العلاقات عبر الأطلسي.. ماذا بعد عواصف أول 100 يوم لترامب؟ (خاص- CNBC عربية)

نشر
آخر تحديث
العلاقات عبر الأطلسي.. ماذا بعد عواصف أول 100 يوم لترامب؟ (خاص- CNBC عربية)

استمع للمقال
Play

▪️ نحو 100 يوم من رئاسة ترامب الثانية تضع العلاقات عبر الأطلسي على مفترق طرق.. نزاعات تجارية وتهميش أوروبي وتهديدات لحلف الناتو تهز أركان النظام الدولي

▪️ عواصف ترامب تُعجل بإعادة صياغة شاملة لمفهوم الشراكة الأطلسية بصورة تعكس التغيرات العميقة الجارية في ميزان القوى العالمي

▪️ من وصف الحلفاء بأنهم "أسوأ من الأعداء" إلى انتقاد سياسة دعم أوكرانيا.. ترامب يقلب أسس التحالفات التقليدية رأسًا على عقب

▪️ محللون يحذرون من اتساع الهوة الاستراتيجية بين واشنطن وأوروبا وسط تباينات في القضايا الأمنية من أوكرانيا إلى البحر الأحمر


خاص- CNBC عربية

مع انقضاء أول 100 يوم من الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، باتت العلاقات عبر الأطلسي في مفترق طرق حقيقي، وسط أسئلة جوهرية حول مستقبل النظام الدولي الذي تشكل عقب الحرب العالمية الثانية، ومكانة الولايات المتحدة كضامن للاستقرار والأمن العالميين.

أبرز مواقف وقرارات ترامب تجاه أوروبا في أول 100 يوم:


- العلاقات مع الناتو:  يطالب بزيادة إنفاق أعضاء الناتو على الدفاع إلى نسبة 5% من الناتج..  وفي مارس/ آذار قال: "إذا لم يدفعوا لنا فلن ندافع عنهم".. كما أشار إلى أنه قد "يشجع روسيا على فعل ما تشاء" تجاههم!

- تهميش أوروبا: أجرى ترامب مكالمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في فبراير/ شباط تم خلالها الاتفاق على "مفاوضات فورية" لإنهاء الحرب في أوكرانيا،  دون إشراك الحلفاء الأوروبيين، مما أثار قلقاً واسعاً في أوروبا بشأن إمكانية تقديم تنازلات لروسيا على حساب أوكرانيا.

- التجارة والاقتصاد:  في مارس/ آذار فرضت الولايات المتحدة تعرفات جمركية بنسبة 25% على واردات السيارات غير المصنوعة بالولايات المتحدة.. وفي أبريل/ نيسان أعلن ترامب عن تعرفات بنسبة 20% على جميع واردات الاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى رد فعل أوروبي بفرض تعريفات انتقامية، قبل أن يعلق الرسوم لمدة 90 يوماً.

- السياسة الخارجية والمساعدات: في أول يوم له في المنصب، أصدر ترامب أمراً تنفيذياً بتعليق جميع المساعدات التنموية الخارجية لمدة 90 يومًا لمراجعتها، مما أثر على برامج المساعدات الأوروبية.

- البيئة والمناخ: في أول يوم وقع ترامب أمراً تنفيذياً بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، مما أثار انتقادات من القادة الأوروبيين وأدى إلى توترات في التعاون البيئي عبر الأطلسي.

- تصريحات مثيرة للجدل:  خلال حملته الانتخابية، صرّح ترامب بأن الحلفاء الأوروبيين "يعاملوننا أسوأ من أعدائنا"، مشيرًا إلى أنهم "يحمونهم ثم يخدعوننا في التجارة". وكرر مثل تلك التعليقات خلال الأشهر الماضية.


منذ اليوم الأول في 20 يناير/ كانون الثاني، سعى الرئيس ترامب إلى إعادة صياغة أسس السياسة الخارجية الأميركية، رافضًا الإرث الذي حملته التحالفات التقليدية الراسخة، فيما لم تكن "عاصفة" الرسوم الجمركية على قدر قوتها سوى حلقة من سلسلة من الإجراءات التي تُعيد رسم السياسات وقلب المشهد رأساً على عقب.

تضمنت تلك الإجراءات والسياسات الضغط ا على حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مطالباً برفع الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مطلب اعتبرته العديد من العواصم الأوروبية غير واقعي ويهدد بتقويض مفهوم "الدفاع الجماعي" الذي تأسس عليه الحلف. كما ألمح ترامب صراحةً إلى احتمال تقليص الوجود العسكري الأميركي في أوروبا، وهو ما عزز المخاوف لدى حلفاء تاريخيين مثل ألمانيا وفرنسا.

اقترنت هذه الإشارات بإعلانه في الثاني من أبريل/ نيسان عن فرض رسوم جمركية على الشركاء التجاريين - في ما سماه يوم تحرير أميركا- والتي فتحت فصلاً جديداً من النزاعات الاقتصادية، وأوجدت مزيداً من التحديات التي تلف العلاقات عبر الأطلسي، حتى مع تأجيل تنفيذ الرسوم لمدة 90 يوماً لإتاحة فرصة للمفاوضات.

على الصعيد الجيوسياسي، تبنّى ترامب مقاربة مغايرة تجاه الحرب في أوكرانيا (التي سبق وتعهد بإنهائها إبان حملته الانتخابية، وكرر حديثه بأنها لم تكن لتحدث لو كان موجوداً بالسلطة-  ففي تصريحات وتلميحات متكررة ومثيرة للجدل، يلقي بالمسؤولية على كييف، كما ينتقد بشدة سياسة الدعم المفتوح لأوكرانيا التي انتهجتها إدارة سلفه جو بايدن. وعلى الرغم من تعهده بإنهاء الصراع بسرعة، إلا أن تحركاته لم تسفر عن أي اختراق فعلي في ساحة النزاع، مما ألقى بمزيد من الغموض على مستقبل الأمن الأوروبي.

اقرأ أيضاً: بعد الرسوم الجمركية.. توقعات جديدة من فيتش للحرب التجارية والنمو الاقتصادي والفائدة وسعر برنت

إزاء هذه السياسات، بدأ حلفاء واشنطن التقليديون -من كندا إلى اليابان وكوريا الجنوبية، فضلاً عن القوى الأوروبية-  بإعادة تقييم مدى اعتمادهم على الولايات المتحدة كشريك سياسي واقتصادي موثوق.

تؤكد حصيلة الأيام الـ100 الأولى أن حقبة جديدة قد بدأت لتعيد تشكيل العلاقات عبر ضفتي الأطلسي، تتسم ببراغماتية حادة ومراجعة جذرية للعلاقات الأميركية الأوروبية بشكل خاص.

وبقدر ما تحمل هذه التحولات من فرص لإعادة ترتيب الأولويات، فإنها تفتح أيضاً الباب أمام فراغات استراتيجية قد تسعى قوى أخرى لملئها في المشهد الدولي المتغير في تقدير عديد من المحللين ممن نبهوا إلى اتساع الهوة بين الطرفين وتداعياته على الملفات الأوسع نطاقاً من العلاقات التجارية.

خلافات أعمق

الباحث المشارك في معهد أبحاث السياسة الخارجية، المتخصص في الاقتصاد السياسي، إيمانويل روسي، يقول لـ CNBC عربية، إن الولايات المتحدة وأوروبا شريكتين وستظلان دائماً، لأن "العلاقة عبر الأطلسي التي بنت ما نُعرفه بالغرب هي رابطة حاسمة استراتيجياً وجيوستراتيجياً لكل من واشنطن وأوروبا".

ومع ذلك، من المهم التأكيد على أن هذه العلاقة ستحتاج إلى إعادة النظر - ليس بسبب ما تفعله إدارة ترامب، ولكن لأن الولايات المتحدة كانت، على الأرجح منذ إدارة أوباما الأولى، تطلب من أوروبا أن تكون أكثر نشاطًا واستباقية في مجموعة من القضايا الدولية، بحسب روسي.

ويضيف: على سبيل المثال، النهج المختلف للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في البحر الأحمر، حيث تعمل الولايات المتحدة بنشاط على إضعاف القدرات العملياتية للحوثيين ويتخذ الاتحاد الأوروبي موقفاً أكثر دفاعية.. يسلط ذلك الضوء على هذه الاختلافات في التصور.. كما توضح محادثة Signal المسربة من كيف تكره القيادة الأميركية فكرة الاضطرار إلى الدفاع عن أوروبا مرة أخرى.

وبالتالي -وفق الباحث المشارك في معهد أبحاث السياسة الخارجية-  فإن الجانب التجاري هو مجرد عنصر واحد ينبثق من هذه الاختلافات الأوسع في وجهات النظر داخل المحور عبر الأطلسي.

النظام عبر الأطلسي بحاجة إلى إعادة صياغة، تبدأ باتفاقيات تجارية جديدة وتمتد إلى توسيع أطر السياسات الدولية

– إيمانويل روسي، الباحث المشارك في معهد أبحاث السياسة الخارجية –

ومع بقاء أهمية هذا المحور (العلاقات التجارية) قائمة، سيحتاج النظام عبر الأطلسي بأكمله إلى إعادة نظر، بدءاً على الأرجح بصيغة جديدة من الاتفاقيات والشراكات التجارية، ثم التوسع في أطر السياسات الدولية الأوسع. ويشير روسي  إلى أن القلق الحالي يتمحور حول سلسلة التوريد والقيمة عبر الأطلسي برمتها. فالاقتصادات على جانبي الأطلسي مترابطة بعمق.

بحسب بيانات Eurostat، فإن الاتحاد الأوروبي في العام 2024 صدّر بضائع بقيمة 531.6 مليار يورو إلى الولايات المتحدة، واستورد منها 333.4 مليار يورو، محققاً فائضاً تجارياً بقيمة 198.2 مليار يورو. وبالمقارنة مع العام 2023، ارتفعت الصادرات بنسبة 5.5%، بينما انخفضت الواردات بنسبة 4%.

وتعقيباً على هذا الفائض، كرر ترامب وصفه لأوروبا بأنها تعامل بلاده "بشكل سيء"، وأن "هذا الوضع لن يستمر". وأفاد بأنهم "لا يقبلون سياراتنا مثل اليابان، ولا يقبلون منتجاتنا الزراعية".


مع تصاعد الصراع التجاري .. ما مقدار اعتماد الاقتصادات الكبرى على الصادرات؟


مراكز التقاء 

كبير المستشارين بمؤسسة ميد أور الإيطالية، دانييلي روفينيتي، يقول لـ CNBC عربية، إن الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي ستحتاجان  بالضرورة إلى إيجاد صيغة اتفاق ومنصة حوار، كما سيتعين على الاتحاد الأوروبي تحمل مسؤوليات أكبر، وفقاً لمطالب ترامب، وسيتعين على الولايات المتحدة قبول حقيقة أن ممارسة الضغط قد تؤدي إلى ردود فعل من أوروبا.

ويردف: "يتعين على الجانبين الاعتراف بأن أي خلاف كبير من شأنه أن يخلق مشاكل في توقعاتهما الدولية والجيواقتصادية"، لافتاً إلى أن سلاسل القيمة الأميركية والأوروبية ترتبط ارتباطًا وثيقاً، مما يجعل سلسلة القيمة عبر الأطلسي واحدة من أهم سلاسل القيمة في العالم، وعليه يجب أن تراعي أي مراجعات وتغييرات إضافية في النظام العالمي التوافق التاريخي والاستراتيجي بين الولايات المتحدة وأوروبا.

اقرأ أيضاً: "غموض استراتيجي".. قراءة في سياسة ترامب الشرق أوسطية بأول 100 يوم (ملف خاص- CNBC عربية)

ويعتقد بأن ترامب قد يبدو -ربما بمساعدة بعض الشركاء الأوروبيين مثل وزيرة الخارجية الإيطالية جيورجيا ميلوني- منفتحاً على طاولة المفاوضات مع أوروبا "وقد تُعقد هذه المفاوضات خلال الشهر المقبل تقريباً، ومن ثم، ستحتاج أوروبا إلى أن تكون أكثر وعياً بأنه حتى في علاقتها الأكثر أهمية - وهي العلاقة عبر الأطلسي - يجب عليها زيادة التزامها وانخراطها".

تحركات وخطط بديلة

وبينما يُنتظر أن تسفر المفاوضات عن اختراقات إيجابية، فإن ذلك يترافق مع تحركات ملموسة على الأرض من جانب حلفاء واشنطن في الوقت نفسه،  فبعض الحلفاء الأوروبيين شرعوا فعلياً في مسار استراتيجي يهدف إلى تقليص الاعتماد العسكري والاقتصادي على واشنطن، تحسباً لمزيد من الاضطرابات في العلاقات عبر الأطلسي، فيما يُنظر إليه بأنه ضمن خطوات إعادة الصياغة الشاملة لمفهوم الشراكة الأطلسية.

ترافق هذا الشعور المتنامي بالقلق مع خطوات عملية؛ إذ يستعد الاتحاد الأوروبي، الذي يتهمه ترامب  بأنه نشأ خصيصاً لـ"إزعاج" الولايات المتحدة، للرد عبر حزمة من التعريفات الجمركية الانتقامية إذا ما فشلت المفاوضات التجارية الجارية، حسبما ذكرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين.

اقرأ أيضاً: صندوق النقد يحذر من خطر التوترات التجارية على الاقتصاد العالمي

وفي موازاة ذلك، تتجه دول كبرى مثل ألمانيا وفرنسا إلى تعزيز قدراتها الدفاعية الذاتية. فرغم أن ترامب طالب بزيادة الإنفاق العسكري الأوروبي، إلا أن المسار الجديد قد يعني استثمارات أكبر في الصناعات الدفاعية المحلية وتقليص الاعتماد على شراء الأسلحة الأميركية، وهو ما قد يضعف الروابط العسكرية التقليدية بين ضفتي الأطلسي.

وفرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 25% على السيارات والصلب والألمنيوم من الاتحاد الأوروبي في مارس/ آذار ورسوماً جمركية بنسبة 20% على سلع أخرى من الاتحاد الأوروبي في أبريل/ نيسان. ثم خفضت هذه النسبة إلى النصف حتى الثامن من يوليو/ تموز، مما منح مهلة 90 يوماً للمحادثات للتوصل إلى اتفاق رسوم جمركية أكثر شمولاً.

ورداً على ذلك، علق الاتحاد الأوروبي المؤلف من 27 دولة خططه لفرض رسوم جمركية مضادة على بعض السلع الأميركية واقترح إلغاء الرسوم الجمركية على جميع السلع الصناعية من كلا الجانبين.

الانفصال عن واشنطن

من برلين، يشير المستشار السابق بالبرلمان الأوروبي، عبدالغني العيادي، لدى حديثه مع CNBC عربية، إلى تزايد صعوبة التوصل إلى حلول دائمة للخلافات الجمركية بين الولايات المتحدة وأوروبا في ظل تحولات جيوسياسية عميقة تعيد رسم طبيعة العلاقات عبر الأطلسي.

منذ اندلاع النزاع الجمركي بين الطرفين، لم يعد الخلاف محصوراً في قضايا التجارة، بل كشف عن بداية اتجاه أوروبي واضح نحو تأكيد الاستقلالية الاستراتيجية، مدفوعاً برغبة متنامية في بناء الاتحاد الأوروبي كقوة جيوسياسية عالمية قادرة على اتخاذ قراراتها بعيداً عن الهيمنة الأميركية التقليدية.

وترافقت هذه الرغبة الأوروبية مع جهود ملموسة لتعزيز القدرات الدفاعية والاقتصادية للقارة، سواء عبر مبادرات مثل "البوصلة الاستراتيجية" أو من خلال سياسات صناعية تهدف إلى تقليل التبعية للولايات المتحدة في قطاعات حيوية مثل الطاقة والتكنولوجيا. ومع أن آليات التعاون بين الطرفين، كـمجلس التجارة والتكنولوجيا، لا تزال قائمة، فإن تفاوت المصالح الاقتصادية والأمنية بات أكثر وضوحاً، مما يجعل فرص التوصل إلى حلول سريعة ومتكاملة أكثر تعقيداً.

ويستطرد: التنافس بين الجانبين يتجلى بوضوح في ملفات الطاقة، حيث انتقدت عدة دول أوروبية ما تعتبره استغلالًا أميركياً لأزمة الغاز بعد الحرب في أوكرانيا، وفي المجال الرقمي، حيث تسعى بروكسل إلى تنظيم شركات التكنولوجيا العملاقة التي تتمركز معظمها في الولايات المتحدة. هذه الخلافات تعكس اختلاف الرؤى حول طبيعة العولمة نفسها، إذ تميل أوروبا إلى الدفاع عن تعددية أطراف متوازنة، فيما تُظهر واشنطن ميولًا نحو تعزيز سياسات أكثر قومية وحماية.

في هذا السياق، تدخل العلاقات عبر الأطلسي مرحلة جديدة تتسم ببرودة متزايدة، حيث لم تعد أوروبا تكتفي بدور الشريك التابع، بل تسعى لفرض توازن جديد في العلاقات الدولية. ويبدو أن تجاوز أزمة الرسوم الجمركية، وغيرها من التوترات المرتبطة، لن يتحقق من خلال تفاهمات ظرفية، بل يتطلب إعادة صياغة شاملة لمفهوم الشراكة الأطلسية، بشكل يعكس التغيرات العميقة الجارية في ميزان القوى العالمي.

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة