يبدأ رئيس الفدرالي الأميركي، جيروم باول، اليوم الثلاثاء جلسات شهادة تمتد ليومين أمام الكونغرس، في ظل انتقادات مباشرة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسبب عدم خفض معدلات الفائدة، وذلك رغم أن منصبه على رأس البنك المركزي يبدو محصّناً حالياً من أي إجراء رئاسي، بفضل قرار أصدرته المحكمة العليا الشهر الماضي.
وكان ترامب قد ألمح في تصريحات سابقة إلى إمكانية إقالة باول أو تسمية خليفة له في وقت قريب، في خطوة يعتبرها بعض المحللين محاولة لممارسة نفوذ على السياسة النقدية من خلال "رئيس ظل" للفدرالي، حتى قبل انتهاء ولاية باول الرسمية في مايو أيار 2026.
غير أنّ اعتراف المحكمة العليا الشهر الماضي بالطبيعة الخاصة للبنك الفدرالي، وبتحصين أعضائه السبعة من العزل بسبب خلافات تتعلّق بالسياسة النقدية، أظهر بوضوح أن جيروم باول سيُكمل ولايته حتى نهايتها، كما بيّن أن الرئيس ترامب قد يتمكن من تعيين عضو واحد فقط إضافي في مجلس إدارة الفدرالي قبل مغادرته منصبه في يناير كانون الثاني 2029.
ووفقاً لما كتبه كريشنا غوهـا، نائب رئيس شركة Evercore ISI والمسؤول السابق في الاحتياطي الفدرالي بنيويورك، فإن مخاطر تعيين خليفة لباول مبكراً –أي قبل أشهر من شغور المقعد في يناير كانون الثاني، وأشهر أخرى قبل انتهاء ولاية باول قد تكون أكبر من أي تأثير محتمل قد يمارسه رئيس فدرالي "منتظر".
اقرأ أ يضاً: رئيس الفدرالي الأميركي: بدأنا نلمس بعض آثار الرسوم الجمركية ونتوقع المزيد
كتب كريشنا غوهـا، نائب رئيس «إيفركور ISI»، أن «تسمية رئيس جديد للفدرالي في الوقت الحالي، على أمل أن يكون بمثابة صوت بديل وفعّال في السياسة النقدية طوال العام المقبل، من شأنه أن يُربك الأسواق.. بطرق لا تساعد على الدفع نحو خفض معدلات الفائدة».
وأضاف: «الشخص المرشّح لن يكون قادراً على التأثير الحقيقي في السياسة النقدية لفترة من الزمن، وقد يفقد مصداقيته في توجيه الانتقادات إلى لجنة هو نفسه سيحتاج لاحقاً إلى قيادتها».
وأشار إلى أن أي خطأ في هذه العملية قد يُعقّد عملية التصديق على التعيين في مجلس الشيوخ.
ويبدأ جيروم باول، اليوم الثلاثاء، جولته نصف السنوية في الكونغرس، حيث يُدلي بشهادته أمام لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب، في وقت لا يزال فيه العديد من صانعي السياسات النقدية مترددين بشأن خفض معدلات الفائدة، رغم الضغوط العلنية التي يمارسها الرئيس دونالد ترامب.
ويُفضّل صانعو القرار في الفدرالي الانتظار حتى يتّضح مسار الجدل القائم داخل الإدارة بشأن الرسوم الجمركية، ومعرفة كيف ستؤثر تلك السياسات على التضخم، والنمو، وسوق العمل، قبل اتخاذ أي قرار بشأن الفائدة.
قد تُلقي الضربات الجوية الأميركية ضد إيران والصراع المستمر بين إيران وإسرائيل بظلالها على شهادة رئيس الفدرالي جيروم باول، لا سيما مع احتمال ارتفاع أسعار النفط، وهو ما قد يُصبح جزءاً من النظرة الاقتصادية للفدرالي، التي خضعت فعلاً لمراجعات منذ تولّي الرئيس دونالد ترامب منصبه، واتجاهه نحو سياسات جمركية تصعيدية، أسفرت عن تباطؤ في النمو وارتفاع في معدلات التضخم.
حتى الآن، مع ذلك، لا تزال أسعار النفط مستقرة.
ومهما كان موقف الرئيس ترامب من توجهات الفدرالي، فإن تشكيلة صانعي السياسة النقدية شبه مستقرة، ما لم تحدث استقالات مفاجئة.
اقرأ أيضاً: أسعار النفط تهوي 4% بعد إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل
ويهدف الكونغرس، من خلال تحديد مدة ولاية حكام الفدرالي بـ14 عاماً، مع انتهاء فترة ولاية كل عضو على نحو متدرج كل عامين، إلى تقليص قدرة أي رئيس على التأثير السياسي في قرارات الفائدة خلال فترة ولايته البالغة أربع سنوات، وذلك للحد من التسييس المحتمل للسياسة النقدية، لما لها من تأثير مباشر على نتائج الانتخابات.
أما رئاسة البنك الفدرالي، فتخضع لجدول منفصل، حيث تمتد ولاية الرئيس لأربع سنوات، ما يتيح لكل رئيس أميركي فرصة تعيين رئيس للفدرالي خلال ولايته، دون أن يتمكن من إعادة تشكيل المجلس بالكامل.
تنتهي ولاية جيروم باول كرئيس للفدرالي في مايو أيار المقبل، إلا أن عضويته في مجلس محافظي البنك ممتدة حتى عام 2028. ومع ذلك، من المرجّح أن يتبع باول التقاليد المتّبعة ويغادر منصبه بالكامل عند انتهاء فترة رئاسته. ما يعني أن الرئيس ترامب، خلال ولايته الحالية، سيكون أمامه فرصتان مؤكدتان فقط لتعيين أعضاء في مجلس الفدرالي: المنصب الذي يشغله باول حالياً، ومقعد الحاكمة أدريانا كوغلار، التي عيّنها الرئيس السابق جو بايدن وتنتهي ولايتها في يناير كانون الثاني المقبل.
أما العضوان الآخران في المجلس، نائبة الرئيس للإشراف ميشيل بومان والحاكم كريس والر، فهما من تعيينات ترامب خلال ولايته الأولى، لكنهما الآن، كغيرهما من الأعضاء، محصّنان من الضغوط السياسية. وقد شاركا في سلسلة من قرارات التصويت بالإجماع هذا العام لإبقاء معدلات الفائدة دون تغيير، رغم أن كليهما أشار في الآونة الأخيرة إلى أن خفض الفائدة في أقرب وقت خلال يوليو تموز قد يكون مناسباً.
ومع ذلك، فإن قرارات معدلات الفائدة لا تُتخذ فقط على مستوى مجلس المحافظين، بل في اجتماعات تضم أيضاً رؤساء البنوك الفدرالية الإقليمية الـ12، حيث يُشارك خمسة منهم سنوياً في التصويت على معدلات الفائدة، بحسب نظام التناوب.
اقرأ أيضاً: ترامب يُلوّح مجدداً بإقالة جيروم باول بسبب معدلات الفائدة
وتتميّز هذه البنوك الإقليمية بأنها أكثر استقلالية عن نفوذ الرئاسة، إذ يتم تعيين رؤسائها من قبل مجالس إداراتها الخاصة، باعتبارها مؤسسات شبه خاصة أُنشئت قبل أكثر من قرن لضمان تمثيل الأقاليم المختلفة في السياسة النقدية الوطنية.
ورغم أن الرئيس أو رئيس الفدرالي يمكنهما رفض مرشح لرئاسة أحد البنوك الاحتياطية، فإن فترات ولاية رؤساء البنوك الإقليمية ثابتة، ولا تنتهي سوى ثلاث منها قبل مغادرة ترامب المحتملة للبيت الأبيض، ولا تنتهي أي منها قبل عام 2028، بينما تمتد معظمها حتى ثلاثينيات هذا القرن.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي