكر" الأميركي بقطاع الطاقة
في ظلال هذه الطفرة المذكورة، يعتبر النفط الصخري بمثابة "الجوكر" (الورقة الرابحة) لأمن إمدادات الولايات المتحدة من النفط، بحسب تعبير الأستاذ في معهد العلوم السياسية بباريس والمساهم في Natural Gas World المتخصص في الطاقة العالمية، تييري بروس لـ CNBC عربية، أوضح خلالها أن "الدول التي لديها احتياطيات من النفط الصخري لكنها ترفض استغلالها مثل فرنسا، تضع أمن إمداداتها في أيدي دول أجنبية، وهذا ما يفهمه الرئيس الأرجنتيني خافيير مايلي من خلال استعداده لتعزيز إنتاج حقل فاكا مويرتا (يُتوقع أن يصل إنتاجه إلى مليون برميل يومياً بحلول 2030 وفق ريتساد إنرجي).
وأضاف: "النفط الصخري تكنولوجيا فعّالة؛ لأنه لا يحتاج إلى جدول زمني طويل لتطبيقه (يتميز بمرونة وسرعة في تكييف العمليات) فإذا ارتفعت الأسعار كثيراً، فإن شركات النفط الصخري الأميركية ستعزز استثماراتها؛ وإذا انخفضت كثيراً، فإنها ستقلل من استثماراتها".
تأثير النفط الصخري
تشير تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية إلى أنه في العام 2023، تم إنتاج نحو 3.04 مليار برميل (أو نحو 8.32 مليون برميل يوميا) من النفط الخام مباشرة من موارد النفط الصخري في الولايات المتحدة. ويعادل هذا نحو 64% من إجمالي إنتاج النفط الخام الأميركي في العام 2023.
ويشار إلى أن النفط الصخري كان قد شهد فترة من الانهيار قبل وأثناء جائحة كوفيد، قبل أن يسترد الزخم بعد ذلك.
ويُبين الرسم البياني التالي تطور إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة شهرياً منذ يناير/ كانون الثاني 2007 وحتى أكتوبر/ تشرين الأول، في أحواض إنتاج النفط الصخري الرئيسية في الولايات المتحدة، وهي مناطق جيولوجية غنية بالموارد النفطية غير التقليدية، والتي يتم استخراج النفط منها باستخدام تقنيات مثل التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي.
وفّر النفط الصخري بشكل أو بآخر حماية غير مسبوقة لإمدادات الطاقة الأميركية، ما قلل من تعرض واشنطن لصدمات أسواق النفط العالمية، وبالتالي أصبحت الولايات المتحدة أقل اعتماداً على نفط الشرق الأوسط، وأقل تأثراً من تبعات ارتدادات التوترات الجيوسياسية المختلفة في المنطقة وما تشهده من أزمات متكررة.
وأدى التحول في إنتاج النفط الصخري في أكبر اقتصاد بالعالم إلى تعزيز استقلال واشنطن الجيوسياسي والاقتصادي. كما أنه أصبح أداة ضغط جيوسياسية، فقد سمح للولايات المتحدة بفرض عقوبات على دول مثل إيران وفنزويلا دون التأثير الكبير على أسعار النفط العالمية.
عالمياً، لم يغير النفط الصخري -رغم التحديات التي تواجه إنتاجه- فقط ديناميكيات السوق، بل أعاد رسم خرائط التوازن الجيوسياسي بشكل أو بآخر، كما عزز من رؤى واستراتيجيات تنويع الاقتصادات المعتمدة على النفط، لفتح آفاق لقطاعات مختلفة.
وفي السنوات الأخيرة، والتي شهدت تصاعداً ملحوظاً في الأزمات الجيوسياسية التي تهدد استقرار أسواق النفط العالمية، من الهجمات على منشآت نفطية في الخليج ومروراً بالحرب في أوكرانيا ثم الحرب في غزة والتوترات في منطقة البحر الأحمر، لعب النفط الصخري الأميركي دوراً بشكل أو بآخر في تخفيف تداعيات هذه الأزمات، كما راهنت عليه الأسواق بشكل أو بآخر في توازن السوق وتعويض قرارات خفض الإمدادات، وتعزيز أمن الطاقة بالنسبة للولايات المتحدة.
منافسة أوبك
كبير محللي الأبحاث في شركة MST Financial، سول كافونيك، قال لـ CNBC عربية، إن النفط الصخري الأميركي كان بمثابة نقطة تحول خلال العقد الماضي، بعد أن وفر منافسة حقيقية لمنظمة "أوبك" على الحصة السوقية، وأصبح المصدر الموازي للإمدادات بفضل مرونته في زيادة أو تقليل الإنتاج استجابة لإشارات الأسعار.
وأفاد بأنه "مع اندماج صناعة النفط الصخري الأميركي في أيدي الشركات الكبرى، أصبحت أقل استجابة لتحركات الأسعار، مما قد يتيح لمصادر إمداد عالمية أخرى لعب دور في تحديد الأسعار في بعض الأحيان".
ديناميكيات أسواق النفط العالمية.. وتأثير ترامب
في تصريحات خاصة لـ CNBC عربية، يكشف رئيس شركة Lipow Oil Associates الأميركية، آندي ليبو، عن مدى تأثير الزيادة في إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة على ديناميكيات أسواق النفط العالمية، قائلاً: "لقد غيرت الزيادة في إنتاج النفط الصخري ديناميكيات سوق النفط، فقد بلغ إنتاج الولايات المتحدة أخيراً 13.5 مليون برميل يومياً، وتصدر الولايات المتحدة بانتظام ما يقرب من 4 ملايين برميل يومياً في منافسة مباشرة مع الإمدادات من أجزاء أخرى من العالم".
وأضاف: من المتوقع أن تخفف إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب القادمة القيود التنظيمية المفروضة على صناعة النفط بما في ذلك توفير المزيد من الأراضي الفدرالية للاستكشاف والإنتاج. وستستمر الولايات المتحدة في كونها لاعباً رئيسياً في سوق النفط لعدة سنوات قادمة.
كما تسهم السياسات المحتملة للرئيس الأميركي المنتخب في تعزيز قدرة صناعة النفط الأميركية على النمو، إذ يُتوقع أن تؤدي خطواته لتخفيف القيود التنظيمية وتوسيع عمليات الاستكشاف والإنتاج إلى زيادة إمدادات النفط في الأسواق العالمية. هذا التوجه من شأنه أن يعزز موقف الولايات المتحدة كلاعب رئيسي في سوق النفط، وهو ما سيخلق منافسة إضافية مع كبار المنتجين مثل السعودية وروسيا.
لكن في الوقت نفسه، قد يؤدي هذا إلى توترات مع منظمة أوبك، التي تحاول تنظيم الإنتاج للحد من الانخفاضات الحادة في الأسعار، مما يعكس استمرار الصراع بين سياسات الإنتاج الحر والقيود التنظيمية.
فيما أشار ليبو في الوقت نفسه إلى أن صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة بارعة للغاية في تحسين التكنولوجيا والكفاءة لاستخراج المزيد من النفط من الأرض في المرافق القائمة. ومع ذلك، وكما هو الحال مع أي صناعة أخرى تعتمد على أسعار السلع الأساسية، فإن انخفاض الأسعار لفترة طويلة من الزمن من شأنه أن يحد من الاستثمار المستقبلي وإنتاج النفط.
عقدان من التحوّلات الاستراتيجية
التغيرات الديناميكية التي أبرزها ليبو تدعمها البيانات التاريخية المرتبطة بتطور حجم الواردات الأميركية، فمع تفجر "ثورة النفط الصخري" شهد العقدان الماضيان على وجه الخصوص جملة من التحوّلات الاستراتيجية فيما يتعلق بمنظومة أمن الطاقة الأميركية.
على سبيل المثال، بمقارنة معدلات العام 1973 ومستويات 2023، فإن واردات الولايات المتحدة الأميركية من النفط الخام من المملكة العربية السعودية انخفضت بنحو الربع (24.5% تحديداً) وفق حسابات CNBC عربية، استناداً إلى البيانات التاريخية لإدارة معلومات الطاقة الأميركية لحجم الوارادت اليومية.
وانخفضت الواردات الأميركية من النفط السعودية في 2023 (البالغة 349 ألف برميل) بنسبة 80% عن مستويات الذروة المسجلة في 2003 (1,423,000 برميل يومياً)، وفق حسابات CNBC عربية.
العلاقات مع الشرق الأوسط
في هذا السياق، أوضح استاذ العلاقات الدولية بكلية هاميلتون الأميركية، آلان كفروني (المتخصص في السياسة الخارجية الأميركية) لـ CNBC عربية، إنه نتيجة لثورة النفط الصخري، أصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم، ومن غير المرجح أن يتغير هذا في السنوات الخمس إلى العشر المقبلة، فقد رشح دونالد ترامب رئيساً تنفيذياً لصناعة النفط ومنتقداً لمحاولات مكافحة تغير المناخ وزيراً للطاقة (في إشارة إلى قطب صناعة النفط الصخري كريس رايت).
لكن على الرغم من الافتقار إلى الاعتماد على واردات النفط ــ وهو ما كان متوقعاً لسنوات عديدة حتى ثورة النفط الصخري ــ فإن السياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط عموماً ودول الخليج على وجه الخصوص لم تتغير، بحسب كفروني، الذي شدد على أنه لا تزال أساسيات "مبدأ كارتر" التي تحدد هيمنة الولايات المتحدة قائمة، وإن لم تكن خالية من التحديات الكبيرة.
وأضاف: يشكل النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط ــ الذي ينتج ويصدر كميات من النفط تفوق ما تنتجه الولايات المتحدة إجمالاً ــ أهمية بالغة سواء من حيث أسعار النفط أو السيطرة على أسواق النفط العالمية والوصول إليها، وخاصة فيما يتصل بالصين.
تحديات
يؤكد ذلك أن التحول الذي أحدثته ثورة النفط الصخري لم يُلغِ بشكل أو بآخر أهمية النفط التقليدي في السياسة الأميركية، بل على العكس، ربما قد أضاف بُعداً جديداً يتقاطع مع التحديات البيئية والسياسية العالمية.
وعلى الرغم من المزايا الواضحة التي يوفرها النفط الصخري، يواجه القطاع تحديات بيئية وسياسية متزايدة. بما في ذلك تصاعد الدعوات للانتقال إلى الطاقة النظيفة والضغوط لتقليل الانبعاثات الكربونية، والتي قد تؤثر على استمرارية القطاع، بينما تشكل عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، بارقة للقطاع، لا سيما وأنه داعم رئيسي لـ "الحفر".
كذلك من بين التحديات، فإن أسواق النفط لا تزال عرضة للصدمات الجيوسياسية الكبرى. على سبيل المثال، اندلاع نزاع أوسع بين إسرائيل وإيران أو إغلاق مضيق هرمز، الذي تمر عبره نحو 20% من التجارة النفطية العالمية، وبما قد يؤدي إلى نقص حاد في الإمدادات وارتفاع كبير في أسعار الوقود. وهذه السيناريوهات تبرز التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة كونها مستهلكاً رئيسياً للنفط.
لكن الأستاذ في معهد العلوم السياسية بباريس والمساهم في Natural Gas World المتخصص في الطاقة العالمية، تييري بروس، تبنى لدى حديثه مع CNBC عربية الرأي القائل إن إنتاج النفط الصخري الأميركي يشكل ممتصاً للصدمات في مواجهة القضايا الجيوسياسية.
وتحدث أيضاً عن مدى قدرة الولايات المتحدة على أن تظل قادرة تحمل الصدمات الجيوسياسية دون حدوث اضطرابات كبيرة في أسواق النفط، قائلاً: إن حدوث اضطراب كبير قد يخلف عواقب قصيرة الأجل على مستوى العالم وبالتالي في الولايات المتحدة، ولكن الإنتاج الأميركي سوف يتكيف وفقاً لذلك وستتراجع الأسعار في الأمد المتوسط (12 شهراً) إلى مستويات أكثر معقولية.
كذلك من بين أبرز التحديات التي تواجه النفط الصخري هي هشاشته أمام تقلبات الأسعار، فعلى سبيل المثال خلال جائحة كورونا تراجعت أسعار النفط بشكل حاد، مما دفع عديداً من الشركات العاملة في القطاع إلى حافة الإفلاس، وقد استدعى ذلك تدخلات سياسية، حيث طلب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من المملكة العربية السعودية وروسيا تقليص إنتاجهما لدعم الأسعار، وهو ما يعكس ضعف الهيكلية المحلية لقطاع الطاقة. وكذلك بعد بدء الحرب في أوكرانيا في 2022 أدى ارتفاع أسعار النفط إلى دعوة إدارة بايدن السعودية لزيادة الإنتاج.
هذه الديناميكية تظهر أن الولايات المتحدة، رغم إنتاجها الضخم، تعتمد بشكل كبير على السياسات الدولية لإدارة أسواق الطاقة.
تضاف إلى ذلك القيود التمويلية وتأثيرها على التوسع في الإنتاج، لا سيما وأن الشركات تعاني من نقص التمويل بسبب تردد وول ستريت في دعم حملات الحفر الجديدة، خاصة بعد سمعة التبذير التي اكتسبتها الشركات في السنوات السابقة.. وقد تغير عودة ترامب تلك المعادلة.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي