في ظل فوضى الرسوم الجمركية والانقسام السياسي العالمي، وتوترات متصاعدة في منطقة الشرق الأوسط، تجتمع مجموعة بريكس الناشئة، في البرازيل بحثاً عن موطئ قدم في النظام العالمي بعيداً عن الدول الكبرى التي تتحكم بمسار العالم اقتصادياً وسياسياً، بين دول معظمها تعاني من الضغوط الغربية المتصاعدة.
وباعتبارها الرئيس الدوري للكتلة، تستضيف البرازيل القمة تحت شعار "تعزيز التعاون العالمي الجنوبي من أجل حوكمة أكثر شمولاً واستدامة".
اقرأ أيضاً: مخاوف في بريكس من تجزئة الاقتصاد العالمي وإضعاف التعددية
قال الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في افتتاح منتدى أعمال مجموعة بريكس، السبت 5 يوليو/ تموز، إنه يقع على عاتق الدول الناشئة دعم نظام التجارة متعدد الأطراف وإصلاح البنية الدولية.
وشدد على أن دول المجموعة تضمن مستقبلاً واعداً لشعوبها، مشيراً إلى أن الرخاء لن يتحقق في عالم مضطرب ولهذا يجب إنهاء الحروب.
وأضاف الرئيس البرازيلي أن حجم التجارة بين البرازيل ودول بريكس بلغت 210 مليار دولار خلال عام 2024.
غداً الأحد، تنطلق أعمال القمّة الـ17 لمجموعة دول بريكس بمدينة ريو دي جانيرو في البرازيل، بمشاركة قادة وزعماء قوى اقتصادية صاعدة، لبحث آفاق التعاون الدولي، وصياغة رؤية طموحة تعكس تطلعات عالم متعدّد الأقطاب.
وتشارك في القمّة عشرون دولة، تشمل دولاً ذات عضوية كاملة ودولاً شريكة ضمن مجموعة بريكس.
وتمتد فعاليات القمّة على مدار يومين، وتتضمن جدول أعمال مكثفاً يشمل جلسات عامة ولقاءات ثنائية ومتعدّدة الأطراف، فيما تركز المناقشات على "تعزيز التعاون بين دول الجنوب"، في سياق السعي لترسيخ دور بريكس في المشهد الدولي.
وتحت هذا العنوان العام تتوزع عدة محاور رئيسية تشمل الحوكمة الاقتصادية العالمية، والتكنولوجيا والابتكار، والتنمية المستدامة وقضايا المناخ، والسلام والأمن الدوليين بالإضافة إلى جلسات رسمية متنوعة.
الرسوم الجمركية
ومن المتوقع أن تتوحد الاقتصادات الناشئة، التي تمثل نحو نصف سكان العالم و40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، حول ما تعتبره رسوماً جمركية غير منصفة تفرضها الولايات المتحدة على وارداتها، وفقاً لمصادر مطلعة على المفاوضات.
ويستعد قادة مجموعة بريكس في ريو دي جانيرو، لتبنّي موقف مناوئ للرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية التجارية، وعدد من قضايا الشرق الأوسط، فضلاً عن أهمية مواجهة التغير المناخي.
اقرأ أيضاً: ترامب يعلن بدء إرسال خطابات للدول لتحديد معدلات الرسوم الجمركية في هذا الموعد
ووفقاً لمسودة بيان جرى إعدادها لاجتماع القادة الذي يُعقد بدءاً من يوم الأحد، فإن الزعماء سيعبرون عن "قلق بالغ" إزاء الإجراءات الأحادية المتعلقة بالرسوم الجمركية وغير الجمركية، بحسب وكالة شينخوا الصينية.
ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني، توعد ترامب حلفاءه ومنافسيه على حد سواء بفرض رسوم جمركية عقابية على سلعهم.
غياب بوتين وشي
للمرة الأولى في تاريخ اجتماعات المجموعة، يغيب الرئيس الصيني شي جين بينغ، بعد أن أبلغت بكين الحكومة البرازيلية أن الغياب ناتج عن تضارب في المواعيد، وسيمثل الصين في القمّة رئيس الوزراء لي تشيانغ.
وتمثل الصين أكبر اقتصاد داخل مجموعة بريكس، إذ تُسهم بنحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي للمجموعة، وتعتبر الشريك التجاري الأكبر لمعظم الأعضاء وتلعب دوراً محورياً في نجاح أي مبادرة تتبناها المجموعة.
🟢 على هامش فاعليات قمة رؤساء مجموعة بريكس الـ 17.. وزير التجارة الخارجية الإماراتي، ثاني الزيودي، يقول إن اقتصادات التكتل سيكون لها تأثير كبير على الاقتصادات العالمية خلال الـ 25 عاماً المقبلة، كاشفاً عن حجم التبادل التجاري غير النفطي للإمارات مع دول المجموعة #CNBC_عربية pic.twitter.com/rmyrVQCp0Q
— CNBC Arabia (@CNBCArabia) July 5, 2025
بدوره، يغيب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الحضور، لكنّه سيشارك عبر تقنية الاتصال الافتراضي، فيما يحضر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نيابة عنه.
وكانت الحكومة البرازيلية قد تولت رئاسة المجموعة للمرة الرابعة في يناير/ كانون الثاني الماضي، ونفت وجود نية لإنشاء عملة مشتركة لدول بريكس، لكن الدول الأعضاء لم تنفِ نيّتها الاعتماد على العملات المحلية في التبادلات التجارية البينية بين الأعضاء.
انضمام إيران
ومع انطلاق قمة بريكس في مدينة ريو دي جانيرو، الأحد، تنضم إيران رسمياً باعتبار أنها عضو جديد في التكتل الطموح الذي يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، إلى جانب دول منضمة حديثاً.
وتأتي مشاركة طهران في وقت حرج، بعد نحو أسبوعين على ضربات عسكرية إسرائيلية وأميركية استهدفت مواقع داخل إيران، على خلفية برنامجها النووي. وكانت أصدرت بريكس بياناً أعربت فيه عن قلق بالغ إزاء تلك الهجمات، واعتبارها انتهاكاً للقانون الدولي.
وفي هذا الإطار، نقلت نيويورك تايمز عن مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد تشاتام هاوس البريطاني، سانام وكيل، أنّ الانضمام إلى بريكس يحمل رمزية كبيرة لإيران في هذا الوقت".
بنك التنمية
أنشأت خمس دول من مجموعة البريكس، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، بنك التنمية الجديد (NDB) في عام 2014.
وبدأ البنك، الذي يتخذ من شنغهاي مقراً له، عملياته رسمياً في عام 2015 لتحقيق رسالته المتمثلة في تعبئة الموارد لمشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة في الدول الأعضاء في مجموعة البريكس، بالإضافة إلى اقتصادات الأسواق الناشئة والدول النامية الأخرى.
اقرأ أيضاً: تهديد جديد من ترامب: فرض رسوم جمركية على دول "بريكس" في حال التخلي عن الدولار
ومن خلال بنك التنمية الجديد، عززت مجموعة البريكس التنمية الدولية من خلال جمعها بين اقتصادات ديناميكية ملتزمة بتحويل الجنوب العالمي.
وأشار باتريسيو جيوستو، مدير المرصد الصيني الأرجنتيني، إلى أن مجموعة البريكس تقدم للعالم، وخاصة بلدان الجنوب العالمي، "برامج تمويلية يجري تطويرها من خلال بنك التنمية الجديد وبرامج محددة أخرى".
إعادة تشكيل النظام العالمي
وتحمل القمّة أهمية كبيرة في ظل سعي دول الجنوب العالمي لإعادة تشكيل النظام العالمي وتقليل الاعتماد على الهياكل الاقتصادية والسياسية الغربية التقليدية، كما تسعى لتعزيز التجارة بالعملات المحلية والتعاون الاقتصادي بين الأعضاء، في إطار استراتيجية أوسع لبناء نظام اقتصادي متعدد الأقطاب.
كما تأتي القمة السابعة عشرة لمجموعة بريكس، في توقيت حرج، إذ تواجه المجموعة تحديات داخلية وخارجية تختبر تماسكها وقدرتها على تحقيق أهدافها الطموحة، فمن جهة، تسعى دول الأعضاء لتعزيز التعاون في مجالات حيوية مثل التكنولوجيا والمناخ والصحة، ومن جهة أخرى تواجه صعوبات في التنسيق بين مصالحها المتنوعة وأحياناً المتضاربة.
قوة اقتصادية جديدة
تساهم مجموعة بريكس بما يقارب 40% من التجارة العالمية، وتجارة داخلية تجاوزت التريليون دولار، و27% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و72% من احتياطيات المعادن النادرة في العالم.
وبحسب أحدث الإحصائيات، تضم المجموعة أكثر من 3.7 مليارات نسمة، أي ما يعادل 45% من سكان العالم، ويترجم هذا الحجم الديموغرافي الضخم، إلى قوة استهلاكية وإنتاجية هائلة، خاصة مع النمو المستمر للطبقة المتوسطة في هذه البلدان.
ومن المتوقع أن تتفوق بريكس على مجموعة السبع اقتصادياً بحلول عام 2030، إذ تشير التوقعات إلى أن نصيبها من الناتج العالمي سيرتفع إلى 29% مقابل تراجع نصيب مجموعة السبع في مجال التجارة الدولية. كما سيكون الذكاء الاصطناعي وإصلاح المؤسسات الدولية على جدول الأعمال.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي