فيما يجتمع قادة مجموعة «بريكس» الموسّعة هذا الأسبوع في مدينة ريو دي جانيرو، يلفت غياب لاعب أساسي الأنظار: الرئيس الصيني شي جين بينغ. إنها المرة الأولى منذ أكثر من عقد التي يتغيّب فيها شي عن القمة السنوية للتكتل، وهو منبر لطالما استخدمته بكين للترويج لرؤيتها الخاصة لعالم متعدد الأقطاب.
وبدلاً من حضوره شخصياً، أوفد شي رئيس الوزراء لي تشيانغ، الرجل الثاني في هرم القيادة الصينية والمقرّب منه.
يأتي غياب شي عن القمة التي تستمر يومين في ريو دي جانيرو في لحظة حرجة لمجموعة البريكس، التي يعود اسمها المختصر إلى الأعضاء الأوائل البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، والتي توسعت منذ عام 2024 لتشمل مصر والإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا وإندونيسيا وإيران.
تواجه بعض الدول الأعضاء في «بريكس» مهلة نهائية تنتهي في 9 يوليو تموز الجاري للتفاوض بشأن الرسوم الجمركية التي يعتزم الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرضها، في وقت يُعاني فيه الجميع من حالة عدم يقين اقتصادي عالمي نتيجة التغيرات الجذرية التي أحدثها في منظومة التجارة الأميركية ما يفرض ضغوطاً إضافية على التكتل لإظهار مزيد من التماسك والتضامن.
اقرأ أيضاً: وزراء مالية "بريكس" يدعون لإصلاح صندوق النقد الدولي وإنهاء الهيمنة الأوروبية على إدارته
رغم أن قرار الرئيس الصيني بالتغيّب عن القمة الممتدة ليومين قد يبدو مفاجئاً نظراً إلى الدور المحوري الذي تلعبه بلاده داخل «بريكس»، يرى خبراء أن هذا لا يعني تقليلاً من أهمية التكتل بالنسبة لبكين. فـ«بريكس» يُعدّ أحد المرتكزات الرئيسة في جهود الصين لضمان ألّا تُحاصر من قبل تحالفات الولايات المتحدة وحلفائها، بحسب موقع newsx.
في الداخل، تواجه الصين رياحاً اقتصادية معاكسة بشكل متزايد. فتباطؤ النمو، وارتفاع معدّلات البطالة في صفوف الشباب، واحتدام التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، كلها عوامل تستحوذ على قدر كبير من تركيز واهتمام الرئيس شي جين بينغ في هذه المرحلة.
يشير محللون إلى أن تركيز شي جين بينغ قد يكون منصبّاً حالياً على التحضيرات الداخلية، استعداداً لاجتماع سياسي كبير يُتوقّع انعقاده في وقت لاحق هذا العام.
ويرى خبراء أن شي على الأرجح يُعطي الأولوية للاستقرار الداخلي والتعافي الاقتصادي على حساب الظهور الدولي.
وقال جوردون تشانغ، الخبير البارز في العلاقات الأميركية الصينية، بأن غياب شي قد يعكس مشاكل أعمق داخل الهرم السياسي الصيني.
وكتب تشانغ على موقع X: "هذا مؤشر آخر على أن شي جين بينغ يفقد نفوذه في العاصمة الصينية".
غير أنّ الصين عزت غياب الرئيس شي جين بينغ عن القمة إلى «تعارض في الجدول الزمني»، مشيرة إلى لقائه السابق هذا العام مع الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، بحسب ما نقلته صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست. وسيتولى رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ قيادة الوفد الرسمي إلى القمة، في ما يُعد استمراراً لنمط حديث يتمثل في تقليص شي لظهوره على الساحة الدولية.
غياب الرئيس الصيني عن القمة ليس الحدث الوحيد اللافت، إذ إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيغيب كذلك، وسيشارك عن بُعد، وذلك بسبب مذكرة توقيف صادرة بحقه عن المحكمة الجنائية الدولية.
في المقابل، من المتوقع أن يحضر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي القمة شخصياً، مع احتمال قيامه بزيارة دولة إلى البرازيل على هامش الاجتماعات.
كما يُنتظر أن يشارك الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، فيما سترسل بعض الدول المنضمة حديثاً، مثل إندونيسيا، كبار ممثليها. وتبقى تفاصيل مشاركة السعودية غير واضحة حتى الآن.
يُتوقّع أن تكون قضية «إزالة الدولرة»، أي تقليل الاعتماد على الدولار الأميركي في التجارة والتمويل، من أبرز محاور النقاش في قمة «بريكس» هذا العام، وهي فكرة تلقى تأييداً خاصاً من دول مثل روسيا وإيران الخاضعتين لعقوبات أميركية صارمة.
وكان الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا قد أكّد في وقت سابق من هذا العام أن «توسيع خيارات الدفع» يُشكّل أولوية لبلاده خلال استضافتها للقمة. كما تُشير تقديرات إلى أن الصين تسعى أيضاً إلى تعزيز استخدام عملتها الرقمية في المبادلات التجارية بين أعضاء التكتل.
ومع ذلك، فإن الطرح السابق بإنشاء عملة موحدة لـ«بريكس» —وهي فكرة روّج لها لولا عام 2023 —لن يكون على الأرجح ضمن الملفات الرئيسية لهذا العام. ويُذكر أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هاجم تلك الفكرة بشدة في حينه، مهدّداً بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الدول التي تدعمها.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي