"المتأخر جداً".. هل يكرر رئيس الفدرالي الأميركي أخطاء أسلافه بشأن معدلات الفائدة؟

نشر
آخر تحديث
رئيس الفدرالي الأميركي جيروم باول/AFP

استمع للمقال
Play

يشير التاريخ إلى أن لقب "متأخر جداً" الذي أطلقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب على رئيس الفدرالي جيروم باول لديه فرصة قوية للتحقق، على الرغم من أنه لن يكون وحيداً إذا حدث ذلك.

فالواقع أنّ قادة البنوك المركزية لطالما عُرفوا بترددهم في رفع أو خفض معدلات الفائدة في الوقت المناسب.

سواء تعلق الأمر بآرثر بيرنز الذي أبقى معدلات الفائدة منخفضة أكثر مما ينبغي في مواجهة خطر الركود التضخمي خلال سبعينيات القرن الماضي، أو آلان غرينسبان الذي لم يتجاوب بالسرعة الكافية مع فقاعة الدوت كوم في تسعينيات القرن ذاته، أو حتى بن برنانكي الذي قلّل من شأن أزمة الرهن العقاري الثانوي واعتبرها «محدودة التأثير»، ولم يُقدم على خفض الفائدة قبل اندلاع الأزمة المالية في عام 2008— لطالما وُجهت الانتقادات لرؤساء الفدرالي بسبب بطئهم في اتخاذ القرارات، ما لم تكن البيانات شديدة الوضوح وتفرض تحركاً عاجلاً، بحسب CNBC.

وبناءً عليه، يرى بعض الاقتصاديين أن باول، في ظل التحديات الفريدة التي يواجهها لتحقيق الهدفين المزدوجين للفدرالي —التوظيف الكامل والتضخم المنخفض— مرشّح بقوة لحمل لقب «المتأخر».

بل إنّ كثيرين منهم يرون أن أفضل ما يمكن أن يفعله باول حالياً هو: لا شيء.

 

الخيارات المتاحة أمام باول

 

وفي هذا السياق، قال دان نورث، كبير الاقتصاديين لدى «أليانز تريد» في أميركا الشمالية: «تاريخياً، إذا نظرت إلى أي دورة لسياسة الفدرالي—وأنا أعود هنا إلى سبعينيات القرن الماضي— ستجد أن الفدرالي يتأخر دائماً في كلا الاتجاهين. إنهم ميّالون إلى الانتظار. يريدون التأكد من أنهم لن يرتكبوا خطأ، لكن بحلول الوقت الذي يحصلون فيه على هذا التأكيد، يكون الأوان قد فات عادةً، وتكون البلاد قد دخلت في ركود بالفعل».

ومع ذلك، قال إنه بالنظر إلى المزيج السياسي المتقلب، مع تهديد تعرفات ترامب للنمو والتضخم على حد سواء، ليس أمام باول خيار يذكر سوى التريث في غياب مزيد من الوضوح.

وأضاف نورث أن باول في وضع لا فوز فيه، مع تهديدات لكلا جانبي تفويض  الفدرالي، "ولهذا السبب يفعل الشيء الصحيح تماماً في هذه اللحظة، وهو عدم القيام بأي شيء، لأنه بطريقة أو بأخرى سيكون خطأً".

 

ترامب يريد خفضاً للفائدة

 

رغم أن الرئيس دونالد ترامب قال إن الاقتصاد «سيكون على ما يرام على الأرجح» بغض النظر عما يفعله الفدرالي، إلا أنه واصل في الآونة الأخيرة الضغط على البنك المركزي من أجل خفض معدلات الفائدة، مؤكداً أن التضخم «قُضي عليه».

وفي منشور على منصة «تروث سوشيال» أعقب قرار الفدرالي هذا الأسبوع الإبقاء على المعدلات دون تغيير، وصف ترامب جيروم باول بـ«الأحمق المتأخر» قائلاً إنه «لا يفقه شيئاً». وأضاف أن «مستويات التضخم شبه معدومة»، وهو أمر كان صحيحاً بالنسبة لشهر مارس آذار على الأقل، حينما لم يسجل المؤشر المفضل للفدرالي أي تغير يُذكر خلال الشهر.

لكنّ تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس لم يظهر بعد في الاقتصاد الحقيقي، إذ لم يمضِ على دخولها حيز التنفيذ سوى نحو شهر واحد فقط.

ولا تشير البيانات الاقتصادية الأخيرة إلى ارتفاع حاد في الأسعار، ولا إلى تباطؤ ملموس في النشاط الاقتصادي. غير أن الاستطلاعات تُظهر تنامي المخاوف في كلٍّ من قطاعي التصنيع والخدمات، كما أن ثقة المستهلكين تراجعت بشكل ملحوظ، فيما أشارت قرابة 90% من شركات مؤشر «ستاندرد أند بورز 500» إلى مخاوف تتعلق بالرسوم الجمركية خلال مكالمات الإفصاح عن أرباحها الفصلية.

 

اقرأ أيضاً: صحيفة: إدارة ترامب تدرس خطة لخفض الرسوم الجمركية على الصين إلى 50% الأسبوع المقبل

 

ومع ذلك، أعرب باول مراراً خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده عقب اجتماع هذا الأسبوع عن ثقته في ما وصفه بـ«اقتصاد متين»، وسوق عمل «يتماشى مع مفهوم التوظيف الكامل».

 

لا خفض «استباقي» لمعدلات الفائدة

 

كما استبعد رئيس الفدرالي، البالغ من العمر 72 عاماً، فكرة إجراء خفض استباقي لمعدلات الفائدة، رغم ما تشير إليه بيانات استطلاعات الرأي من ضعف في الأوضاع الراهنة.

وقال كريشنا غها، رئيس وحدة السياسات العالمية واستراتيجيات البنوك المركزية لدى «إيفركور ISI»، في مذكرة للعملاء: «باول قدم سببين لعدم التسرّع. الأول هو أنه لا توجد تكلفة حقيقية للانتظار، وهو سبب قد يندم عليه لاحقاً. أما الثاني— وهو أننا غير متأكدين مما ينبغي فعله— فهو أكثر منطقية».

ويمتلك باول سجله الخاص في التأخر عن اتخاذ القرار، إذ تردد الفدرالي في رفع معدلات الفائدة عندما بدأت معدلات التضخم بالارتفاع في عام 2021. وقد وصف هو وزملاؤه تلك الموجة حينها بأنها «مؤقتة»، وهو تقييم ارتدّ عليهم لاحقاً، عندما اضطروا إلى تنفيذ سلسلة من الزيادات الشديدة في الفائدة على نحو تاريخي— زيادات لم تنجح حتى الآن في إعادة التضخم إلى مستوى 2% المستهدف من قبل البنك المركزي.

 

شاهد أيضاً: جيروم باول في موقف لا يحسد عليه!

 

وقال جوزيف لافورنيا، كبير الاقتصاديين في «SMBC نيكّو للأوراق المالية» والمستشار الاقتصادي البارز لترامب خلال ولايته الأولى: «إذا كانوا ينتظرون تأكيداً من سوق العمل لخفض الفائدة، فهذا يعني، بحكم التعريف، أنهم قد تأخروا. لا أعتقد أن الفدرالي يتّبع نهجاً استباقياً بما يكفي».

وفي الواقع، إذا كان الفدرالي يعتمد على سوق العمل كمؤشر، فمن شبه المؤكد أنه سيكون متأخراً عن الركب. فثمة مثل شائع في وول ستريت يقول إن «سوق العمل هو آخر من يعلم» بقدوم الركود، وقد أثبت التاريخ الاقتصادي صحة هذا القول إلى حد بعيد، إذ لا تبدأ خسائر الوظائف عادةً إلا بعد أن يكون التباطؤ الاقتصادي قد بدأ فعلياً.

ويرى لافورنيا أن الفدرالي مقيد بقيود تاريخه، وأنه سيفشل في هذه المرة أيضاً، في وقت يحاول فيه صناع السياسات المالية بلا جدوى توقّع آثار الرسوم الجمركية.

وقال: «لن نعرف ما إذا كان الأوان قد فات إلا عندما يكون قد فات فعلياً». وأضاف: «إن التاريخ الاقتصادي، إلى جانب تسعير الأسواق حالياً، يشير إلى وجود خطر حقيقي بأن يكون الفدرالي متأخراً مرة أخرى».

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة