رائدات التغيير: المرأة في طليعة جهود استئصال شلل الأطفال

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

 

بقلم: د. حنان حسن بلخي

 المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمة في الشرق الأوسط

 

ما فتئت الحروب وحركات النزوح والقلاقل تزيد من رقعة انتشار الأمراض التي يمكن الوقاية منها في جميع أنحاء إقليم شرق المتوسط. ولكن حتى في أحلك الظروف، لا تزال المرأة تضطلع بدور حاسم يفصل بين الحياة والموت.

فهي لا تألو جهدًا في إيصال اللقاحات، وإذكاء الوعي في المجتمعات المحلية، وضمان عدم تخلف أي طفل عن ركب التطعيم. وسواء كنت في شوارع غزة أم في القرى النائية في السودان وباكستان، سترى العاملات الصحيّات يتغلبن على عوائق استثنائية في سبيل توفير الحماية للأطفال من الأمراض.

ومن أكثر الأمور دلالة على ذلك جهودهن في مكافحة شلل الأطفال، إذ تشكل النساء غالبية العاملات الصحيّات الموجودات في الخطوط الأمامية في العديد من البلدان المتضررة من شلل الأطفال. وهؤلاء المهنيات المتفانيات يعملن قائماتٍ على التطعيم، ومُسجّلات للبيانات، ومسؤولات عن التعبئة المجتمعية، ومشرفات على مستوى الفريق والمجالس البلدية، ويبذلن جهدهن بلا كلل أو ملل لحماية الأطفال من شلل الأطفال، بالرغم مما يواجهنه من تحديات هائلة.

د. حنان حسن بلخي

 

وفي الأسبوع الماضي، استفاد العاملون الصحيّون في غزة استفادة قصوى من وقف إطلاق النار الهش، وحققوا إنجازًا رائعًا؛ فقد حصل أكثر من 600,000 طفل على التطعيم ضد شلل الأطفال في غضون أيام معدودات، وذلك في إطار جهود الاستجابة المتواصلة. إذ انخفضت معدلات التمنيع الروتيني للأطفال في غزة جراء الصراع، مما أسفر عن تسجيل أول حالة شلل أطفال في غزة منذ أكثر من 25 عامًا. وكانت الغالبية من قادت هذا العمل البطولي من النساء، إذ شاركت 2,900 عاملة صحية، شكلن 52% من إجمالي القوى العاملة المشاركة في حملات التطعيم ضد شلل الأطفال في غزة.

أدوار أساسية للنساء

وفي باكستان، وهي أحد البلدين الموطنين بشلل الأطفال البري حتى الآن، تُشكّل النساء ما يقرب من 60% من القوى العاملة الصحية المعنية بالاستجابة لشلل الأطفال. وتضطلع النساء بأدوار أساسية؛ بدءًا من قيادة حملات التطعيم في المجتمعات المحلية، ووصولًا إلى تنسيق المناطق وتحمل المسؤولية عن تنفيذ العمليات في أحياء عديدة تقع على خطوط المواجهة. كما تُعدّ النساء في باكستان الجسر الحاسم الذي يصل بين النظام الصحي والمجتمعات المحلية الأكثر تأثرًا، إذ يستطعن الوصول إلى الأماكن التي يتعذر على الرجال الوصول إليها بسبب الأعراف الثقافية والدينية، ويقدمن الرعاية المنقذة للحياة والتثقيف الصحي الحيوي. ولهن كذلك دور حاسم في ترصد الأمراض في جميع أنحاء إقليم شرق المتوسط، مستفيدات من خبراتهن وابتكاراتهن في مواجهة فيروس شلل الأطفال، وتقود النساء سبعة مختبرات من بين إجمالي 12 مختبرًا لمكافحة شلل الأطفال في الإقليم، وهو ما يدل على الدور القيادي الذي تضطلع به المرأة في المجالات العلمية والتقنية اللازمة لاكتشاف شلل الأطفال والاستجابة له والقضاء عليه.

وبالرغم من إسهاماتها الهائلة، لا تزال المرأة غير ممثلة تمثيلاً كافيًا في مواقع صنع القرار في جميع قطاعات النظام الصحي؛ وبدون الإقرار بمساهمات العاملات الصحيّات والتصدي للتحديات التي يواجهنها، ومنحهن مقعدًا على مائدة صنع القرار، فإننا لا نخذلهن فحسب، بل نَخذل من يستفيدون من خدماتهن.

وبصفتي أول امرأة تشغل منصب المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، وبصفتي أحد أنصار المساواة بين الجنسين في المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال، يشرفني أن أقف مع العاملات الصحيّات في إقليمنا، وأن أقدم لهن الدعم اللازم. فمسألة الإنصاف بين الجنسين لا تتحقق بالتمثيل الرمزي، بل بالتأثير الملموس على أرض الواقع. وعندما تضطلع المرأة بأدوار قيادية في مجال الصحة فإنها تطرح وجهات نظر وحلولًا من شأنها أن تعزز النُّظم بأكملها. وإذا كنا نسعى إلى أن نمنح أطفالنا بداية راسخة في الحياة وأن نقضي قضاءً مبرمًا على الأمراض مثل شلل الأطفال، فيجب أن نستثمر في السياسات والبرامج الصحية التي تمكّن المرأة على جميع المستويات.

حيث يواجه إقليم شرق المتوسط تحديات فريدة تجعل الاستراتيجيات الصحية المراعية للمنظور الجنساني أكثر أهمية من أي وقت مضى. ونحن نمثل الآن إقليم المنظمة الوحيد الذي لا يزال يعاني من شلل الأطفال البري – وقد ارتفعت حالات الإصابة بالمرض في العام الماضي. كما يشكّل النزوح القسري وأوجه عدم المساواة المتجذرة بين الجنسين عقبات كبيرة أمام تقديم الرعاية الصحية.

الاستثمار في القيادة النسائية

لذا، يجب على الحكومات والجهات المانحة والشركاء في مجال الصحة العالمية الاستثمار في القيادة النسائية، وضمان شعور العاملات الصحيّات في الخطوط الأمامية بالأمان والتقدير اللازمين لأدوارهن.

لقد أثبتت البرامج التي تراعي وجهة نظر المرأة، مثل ضمان ظروف عمل آمنة ولائقة للعاملات الصحيّات وإشراك النساء في التوعية المجتمعية والتصدي للعقبات القائمة على النوع الاجتماعي التي تحول دون التطعيم، أنها تُحسّن جودة تقديم الخدمات الصحية.

وسيكون تعزيز تلك المناهج أمرًا ضروريًا ونحن نمضي قدمًا نحو المرحلة النهائية من استئصال شلل الأطفال، ونعمل على حماية المجتمعات المحلية من التهديدات الصحية المستجدة الأخرى.

وفي مناسبة احتفالنا باليوم الدولي للمرأة، يجب أن نقر بأن الاستثمار في الإنصاف بين الجنسين في القوى العاملة الصحية لا يتعلق بالإنصاف فحسب، بل هو ضرورة حتمية من ضرورات الصحة العامة.

فلن نستطيع بناء مستقبل أوفر صحة وأكثر إنصافًا للجميع إلا من خلال ضمان تمكين المرأة على جميع المستويات – انطلاقًا من الخطوط الأمامية ووصولًا إلى المراكز القيادية.

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

العلامات

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة