هل يعيق نقص الأيدي العاملة خطط أوروبا الطموحة في مجال الدفاع؟

نشر
آخر تحديث
مصدر الصورة: AFP

استمع للمقال
Play

يعتقد بافيل تشخال، أن الشركة التشيكية التي يعمل بها يمكنها بسهولة مضاعفة إنتاجها من محركات الصواريخ والطائرات المسيّرة وزيادة عدد موظفيها إلى الضعف، لولا عائق واحد: نقص الكوادر المؤهلة.

هذه المعضلة لا تخص شركته وحدها، بل تُعاني منها العديد من شركات الصناعات الدفاعية في أوروبا، في وقتٍ تتجه فيه الحكومات الأوروبية إلى زيادة الإنفاق العسكري على الذخائر والدبابات ومختلف أنواع الأسلحة، استجابةً لتحذيرات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي شدد على ضرورة تقليل الاعتماد الأوروبي على واشنطن في المجال الدفاعي، بحسب رويترز.


يعمل بافيل تشخال نائباً لرئيس العمليات في مجموعة PBS، التي يقع مصنعها في بلدة فيلكا بيتس على بُعد ساعتين بالسيارة من العاصمة التشيكية براغ، ويضم نحو 800 موظف، لكنه يسعى لتوظيف المزيد.

وقال تشخال: «لو توفّروا في سوق العمل، لكنا وظّفنا معظمهم فوراً. لدينا الأعمال والمشاريع التي تستدعي ذلك»، مضيفاً أن الشركة رفعت الأجور بنسبة 8% في العام الماضي وتعتزم زيادتها 10% إضافية في عام 2025 لجذب الكفاءات. وتابع: «نحن نوظف حالياً في جميع مستويات الشركة».

ورغم أن خطة الاتحاد الأوروبي لتعزيز الإنفاق الدفاعي بقيمة 800 مليار يورو (896 مليار دولار) يُتوقّع أن تُنتج مئات الآلاف من الوظائف خلال العقد المقبل، إلا أن المهارات المطلوبة، مثل مهندسي الذكاء الاصطناعي، وعلماء البيانات، واللحّامين، والفنيين الميكانيكيين، تبقى شحيحة في السوق.

 

اقرأ أيضاً: مقترح أوروبي برفع إنفاق الناتو الدفاعي إلى 3.5% من الناتج المحلي


أكد أكثر من 12 شركة وموظفاً في قطاع الصناعات الدفاعية في أوروبا أن شركات السلاح لا تكتفي برفع الأجور والمزايا لجذب العمالة، بل تلجأ أيضاً إلى استقطاب الكفاءات من قطاعات أخرى، وتسعى لاستكشاف المواهب المحتملة بين تلاميذ المدارس والطلاب الجامعيين.

وفي هذا السياق، أوضح ميلان ماتشولان، المدير التنفيذي لمنشأة الإنتاج التابعة لمجموعة PBS في بلدة فيلكا بيتس التشيكية، أنّ الشركة ذهبت أبعد من التعاون التقليدي مع الجامعات والمدارس، وقال: «لقد أنشأنا مدرستنا التدريبية الخاصة التي نُخرّج منها موظفينا».

 

الإنفاق العسكري للاتحاد الأوروبي

 

وبحسب بيانات المفوضية الأوروبية، فإنّ 78% من الإنفاق العسكري للاتحاد الأوروبي منذ الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022 ذهب إلى خارج التكتل، بينما استحوذت الولايات المتحدة وحدها على 63% منه، ويُعزى ذلك جزئياً إلى تشرذم قطاع الدفاع الأوروبي بين الدول الأعضاء.

وفي محاولة لمعالجة هذا الخلل، تعتزم بروكسل نقل جزء كبير من المشتريات العسكرية إلى داخل أوروبا، وتُعوّل على استراتيجية جديدة أطلقتها تحت اسم «اتحاد المهارات» لسد فجوة التوظيف في القطاع الدفاعي.

وفي المقابل، تؤدي طفرة التوظيف في قطاع الأسلحة الروسي، الذي يحظى بتمويل كبير، إلى تفاقم نقص اليد العاملة في قطاعات أخرى داخل روسيا.

 

شركات الدفاع الأوروبية تُكافح لتجنيد الكفاءات

 

تواجه شركة KNDS الفرنسية-الألمانية، المصنّعة للمدفع الذاتي الحركة «CAESAR» المستخدم في أوكرانيا، تحديات متزايدة في التوظيف رغم توسيعها فترات العمل في موقعها الرئيسي بمدينة بورج بوسط فرنسا وزيادتها معدلات التوظيف بنسبة 50% سنوياً.

وقال نيكولا شاموسي، المدير العام لشركة KNDS فرنسا، إن التوظيف لا يزال يمثل قضية محورية، مؤكداً أن القدرة على رفع الأجور لها حدود. وأضاف: «لا تنسوا أننا في اقتصاد حرب، لكننا أيضاً في حرب اقتصادية. وإذا ارتفعت الأجور بشكل غير منضبط، سنفقد قدرتنا التنافسية».

وأشار عاملون في القطاع إلى الطلب المتزايد على خبراء الذكاء الاصطناعي القادرين على تطوير أنظمة أسلحة ذاتية التشغيل، إلى جانب ذوي الخبرة في تصنيع المنتجات العسكرية المتخصصة والمحدودة الكمية.

 

اقرأ أيضاً: زيادة الإنفاق الدفاعي يهدد التصنيفات الائتمانية الأوروبية

 

وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم KNDS، غابرييل ماسوني: «نحن لا نصنّع مدفع CAESAR بنفس طريقة تصنيع سيارة بيجو 308. علينا أن نتقن مهارات دقيقة جداً تتطلب قدرات نادرة في سوق العمل».

 

أوروبا تحتاج مئات آلاف العمال المهرة لتلبية طموحاتها الدفاعية

 

أفاد تقرير حديث لشركة الاستشارات الإدارية «كيرني» أن رفع الإنفاق الدفاعي الأوروبي إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي، بدلاً من الهدف الحالي لحلف شمال الأطلسي البالغ 2%، سيتطلب توظيف ما يصل إلى 760 ألف عامل ماهر جديد في أوروبا.

وأوضح غيدو هيرتل، شريك في «كيرني»، أن «تحقيق استقلالية السياسة الدفاعية في أوروبا لن يكون ممكناً إلا إذا ارتفعت الحصة المحلية من الإنفاق الدفاعي بشكل كبير، الأمر الذي قد يؤدي بدوره إلى تفاقم نقص الكفاءات».

وفي هذا السياق، تخطط شركة «راينميتال» Rheinmetall، أكبر مصنع للذخيرة في أوروبا، لزيادة عدد موظفيها بنسبة 29% أي ما يعادل نحو 9 آلاف موظف بحلول عام 2028، مع التركيز على مطوري المنتجات والمهندسين واللحامين وفنيي الإلكترونيات.

أما شركة «تيسنكروب مارين سيستمز» لبناء الغواصات والفرقاطات، فتسعى لتوظيف ما يصل إلى 1500 عامل في حوض بناء السفن التابع لها في مدينة فيسمار شمالي ألمانيا. وتقوم حالياً بجولات في المعارض المهنية، لكنها تصطدم بنقص حاد في خبراء تخصصات العلوم والهندسة والرياضيات والتكنولوجيا، وهي مشكلة تؤكدها أيضاً شركة «ليوناردو» الإيطالية للصناعات الجوية والدفاعية.

وقالت «ليوناردو»: «في السابق، كانت العقود الدائمة والجيدة التي نوفرها كفيلة بضمان موقعنا الريادي، لكن اليوم، يفضل الشباب قطاعات أخرى على الصناعة».

وفي فرنسا، يعمل غودفروي جوردان، المدير العام لشركة التوظيف «هيدهانتينغ فاكتوري»، على توظيف ميكانيكيين ومهندسي أنظمة وفنيين لصالح نحو 4 آلاف شركة صغيرة ومتوسطة الحجم عاملة في قطاع الدفاع.

وقال جوردان: «الأشخاص الذين نستهدفهم يعملون في وظائف لم يتواصل معهم أحد فيها للتوظيف من قبل، ولا يملكون حتى سيرة ذاتية. عندما نتصل بهم، يظنون أنها عملية احتيال».

وأضاف: «هذه ليست مشكلة تمويل... إنها مشكلة موارد بشرية، لأن المهارات ببساطة غير متوفرة»

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة