في أول موقف علني وواضح من سياسات الرئيس الأميركي، انتقد المستثمر الأميركي البارز وارن بافيت، السبت، سياسة دونالد ترامب التجارية المتشددة، دون أن يسميه صراحةً، قائلاً إن "فرض رسوم جمركية عقابية على بقية العالم خطأ فادح"، لكنه في الوقت نفسه عبّر عن إيمانه بتجاوز الولايات المتحدة كل الصعوبات.
بافيت الذي تطرق لكافة القضايا حدد موعداً لتنحيه عن إدارة الشركة وتسميته من سيخلف بعده.
وقال بافيت في الاجتماع السنوي لمساهمي بيركشاير هاثاواي: "لا ينبغي أن تكون التجارة سلاحاً. لقد انتصرت الولايات المتحدة. أعني، لقد أصبحنا دولة بالغة الأهمية، بدأنا من الصفر قبل 250 عاماً. لم يسبق لنا مثيل".
اقرأ أيضاً: مستويات قياسية جديدة للنقد لدى بيركشير هاثاواي عند 347 مليار دولار في الربع الأول من 2025
وأضاف: "إنه خطأ فادح، برأيي، عندما يكون لديك سبعة مليارات ونصف المليار شخص لا يحبونك جيداً، ولديك 300 مليون شخص يتباهون بطريقة ما بأدائهم الجيد ، لا أعتقد أن هذا صحيح، ولا أعتقد أنه تصرف حكيم".
جاءت تعليقات بافيت، وهي الأكثر صراحةً حتى الآن بشأن الرسوم الجمركية.، بعد صدمة فرض البيت الأبيض أعلى رسوم جمركية على الواردات منذ أجيال العالم الشهر الماضي، مما أثار تقلبات حادة في وول ستريت. كما أعلن ترامب تعليقاً مفاجئاً لمدة 90 يوماً لمعظم الزيادة، باستثناء الصين، في ظل سعي البيت الأبيض لعقد صفقات مع دول أخرى.
وقال بافيت: "أعتقد أنه كلما ازداد ازدهار بقية العالم، فلن يكون ذلك على حسابنا، بل سنزداد ازدهاراً، وسنشعر بأمان أكبر، وسيشعر به أطفالكم يوماً ما".
🔴 بيركشير هاثاواي في تقريرها المالي:
— CNBC Arabia (@CNBCArabia) May 3, 2025
📌 الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب، وغيرها من المخاطر الجيوسياسية، خلقت بيئة من عدم اليقين للشركة
📌 قد تتأثر نتائجنا في الفترات المستقبلية بتأثيرات الأحداث الاقتصادية الكلية والجيوسياسية الجارية، بالإضافة إلى التغيرات في… pic.twitter.com/lgCG6zCCfW
فرض ترامب رسوماً جمركية بنسبة 145% على البضائع الصينية المستوردة هذا العام، مما دفع الصين إلى فرض رسوم انتقامية بنسبة 125%. وأعلنت الصين الأسبوع الماضي أنها تدرس إمكانية بدء مفاوضات تجارية مع الولايات المتحدة.
كان المستثمرون ينتظرون سماع توجيهات "حكيم أوماها" البالغ من العمر 94 عاماً، للتعامل مع البيئة الاقتصادية غير المستقرة، بالإضافة إلى تقييمه لحالة الاقتصاد.
المجموعة الواسعة من شركات بيركشاير، التي تبلغ قيمتها تريليون دولار، في قطاعات التأمين والنقل والطاقة وتجارة التجزئة وغيرها، من جيكو إلى بيرلينغتون نورثرن إلى ديري كوين، تجعل بافيت مؤهلًا بشكل فريد للتعليق على الوضع الراهن للاقتصاد الأميركي.
وأفادت التقارير الصادرة السبت أن الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول انكمش للمرة الأولى منذ عام 2022.
اقرأ أيضاً: نصيحة "وارن بافيت" في مواجهة تقلبات السوق.. ما هي؟
صرحت بيركشاير في تقرير أرباحها للربع الأول أن الرسوم الجمركية والأحداث الجيوسياسية الأخرى خلقت "حالة من عدم اليقين" لدى الشركة. وأوضحت الشركة أنها غير قادرة على التنبؤ بأي تأثير محتمل للرسوم الجمركية في الوقت الحالي.
منذ فترة، اتخذ بافيت موقفاً دفاعياً، حيث باع أسهماً لعشرة أرباع متتالية. وتخلصت بيركشاير من أسهم تزيد قيمتها عن 134 مليار دولار في عام 2024، ويعزى ذلك أساساً إلى تخفيضات في أكبر شركتين تملكهما بيركشاير، شركة أبل وبنك أوف أميركا.
ونتيجةً لهذه الموجة من البيع، نمت السيولة النقدية الهائلة لدى بيركشاير إلى رقم قياسي جديد، حيث بلغت 347 مليار دولار في نهاية مارس.
لا للإحباط
رغم تزايد قلق المستثمرين بشأن مسار اقتصاد البلاد ومكانتها على الساحة العالمية، لا يزال بافيت متمسكاً بموقفه تجاه استثنائية الولايات المتحدة.
قال: "ذكرتُ أننا بدأنا كمجتمع زراعي. بدأنا كمجتمع بوعود كبيرة، لكننا لم نُوفِ بها على أكمل وجه". وأضاف: "نحن دائماً في طور التغيير. سنجد دائماً كل ما ننتقده في البلاد، لكن أسعد يوم في حياتي هو يوم ولادتي في الولايات المتحدة".
وأضاف: "لقد مررنا بفترات ركود اقتصادي كبير، وشهدنا حروباً عالمية، وشهدنا تطوير قنبلة ذرية لم نحلم بها قط عند ولادتي، لذلك لن أشعر بالإحباط من حقيقة أننا لا يبدو أننا حللنا كل مشكلة واجهتنا". وتابع: "لو كنتُ مولوداً اليوم، لاستمررتُ في التفاوض وأنا في رحم أمّي حتى يُمنح لي حق الإقامة في الولايات المتحدة".
وأكد قائلاً: "جميعنا محظوظون جداً". هذا على الرغم من انتقاداته للسياسة التجارية الحالية في وقت سابق من الجلسة.
الخوف من السياسيات المالية
عندما سُئل وارن بافيت عن التحوطات المحتملة لشركته بيركشاير هاثاواي، أفاد بأنه قلق من ميل الحكومات لاتخاذ قرارات تؤدي إلى إضعاف عملاتها.
وقال حكيم أوماها، في يوم الحوار الاستثنائي، إن "السياسة المالية هي ما يخيفني في الولايات المتحدة؛ لأن طريقة عملها والدوافع المرتبطة بها تدفع لاتخاذ الكثير من القرارات التي قد تسبب مشكلات تتعلق بالمال". واعتبر أن "هذا لا يقتصر على الولايات المتحدة، بل يحدث في كل أنحاء العالم".
بحسب بافيت، فإن قيمة العملة أمر مقلق "وليس لدينا نظام فعّال فعلاً للتغلب على ذلك".
تقلبات الأسهم
بشأن ما واجهته الأسواق في الفترة الأخيرة إثر الرسوم الجمركية، رأى بافيت أن التقلبات الأخيرة أمر طبيعي في استثمار الأسهم.
وقال: "ما حدث خلال الثلاثين أو الخمسة وأربعين يوماً الماضية... لا يُذكر"، مشيراً إلى أن سهم بيركشاير هاثاواي انخفض إلى النصف ثلاث مرات خلال إدارته للشركة على مدار 60 عاماً.
وبناءً على ذلك، قال إن التحرك الأخير لسوق الأسهم الأميركية لا ينبغي اعتباره "تحركًا هائلاً". لكنه أضاف: "لم يكن هذا سوقاً هبوطياً حاداً أو ما شابه".
نصائح مهنية
وارن بافيت خلال اجتماع المساهمين السنوي لشركة بيركشاير هاثاوي في أوماها، قدم بعض النصائح حول الحياة المهنية، مستمداً من حكمته في الحياة بعيداً عن عالم الاستثمار الذي أصبح معروفاً به على مر العقود، وقال في رد على الأسئلة: "من المهم حقاً أن تعمل في شيء تستمتع به".
كما حذر من أن الموظفين قد يتبنون عادات زملائهم، لذا من المهم أن يكون الشخص حريصاً في اختيار مكان عمله.
وأوصى حكيم أوماها بأن الأشخاص يجب أن يكونوا "حذرين" بشأن من يعملون لديهم". وأضاف "إذا وجدت أشخاصاً رائعين للعمل معهم، فهذا هو المكان الذي يجب أن تذهب إليه".
في نصيحته لمستثمر شاب، قال بافيت إن إيجاد طريقة للشعور بالرضا والسعادة يُساعد الناس على إطالة أعمارهم.
وقال بافيت: "أعتقد أن الشخص السعيد يعيش أطول ممن يقوم بأشياء لا يُعجبه كثيراً في الحياة".
مراجعة الميزانية العمومية
إلى ذلك، أوضح بافيت سبب اعتقاده بأن الميزانية العمومية نقطة انطلاق جيدة عند اتخاذ قرار الاستثمار في شركة.
وقال: "أقضي وقتاً أطول في مراجعة الميزانيات العمومية مقارنةً بقوائم الدخل. وول ستريت لا تُولي اهتماماً كبيراً للميزانيات العمومية، لكنني أُفضل مراجعة الميزانيات العمومية على مدى ثماني أو عشر سنوات قبل حتى مراجعة حساب الدخل، لأن هناك بعض الأمور التي يصعب إخفاؤها أو التلاعب بها في الميزانية العمومية".
السيطرة على عجز الموازنة الأميركية مهمة صعبة
وعندما سُئل بافيت عن خفض التكاليف وما يُسمى بـ"وزارة كفاءة الحكومة"، قال بافيت إن السيطرة على عجز الموازنة الحكومية مشكلة "لن تُحل تماماً".
وقال بافيت: "نعمل حالياً بعجز مالي غير قابل للاستمرار على مدى فترة طويلة جداً. لا نعرف ما إذا كان ذلك يعني عامين أم 20 عاماً، لأنه لم يسبق لدولة مثل الولايات المتحدة أن وُجدت، ولكن هذا أمر لا يمكن أن يستمر إلى الأبد".
ورغم أن بافيت لم يناقش دور وزارة كفاءة الحكومة تحديداً، إلا أنه قال إن خفض عجز الموازنة سيكون مهمة صعبة ولكنها مهمة.
وقال بافيت: "إنها مهمة لا أريدها، لكنها مهمة أعتقد أنه يجب القيام بها، ويبدو أن الكونغرس لا يقوم بها".
بافيت يحدد موعد تقاعده ويختار البديل
المستثمر الأميركي وارن بافيت، الذي يحتفي بـ60 عاماً من إدارة شركته الضخمة، قال إنه سيطلب من مجلس إدارة بيركشاير هاثاواي استبداله كرئيس تنفيذي بخلفه المُعيّن، غريغ أبيل، مع نهاية العام.
وأشار بافيت إلى أنه سيظل حاضراً لتقديم المساعدة، لكن القرار النهائي يعود لأبيل.
بافيت، البالغ من العمر 94 عاماً، يشغل حالياً منصب الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة المجموعة.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي