تركيا نحو اقتناص فرص جديدة في سوريا "الخالية من العقوبات" وأوكرانيا

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

بعد سنوات من التحولات الجيوسياسية والضغوط الاقتصادية، تجد الشركات التركية نفسها أمام نوافذ جديدة من الفرص الاستثمارية في كل من سوريا وأوكرانيا.

في أعقاب التغيرات الجذرية التي شهدها البلدان، بدءاً من سقوط نظام بشار الأسد في سوريا ورفع العقوبات الدولية، وصولاً إلى جهود حلحلة الأزمة الأوكرانية -التي تشارك فيها تركيا كوسيط- والحاجة الملحّة لإعادة الإعمار، تتهيأ أنقرة لتعزيز نفوذها الاقتصادي والاستراتيجي عبر بوابات إعادة البناء والاستثمار في البنية التحتية والصناعات الحيوية.

يعكس هذا التوجه طموح تركيا في ترسيخ موقعها كمحور إقليمي رئيسي قادر على لعب أدوار متعددة في ساحات سياسية واقتصادية شديدة التعقيد.

في سوريا، تأتي الفرص محملة بآمال وتحديات متشابكة؛ فبعد رفع العقوبات الدولية، تجد الشركات التركية نفسها أمام سوق هائلة للإعمار تقدر احتياجاتها بمئات المليارات من الدولارات، معززةً بشبكة من العلاقات السياسية الجديدة التي تشكلت مع القيادة السورية المنبثقة عن النظام الجديد. إلا أن هذه الفرص لا تخلو من الحذر؛ إذ تواجه الشركات التركية بيئة استثمارية محفوفة بالمخاطر، تشمل ضعف البنية التحتية ومشكلات الأمن، علاوة على القيود المصرفية والضريبية، ما يجعل التوسع التركي في سوريا أشبه بلعبة توازن دقيقة بين الطموح والحذر.

أما في أوكرانيا، فتبدو الصورة أكثر تعقيداً لكنها لا تقل جاذبية من منظور المصالح التركية. فالحرب المستمرة منذ فبراير/ شباط 2022 خلقت حاجة ضخمة لإعادة الإعمار في مختلف القطاعات، من البنية التحتية إلى الطاقة والزراعة، في وقت تتطلع كييف إلى تعزيز شراكاتها مع قوى إقليمية مثل تركيا.

والشركات التركية، التي تملك خبرات واسعة في المقاولات والصناعات الدفاعية والطاقة، بدأت بالفعل في التوسع داخل السوق الأوكرانية، مستفيدة من التسهيلات الحكومية والاتفاقيات التجارية الموقعة مؤخراً. ومع دخول اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين حيز التنفيذ، تفتح آفاق جديدة أمام أنقرة لتعزيز استثماراتها، لا سيما في ظل تقديرات تشير إلى أن قيمة إعادة الإعمار في أوكرانيا قد تتجاوز 500 مليار دولار.



وتبعاً لذلك تجد تركيا نفسها أمام مسارين متوازيين، كل منهما يحمل فرصاً هائلة وتحديات معقدة. فمن جهة، تلوح في الأفق فرص استثمارية ضخمة في سوريا، حيث الحاجة إلى إعادة بناء دولة مدمرة، ومن جهة أخرى، تتطلع أوكرانيا إلى دور تركي متقدم في إعادة الإعمار وسط سباق دولي محموم على عقود البنية التحتية والقطاعات الحيوية. وبين هذا وذاك، يبدو أن الشركات التركية، بدعم من الدولة وأذرعها الاقتصادية، تستعد للعب دور مركزي في صياغة ملامح مرحلة ما بعد الصراع في هذين البلدين، مستفيدة من خبراتها السابقة وعلاقاتها المتشابكة مع العواصم المتنافسة على النفوذ في المنطقة.

فرص في سوريا

في سوريا، ترى الشركات التركية فرصاً كبيرة، لا سيما بعد رفع العقوبات الأميركية مما يمهد الطريق للاستثمار في إعادة الإعمار بعد الحرب. لكن تلك الشركات تظل حذرة من التحديات بدءا من انعدام الأمن المستمر إلى الصداع المصرفي والضريبي.

ومن المتوقع أن تلعب شركات البناء والنقل والتصنيع من تركيا -والتي تمثل الحليف الوثيق للإدارة السورية الجديدة- دورا رئيسيا في إصلاح الأضرار، والتي تقدرها الأمم المتحدة بنحو تريليون دولار، وفق تقرير لرويترز، أشار إلى أن مقابلات أجريت مع مسؤولين من 20 شركة تركية تعكس التفاؤل بشأن إمكانات سوق كانت مغلقة في السابق ذات احتياجات هائلة والحذر من الاستثمارات المتسرعة في بلد حيث حتى التحويلات المالية قد تكون صعبة والأوراق النقدية نادرة.


ووصف وزير المالية السوري محمد يسر برنية بلاده بأنها "أرض الفرص" ، وقال إن الحكومة تخطط لإصلاح أنظمة الضرائب والجمارك والمصارف لتعزيز الاستثمار الأجنبي وتسهيل تعهدات التمويل من المانحين.

وقالت شركات تركية أخرى شاركت في معرض بيلدكس لمواد البناء في العاصمة السورية دمشق هذا الأسبوع إن الطلب من نظيراتها السورية مرتفع للغاية، حتى في الوقت الذي أشادت فيه بالمخاوف بشأن معدلات الضرائب والتعقيدات الجمركية والبنية التحتية للنقل المتهالكة.

ومن المقرر أن تقوم شركتا Kalyon GES Enerji Yatirimlari وCengiz Enerji التركيتين بتوسيع شبكة الكهرباء السورية بموجب صفقة جديدة.

وإلى جانب قطاع البناء، يتطلع المصنعون الأتراك أيضاً إلى سوريا كمركز محتمل للإنتاج منخفض التكلفة.

علاقات واسعة مع أوكرانيا

وفيما يخص أوكرانيا، يشير تقرير لـ strategicanalysis، إلى أنه بينما كان التعاون بين تركيا وأوكرانيا قبل فبراير/ شباط 2022 يهدف بشكل أساسي إلى تطوير صناعة الدفاع التركية، إلا أن هذا البعد توسع بعد الحرب ليشمل أيضاً المساعدة العسكرية المباشرة، والتي أصبحت واحدة من أبرز دعاية العلاقات العامة لدعم أردوغان لكييف.

علاوة على ذلك، أصبحت تركيا رائدة في تأسيس الشركات الجديدة في أوكرانيا، حيث شكلت ما يقارب 13 بالمئة من إجمالي الشركات الأجنبية المستثمرة حديثًا في العام 2024. وأفاد رئيس جمعية الأعمال التركية الأوكرانية، بوراك بهليفان، بأن أكثر من 1100 شركة تركية تعمل في أوكرانيا، وتستثمر بشكل رئيسي في قطاع الطاقة خلال فترة الحرب.

وفي فبراير 2025، أكد أردوغان خلال مؤتمر صحافي مشترك مع زيلينسكي في أنقرة استعداد الشركات التركية لدعم إعادة إعمار أوكرانيا، وهدفها الوصول إلى حجم تبادل تجاري يبلغ 10 مليارات دولار.


وكانت نائبة رئيس الوزراء ووزيرة الاقتصاد في أوكرانيا، يوليا سفيريدينكو، قد ذكرت في وقت سابق من هذا العام أن "الشركات التركية يمكن أن تلعب دورا في عملية إعادة الإعمار والتعافي" في بلادها، وذلك خلال كلمة لها في اجتماع مائدة مستديرة في العاصمة أنقرة بمقر اتحاد الغرف والبورصات السلعية في تركيا.

ونبهت المسؤولة الأوكرانية إلى عددٍ من الفرص الاستثمارية، بما في ذلك الاستثمار في معالجة المواد الخام، لا سيما وأن كييف تمتلك موارد حيوية مثل الليثيوم والتيتانيوم واليورانيوم والمنجنيز.

كما أشارت إلى الفرص الاستثمارية في مجالات الدفاع والزراعة، قائلة إن بلادها "تهدف إلى الاستفادة من خبرة الشركات التركية ومعرفتها الهندسية وتجاربها".

كما أن وزير السياسات الزراعية والغذاء الأوكراني، فيتالي كوفال، سبق وأن صرح أيضاً أن الشركات التركية والأوكرانية تعمل معًا في بلاده، وأن تركيا هي رابع أكبر شريك تجاري ومنتجات زراعية لأوكرانيا. ودعا الشركات التركية للتعاون  "وخاصةً في مجال الزراعة، وفي مجال معالجة المنتجات الزراعية".

وبحسب وزير التجارة التركي عمر بولات، فإن حجم التجارة الثنائية بين البلدين بلغ 6.2 مليار دولار العام الماضي، وأن اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا وأوكرانيا يمكن أن تزيد هذا المبلغ إلى 10 مليارات دولار في وقت قصير. وقال إن العلاقات الاقتصادية بين البلدين تتزايد يوما بعد يوم.

ووفق البيانات التي ذكرها بولات، فإن "تركيا لديها استثمارات في أوكرانيا تقدر بنحو 3.5 مليار دولار، في حين أن أوكرانيا لديها استثمارات في بلادنا تقدر بنحو 16 مليون دولار". وأشار -في فبراير/ شباط الماضي- إلى أن المقاولين الأتراك تولوا دورا قياديا في البناء في أوكرانيا بعد حصول البلاد على استقلالها وأفاد بأن القطاع نفذ 329 مشروعا بقيمة حوالي 10 مليارات دولار حتى الآن. كما أكد أن الشركات التركية مستعدة لتقديم كافة أنواع الدعم في إعادة إعمار البنية التحتية والفوقية لأوكرانيا.

تعاون

ووفق تقرير لمنصة gb4u  وهي جمعية دولية تهدف إلى دعم الاقتصاد الأوكراني من خلال تعزيز التعاون بين الشركات العالمية وأوكرانيا
وقبيل أيام، عقدت منظمة GB4U - وهي جمعية دولية تهدف إلى دعم الاقتصاد الأوكراني من خلال تعزيز التعاون بين الشركات العالمية وأوكرانيا- بالتعاون مع مجلس الأعمال التركي-الأوكراني اجتماعًا عبر الإنترنت، بمشاركة أكثر من 200 شخص من رجال الأعمال الأتراك والأوكرانيين، تأكيدًا على استمرار التعاون الثنائي رغم الحرب في أوكرانيا.

سلطت الجلسات الضوء على فرص الاستثمار والتجارة بين البلدين، إذ أشار المتحدثون إلى أهمية الشركات التركية في أوكرانيا، والتي تمثل 20% من الاستثمارات الأجنبية هناك بإجمالي 4 مليارات دولار، مع توقعات بزيادة التبادل التجاري إلى 12 مليار دولار بدخول اتفاقية التجارة الحرة حيز التنفيذ.

وناقش المشاركون فرص التعاون في قطاعات مثل البناء والطاقة والزراعة، وأكدوا أهمية مؤتمر إعادة إعمار أوكرانيا المرتقب في روما لتعزيز الشراكات الدولية. وركزت الجلسات على احتياجات إعادة الإعمار الضخمة في أوكرانيا بقيمة 524 مليار دولار، منها 281 مليار مخصصة للبنية التحتية، مع دعوات لاستخدام نماذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

كما تناول النقاش قطاع الطاقة، حيث استعرضت استثمارات شركات كبرى مثل DTEK وEksim Enerji في مشروعات الطاقة المتجددة، رغم التحديات التمويلية واللوجستية. وفي الزراعة، أشار الخبراء إلى أن أوكرانيا حققت صادرات بقيمة 24.5 مليار دولار في 2024، مع دور محوري لتركيا في مبادرة الحبوب عبر البحر الأسود.

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة